الخميس , أبريل 25 2024
جيش القعقاع

“جيش القعقاع”: الجولاني يتمدد إلى “درع الفرات”… بغض نظر تركي

“جيش القعقاع”: الجولاني يتمدد إلى “درع الفرات”… بغض نظر تركي

ما زالت الوصفةُ التركيّة للتقريب بين “هيئة تحرير الشام” وجماعة “الإخوان المسلمين” في شمال غربي سوريا قائمةً وقيد الاختبار والتجريب، وذلك بغية التحقق من قدرتها على اختراق المعادلات القائمة وإعادة رسم خرائط التحالفات بما يحقق المصالح التركية ويخدم أجندتها التوسعية. وكان آخر عنصر من عناصر تطبيق هذه الوصفة ظهور ما أطلق عليه اسم “جيش القعقاع” في مناطق درع الفرات عبر بيان صدر عن مؤسِّس الجيش أبو المعتصم بالله زبداني المعروف بارتباطه بـ”هيئة تحرير الشام” وولائه لزعيمها الجولاني.

وذكر البيان رقم “1” الممهور بتوقيع الـ “زبداني” أنه “تمّ بفضل الله البدء بتشكيل جيش القعقاع لـ “استكمال الفرق العاملة فيه سائلين المولى التوفيق والسداد”. وإذ جاء البيان موجزاً وغامضاً لعدم كشفه عن تبعية الجيش الجديد وما هي خلفياته وارتباطاته وأهدافه، تولى تسجيل صوتي مسرب ومنسوب لأبي المعتصم بالله مهمة إزالة اللبس وإضاءة الجوانب التي أغفلها البيان المكتوب. وورد في التسجيل أن “جيش القعقاع بين عمر التميمي هو جيش تابع لـ”هيئة تحرير الشام”. وأضاف أن الهدف من تأسيسه هو “السيطرة على كل مناطق الشمال المحرر ووضعها تحت راية واحدة وقيادة واحدة”. وادّعى المتحدث في التسجيل أن هناك ألوية ووحدات من قوات المعارضة بايعت الجيش الجديد، لا سيما في مدينتي الباب وعفرين. وقد انتشر بالتوازي مع التسريب الصوتي مقطع فيديو لمجموعة من المسلحين قالوا إنهم ينتمون إلى فصيل “أسود جبل الزاوية” أعلنوا فيه انضمامهم إلى “جيش القعقاع”.

وتعقيباً على ذلك، ذكر حساب “مزمجر الشام” وهو حساب على موقع تويتر معنيّ بالشؤون الجهادية ومعروف عنه مناوءته للجولاني، أن “جيش القعقاع” المشكل حديثاً “يعدّ أول تمدد لـ”هيئة تحرير الشام” نحو مناطق درع الفرات وغصن الزيتون الواقعتين تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني”. واستطرد بالقول إن “تواجد الهيئة في تلك المناطق سابقاً كان يقتصر على خلايا أمنية تعمل بغطاء من الجبهة الشامية” وهذه الأخيرة تعتبر من أبرز الفصائل المعروفة بقربها من جماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا بعد فصيل “فيلق الشام” الذي يُصنّف بدوره بأنه الأقرب إلى الجماعة والأكثر التصاقاً بالمصالح التركية.

ويأتي مسعى الجولاني للتمدد عسكرياً في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون الواقعتين تحت الاحتلال التركي المباشر، بعد جهود مكثفة بذلتها جهات محلية وإقليمية بهدف التقريب من الناحية السياسية بين “هيئة تحرير الشام” وجماعة “الإخوان المسلمين”. وقد دشنت زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للدوحة في شهر شباط (فبراير) الماضي هذه الجهود، اذ اعتبر مراقبون للمشهد السوري أن حرص الوزير التركي في تلك الزيارة على لقاء رئيس الوزراء السوري السابق المنشق ومنسق الهيئة العليا للمفاوضات (المعارضة) السابق رياض حجاب يعد بمثابة توكيل تركي لحجاب لإتمام صفقة التقريب بين الطرفين.

وقد تزامنت الجهود التركية في حينه مع تسريب معلومات تحدثت عن تكليف الجولاني شخصية مؤثرة في “هيئة تحرير الشام” بمهمة فتح قنوات اتصال مع “الجيش الوطني السوري” المعارض وبالأخص مع “الجبهة الشامية”. وذكرت التسريبات أن هذه الشخصية هي أبو ماريا القحطاني المصنف على قوائم الإرهاب الأميركية وهو عراقي الجنسية، وأن الغاية هي بناء جسور تواصل وإقامة علاقات على أسس جديدة بين الهيئة وفصائل “الجيش الوطني”.

وقد تعززت هذه التسريبات عندما أطلق محمد سرميني القيادي في المعارضة السورية والمقرب من جماعة “الإخوان المسلمين”، حتى أنه كان أحد أعضاء الفريق الذي أنشأته الجماعة لإدارة ملفف “الثورة السورية”، مبادرته الشهيرة لإطلاق حوار بين جماعة “الإخوان” و”هيئة تحرير الشام”، وذلك في مقالة نشرها في شهر نيسان (أبريل) على موقع “جسور” للدراسات الذي يديره. واعتبر القيادي “الإخواني” أن إجراء حوار بين المعارضة ممثلة بجماعة “الإخوان المسلمين” و”هيئة تحرير الشام” سوف تترتب عليه مكاسب سياسية لكلا الطرفين. فبالنسبة الى الهيئة سوف يمنحها الحوار سلّماً للنزول عن شجرة التصنيف الدولي على قوائم الإرهاب ويساعدها على إعادة التموضع بصورتها المحلية داخل خريطة الحل السياسي بدلاً من الاكتفاء بصيغة فرض الأمر الواقع في إدلب من دون أفق سياسي.

في المقابل فإن المعارضة السورية التي تتحكم جماعة “الإخوان المسلمين” بمعظم هياكلها السياسية، سوف تحصل بدورها على مكاسب ثمينة عبر تجميع نقاط القوة لديها مثل تعزيز موقعها في العملية السياسية كطرف مسيطر على مساحة تقارب 11 في المئة من عموم الأراضي السورية، بعدما كان يستثنى من ذلك مساحة إدلب الخاضعة لسيطرة الجولاني.

وعمليّاً جاء الإعلان عن التشكيل الجديد التابع لـ”هيئة تحرير الشام” في مناطق الاحتلال التركي، متزامناً في توقيته مع الإعلان عن عزم أنقرة تشكيل جهاز استخبارات عسكرية في مناطق احتلالها تكون مهمته الإمساك بالأمن في هذه المناطق، وذكرت مصادر إعلامية أن الخيار وقع على أبو علي نداف القيادي في “الجيش الوطني” الممول والمدعوم تركياً لقيادة جهاز الاستخبارات الجديد.

ويعتقد بعض المراقبين أن تمدد الجولاني يخدم مصالح تركيا في مطلق الأحوال، حتى عندما يكون هناك نوع من الاختلاف بين الطرفين. ومردّ ذلك أن تركيا تعتبر الجولاني ورقة في جيبها تقابل ورقة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) حليفة الولايات المتحدة في شرق سوريا والتي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً نتيجة ارتباطها بـ”حزب العمال الكردستاني”. وتقوم السياسة التركية على أنه إذا كان من حق واشنطن المطالبة بمشاركة “قسد” في الحل السياسي – وهي تنظيم ارهابي – فإن من حق الجولاني أن يسعى إلى الجلوس الى الطاولة نفسها. ويعني ذلك بعبارة أوضح أن أنقرة تعرض على واشنطن التخلي عن الأكراد مقابل بيعها الجولاني في بازار التسويات في المنطقة، وإلا فإن ما يصح على “قسد” يصح كذلك على الهيئة.

وذكرت مصادر إعلامية أن “جيش القعقاع” يحظى بتمويل جيد، إذ يعرض على المنتسب إليه راتباً شهرياً مقداره 100 دولار أميركي أي ما يعادل 800 ليرة تركية تقريباً، وهو عرض مغرٍ في ظل استمرار أزمة انقطاع الرواتب والمخصصات عن بعض فصائل “الجيش الوطني” والجبهة الوطنية المعارضتين.

وحول هوية قائد “جيش القعقاع”، ذكرت مواقع محلية سورية أن أبو المعتصم بالله زبداني هو سليمان الدالاتي من مواليد مدينة الزبداني عام 1989. وكان عمره نحو سبعة عشر عاماً عندما سجن بتهمة جريمة قتل ضد مواطن مسيحي داخل حرم المحكمة العسكرية في منطقة المزة. وتنقل بين سجني عدرا وصيدنايا لمدة خمس سنوات قبل أن يتم الإفراج عنه مع بدء الأزمة السورية عام 2011. وقد انضم الدالاتي أولاً إلى فصيل “أحرار الشام” في الزبداني بقيادة أبو عدنان الزبداني، قبل أن ينتسب إلى “جبهة النصرة” فرع القلمون بقيادة أبي مالك التلّي.

المصدر: النهار العربي – عبدالله سليمان علي

اقرأ أيضا: تعزيزات للجيش السوري وروسيا تدفع بشحنات قذائف ليزرية إلى محيط عفرين