الخميس , مارس 28 2024
أبيات “يا حادي العيس”

قتل نفسه حزناً على فراق محبوبته بعد أن نظم أبيات “يا حادي العيس”.. قصة “مجنون دير هرقل”

قتل نفسه حزناً على فراق محبوبته بعد أن نظم أبيات “يا حادي العيس”.. قصة “مجنون دير هرقل”

شام تايمز

قبيل طلوع الصبح، قافلة طويلة من الجمال تستعد للرحيل بأصحابها إلى ديار بعيدة، المحبوبة في هودجها على ظهر الإبل، تطل من خلف الستار وترسل تحية وداع حزينة لمحبوبها الذي يفقد صوابه ويصرخ: “لا حملت رجلاك يا جمل”.

شام تايمز

مشهد الفراق ذاك حصل في زمن بعيد منذ قرون مضت، مع ذلك فهو مألوف لمعظمنا بفضل مجنون سكن “دير هرقل” وخلد مشهد وداعه لحبيبته في قصيدة لا تزال تغنى إلى اليوم وتحمل اسم “يا حادي العيس”.

يا حادي العيس.. قصة مجنون دير هرقل

اختلف المؤرخون على هوية الشاعر الذي نظم قصيدة “يا حادي العيس” (وحادي العيس هو ماسك خطام الإبل عند السفر وقائد الركب من القوافل) لكن العديد منهم قالوا إن راويها شاعر مجنون كان حبيساً في دير للمجانين يسمى “دير هرقل”.

ذكرت قصة مجنون دير هرقل في العديد من المراجع التاريخية منها كتاب “مصارع العشاق” لجعفر بن أحمد السراج البغدادي الذي روى القصة بسند عن عبد الله بن عبدالعزيز السامري.

ويحكي السامري أنه مرّ مع صاحبه على “دير هرقل”، فأرادا أن يعرجا على الدير ويستكشفان ما بداخله.

فلما دخلا شاهدا شاباً حسن الوجه، بهيّ الطلعة مقيداً بسلسلة إلى الجدار، فعجبا من أمره وتساءلا كيف لمثله أن يكون مجنوناً؟ خاصة وأنه قد بادرهما بتحية بليغة لا يصدر مثلها من فم مجنون، فسأله السامري: ما تصنع في هذا المكان الذي أنت لغيره أهل؟

فأنشد الشاب أبياتاً قال في مطلعها:

اللهُ يعلمُ أنّني كَمِدُ … لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِد

نَفسانِ لي: نفسٌ تضَمّنَها … بَلَدٌ، وأُخرَى حازَها بَلَدُ

أمّا المُقيمةُ ليس ينفعُها … صَبرٌ، وليس بقربها جلَدُ

وأظنّ غائبَتي كشاهِدَتي … بِمكانِها تجِدُ الذي أجِدُ

أعجب السامري وصاحبه ببلاغة الشاب، لكنهما سرعان ما هما بالرحيل، فناشدهما الشاب: بأبي ما أسرع ذهابكما … أعيراني سمعكما، ثم أنشد قصيدة “يا حادي العيس” التي يقول فيها:

لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم … ورحلوها وسارت بالدجى الإبل

وقلبت من خلاف السجف ناظرها … ترنو إلي ودمع العين منهمل

فودعت ببنان عقدها عنم … ناديت لا حملت رجلاك يا جمل

ويلي من البين ماذا حل بي وبها … يا نازح الدار حل البين وارتحلوا

يا حادي العيس عرج كي أودعها … يا حادي العيس في ترحالك الأجل

إني على العهد لم أنقض مودتهم … فليت شعري وطال العهد ما فعلوا

ولما قال الشاب “فليت شعري وطال العهد ما فعلوا”، أراد السامري وصاحبه مداعبته لينظروا ما يفعل، فأجابوه: ماتوا.. فقال: أقسمت عليكم! ماتوا؟ فأكد السامري وصاحبه الخبر: نعم! ماتوا.

فقال الشاب: إني والله ميت في أثرهم، وجذب السلسلة التي كان مقيداً بها فخنق بها نفسه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

ووفقاً للسراج، يعلق السامري على تلك الحادثة قائلاً: والله لا أنسى ندامتنا على ما فعلنا.

الشاعر المجهول

رويت قصة مجنون دير هرقل ذاتها في عدة كتب تاريخية مع اختلاف في بعض التفاصيل، فوردت في كتاب “العقد الفريد”، حيث قال مؤلفه ابن عبد ربّه الأندلسي إن المصدر الأول للقصيدة هو محمد بن يزيد النحوي الملقب بالمبرد والذي عاش في القرن الثالث هجرياً أيام العصر العباسي.

وفيما عدا مجنون دير هرقل مجهول الهوية ذاك، نسب البعض هذه القصيدة لمحمد بن القاسم، أبو الحسن المعروف بماني الموسوس، وهو شاعر مصري سكن بغداد أيام الخليفة العباسي المتوكل على الله، وعُرف بالوسوسة أو “الجنون الخفيف”.

كذلك نسبها البعض للشاعر الكميت بن زيد الأسدي، وهو أحد أشهر شعراء العصر الأموي، لكن الروايات التي تنسب “يا حادي العيس” للأسدي، صنفت على أنها ضعيفة.

وفضلاً عن كون شاعرها مجهول الهوية فقد وردت القصيدة كذلك بعدة إصدارات، بعضها يحوي أبياتاً إضافية كتلك التي تقول:

ويلي من البين ما حل بي وبهم … من ناظرِ البين حل البينُ فارتحلوا

لما علمت أن القوم قد رحلوا … و راهب الدير بالناقوس منشغلُ

شبكت عشري على رأسي وقلت له … يا راهب الدير هل مرت بك الابلُ

يا راهب الدير بالإنجيـل تخبرنـي … عن البدور اللواتي ها هنـا نزلـوا

فحن لي وبكى وأنّ لي وشكى … وقال لي يا فتى ضاقت بك الحيلُ

إن البدور الواتي جئت تطلبها … بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا

شبكت عشري على رأسي وقلت له …. يا حادي العيس لا سارت بك الإبـل

ليت المطايا التي سارت بهم ضلعت … يوم الرحيل فلا يبقـى لهـم جمـل

أغنية رائجة منذ العصر العباسي حتى يومنا هذا

بغض النظر عن هوية صاحب القصيدة الغامض، فقد أصبحت “يا حادي العيس” واحدة من أشهر الأغاني منذ العصر العباسي وحتى يومنا هذا.

فقد انتشرت بين مغنيات ذلك الزمان، ولعل أبرزهن جارية بنت المهدي التي عرفت بصوتها العذب.

وكان أول من غناها في العصر الحديث المطرب العراقي محمد القبانجي، وذلك عام 1956.

وعادت الأغنية إلى الأضواء مرة أخرى في التسعينيات عندما غناها الفنان العراقي ناظم الغزالي ومن بعده سعدون جابر، كذلك فقد عرفها كثيرون في مختلف أنحاء الوطن العربي بصوت الفنان السوري صباح فخري.

اقرأ أيضا: تعرفوا إلى أغرب الأسئلة التي يبحث عنها الناس في غوغل

شام تايمز
شام تايمز