الخميس , مارس 28 2024
مؤشّرات السّياسة الأميركيّة في سوريا

مؤشّرات السّياسة الأميركيّة في سوريا

مؤشّرات السّياسة الأميركيّة في سوريا

شام تايمز

يبدو الملف السوري كنقطة عمياء لا يرصدها رادار السياسة الأميركية في عهد الرئيس جو بايدن الذي تربع على عرش البيت الأبيض قبل ما يقارب أربعة شهور.

شام تايمز

وتجلى الغياب السوري عن دائرة اهتمام الإدارة الديموقراطية، في أن الأخيرة لم تجد حتى ما يدفعها لتعيين مبعوث أميركي خاص بالشأن السوري، وهو ما كان يشكل تقليداً أميركياً واظبت كل الإدارات الأميركية على التقيد به منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.

ومع انفضاض القمة الأخيرة بين الرئيسين بايدن وبوتين من دون أن يرشح عنها ما يروي فضول السوريين المتلهفين لقراءة مدى تحولات السياسة الدولية حول مصير بلادهم، ترسخت فكرة أساسية مفادها أن الأزمة التي كان يعتبرها البعض محور تغيير النظام العالمي لم تعد موجودة على طاولة أقوى زعيمين في العالم، وذلك في دلالة واضحة، ليس الى تراجع أهمية الملف السوري على سلّم أولويات السياسة الدولية وحسب، بل أيضاً الى التغيّر الكبير الذي طرأ على دوره الوظيفي ضمن المنظومتين الإقليمية والدولية.

وسواء كان التجاهل الأميركي ينمّ عن تمويه استراتيجي تمارسه الإدارة الأميركية في خضمّ انشغالها باستعادة الاتفاق النووي مع إيران، أم عن قناعة أميركية بعدم أهمية الملف في سياسة واشنطن الخارجية، فإن ذلك لا يمنع أن إدارة الرئيس بايدن سجلت بعض المؤشرات المتضاربة التي تدل الى طبيعة السياسة التي تنوي انتهاجها في سوريا في المرحلة اللاحقة.

قد تكون المرونة النسبية نوعاً ما التي بدأت الإدارة الأميركية ممارستها في تطبيق قانون “قيصر” أحد أهم هذه المؤشرات، لا سيما أن القانون الذي أقره الرئيس السابق دونالد ترامب كان يمثل ذروة سياسة “الضغط الأقصى” على دمشق، وبالتالي فإن أي تهاون، مهما كان طفيفاً، في تطبيقه من الإدارة الحالية، يمكن أن تقرأه بعض الأطراف على أنه بداية هبوط في منحنى التشدد الأميركي إزاء المشهد السوري.
ورغم أن البعض سارع إلى وضع إنهاء البيت الأبيض لعقد شركة “دلتا كريسنت” لاستثمار حقول النفط في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” شرق سوريا على أنه يصب في خانة المرونة نفسها، ذهب آخرون إلى اعتبار هذه الخطوة أقرب إلى سعي البيت الأبيض الى قوننة الوجود الأميركي في المنطقة وتحصينه ضد محاولات دمشق وموسكو إضفاء طابع اللصوصية عليه، أكثر من كونه يشكل خطوة إلى الوراء في سياسة واشنطن.

وما قد يعزز هذه النظرة هي تلك “الترقية” التي منحتها واشنطن لـ”جيش مغاوير الثورة” الذي ينتشر في منطقة الـ55 كيلومتراً في محيط معبر التنف على مثلث الحدود بين سوريا والعراق والأردن.

إذ بعدما كانت مهمة هذا الجيش تقتصر على محاربة تنظيم “داعش” وحراسة القاعدة الأميركية في التنف، ذكرت معلومات صحافية أخيراً أن قوات التحالف في قاعدة التنف أبلغت “مغاوير الثورة” الاستعداد لمرحلة جديدة من المعسكرات التدريبية المكثفة، مع التشديد على أن الهدف من هذا الإجراء هو فرض “الاستقرار الميداني على مستوى سوريا”.

ومن شأن ذلك أن يشير إلى وجود نية لدى واشنطن لإعادة تفعيل دورها في دعم بعض الفصائل المسلحة المناهضة للحكومة السورية، تمهيداً على ما يبدو لاسترجاع تأثيرها الميداني والعسكري في رسم المشهد السوري.

وقد اعتبر مراقبون للتطورات السورية أن الإجراء الأميركي يهدف إلى فرض استراتيجية تضمن واشنطن من خلالها تحقيق الحل السياسي في البلاد، وفقاً لرؤيتها القائمة على أساس قرار مجلس الأمن 2254.

وإذا كانت إدارة بايدن استفتحت عهدها في سوريا بقصف مواقع وبنى تحتية لميليشيا “سيد الشهداء” المدعومة من إيران في 25 شهر شباط (فبراير) ردّاً على إصابة متعاقد أميركي جراء استهداف مطار أربيل بقذائف صاروخية في 16 من الشهر نفسه، فإن رسالة الحزم الأميركية بخصوص حماية أفراد القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي واعتبار المساس بهما خطاً أحمر لا يقبل المساومة، ترافقت مع تطورات هامة شهدها خط واشنطن – “هيئة تحرير الشام”، والتي كانت نقطة العلام الأهم فيها تجميد إدارة بايدن الغارات الجوية التي كانت تستهدف قيادات جهادية في منطقة إدلب.

وكانت آخر غارة أميركية قد وقعت في شهر تشرين الأول (أكتوبر) واستهدفت عشاءً ضمّ عدداً من كبار قادة “القاعدة” ومقربين من “هيئة تحرير الشام” في قرية جكارة في ريف مدينة سلقين قرب الحدود السورية – التركية. وقال بيان القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” “إن القوات الأميركية شنت ضربة استهدفت مجموعة من كبار مسؤولي “القاعدة” في سوريا كانوا مجتمعين بالقرب من إدلب”.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، فإن هذه الغارة استهدفت “اجتماعاً ضم قادة من هيئة تحرير الشام مع جهاديين آخرين في إحدى المزارع في قرية جكارة”.

ولكن منذ تولي إدارة بايدن مقاليد الحكم في واشنطن، كان من اللافت للانتباه أن صواريخ “النينجا” المتخصصة في اصطياد الجهاديين في إدلب توقفت عن أداء مهامها نهائياً، ولم تسجل أي غارة أميركية في أجواء منطقة خفض التصعيد في إدلب ضد قيادات “القاعدة”، أو حتى ضد قيادات مقربة من “هيئة تحرير الشام”.

قد يكون من الصعب في ظل ما سبق إيجاد خيط يكون قادراً على جمع شظايا المواقف الأميركية المتبعثرة حول سوريا لجعلها تنتظم في سياق واضح ومفهوم، لا سيما أن بعض هذه المواقف ما زال يحيط به الكثير من الغموض ويمكن تأويله في اتجاهات مختلفة ومتناقضة.

ولكن رغم هذه الصعوبة، فإن من الممكن على الأقل ملاحظة أن بعض المواقف الأميركية يصب في خانة تشجيع السياسة التركية والدفع بها إلى الواجهة لتحتل مكان الوكيل عن الدور الأميركي، أو على الأقل من أجل دق إسفين بين أنقرة وموسكو.

وبناءً على ذلك، يمكن قراءة “الترقية” الأميركية لفصيل “مغاوير الثورة” على أنه رسالة موجهة إلى أنقرة، مفادها أن الولايات المتحدة لا تحصر تحالفها العسكري مع القوات الكردية المنضوية ضمن “قوات سوريا الديموقراطية” وحسب، بل هي تأخذ بعين الاعتبار مسألة التوازن بين مختلف المكوّنات السورية، وتعتبر “مغاوير الثورة” بمثابة حليف يمكن أن يلعب دوراً هاماً في مستقبل سوريا. وهذه الرسالة لا شك في أن أنقرة ستقرأها باهتمام، نظراً الى العلاقة الوطيدة التي تجمعها مع العقيد مهند الطلاع قائد الفصيل.

ومن الجدير بالذكر أن مهند الطلاع زار أنقرة أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، وكانت له مواقف معادية ورافضة للتنسيق مع القوات الكردية التي تعتبرها تركيا عدوها الألدّ في سوريا.

علاوة على أن “مغاوير الثورة” انبثقت في الأصل من “جيش سوريا الجديد” الذي انبثق بدوره من “جبهة الأصالة والتنمية” المعروفة بتبعيتها لجماعة “الإخوان المسلمين”.

ورغم أن الصبغة الإخوانية للفصيل تعرضت لمحاولات كثيرة من أجل تمويهها وطمسها، لكنها ما زالت واضحة للعيان، وبإمكان أنقرة أن تراهن عليها مستقبلاً لاستخدامها في تغيير بعض المعادلات في شرق سوريا.

كذلك الأمر بالنسبة الى توقف الغارات في إدلب، فهو يشكل رسالة إلى تركيا بأن واشنطن تتبنى السياسة التركية في هذه المنطقة، وأنها لن تقوم بأي نشاط أمني أو عسكري من شأنه تغيير خرائط التحالفات أو موازين القوى بين الفصائل المسلحة والجهادية المسيطرة هناك من دون التنسيق مع تركيا.

وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن تختار أنقرة هذا التوقيت من أجل العمل على إعادة هيكلة الفصائل المسلحة التابعة لها في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، بغية إضفاء طابع “الجيش النظامي” عليها، في ترسيخ واضح لسياسة التقسيم وبغض طرف أميركي.

ولعل التوكيل الأميركي للقوات التركية بحماية مطار كابول في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية، يعتبر مجرد نموذج لما يمكن أن تشهده العلاقة بين الطرفين في سوريا، إذ من غير المستبعد أن تسعى الإدارة الأميركية إلى إقناع أنقرة بالقيام بدور مماثل في سوريا، في مسعى لتعزيز النفوذ التركي على الساحة السورية مقابل إضعاف أو كسر حالة التنسيق القائمة لحد الآن بين موسكو وأنقرة.

إقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تهدد الراغبين بتطبيع علاقاتهم مع سوريا

النهار

شام تايمز
شام تايمز