الخميس , أبريل 25 2024
شام تايمز
العودة السورية الى لبنان بين الواقع والوهم

سامي كليب: العودة السورية الى لبنان بين الواقع والوهم

سامي كليب: العودة السورية الى لبنان بين الواقع والوهم

شام تايمز

سامي كليب
تدور منذ فترة نقاشات وتُنشر مقالات وتُسرّب تصريحات تشي باحتمال عودة سورية للعب دور سياسي وأمني في لبنان بغطاء عربي دولي.

شام تايمز

انتشى مؤيدو سورية، وقَلِق معارضوها، وصار كل طرفٍ يتصرف على هذا الأساس، لا بل أن بعض القلقين راحوا يجسون النبض ويرسلون إشارات الى دمشق بالاستعداد لفتح صفحة جديدة، خصوصا حين رأوا الدول العربية تُعيد فتح سفاراتها في العاصمة السورية. لكن حتى الآن لم نسمع أي تصريح أو إشارة سورية حول الأمر.

يبني المُنتَشون تحليلاتهم على أن المناخ العام في المنطقة يتغيّر، وأن العودة الى الاتفاق النووي وما يتبعه من حوار أميركي إيراني وإيراني-سعودي وسعودي-سوري، سيُساهم في انتعاش الوضع السوري بعد أن “فرض محور المقاومة وروسيا على العالم بالقوة التخلي عن فكرة إزاحة الرئيس بشّار الأسد” كما يقولون، وأن انتعاش هذا الدور سيمتد الى لبنان نظرا للمصالح الكُبرى المشتركة ومسائل الحدود ومحاربة الإرهاب واستغلال الثروات الغازية، ونظرا أيضا لعجز الجماعة السياسية في لبنان عن إنتاج حل بلا وصيّ خارجي، ما قد يدفع العالم الى التفكير مجددا بهذا الخيار.

أما القلقون فهم أنواع: بعضُهم كان سابقا من حلفاء دمشق وانقلب عليها وراهن على سقوط النظام، وهؤلاء يتلقون نصائح من روسية ودول عربية بضرورة تغيير لهجتهم حيال دمشق، لان مصير البلدين مشترك ولان عودة العلاقات قوية أمر حتمي . وبعضهم الآخر يلجأ الى إعلان أفكار التدخل الدولي أو الحياد أو الفدرالية، منعا لتكرار تجربة مريرة سابقة، ويعتقدون أن الاعتماد على الخارج سيحد من خطر حزب الله وسورية وكل المحور.

وأما العُقلاء في الجانبين فيحاولون التخفيف من غلواء الطرفين، ويعتبرون أن هذا الأمر ضربٌ من الوهم في الوقت الراهن، فلا سورية راغبة بالعودة الى لبنان أصلا ، ولا هي قادرة، حيث ان همومها الداخلية كثيرة وجزءاً من أرضها ما زال خاضعا للتركي والأميركي وقسما من ثرواتها تحت السيطرة الكردية، ولا حزب الله الضامن مصالحها ومصالح محوره بحاجة الى دعم سوري مُباشر في لبنان فعنده ما يكفي من كل وسائل الضغط والإقناع ، ولا الدول الأطلسية وفي مقدمها أميركا ستقبل بهكذا خطوة الاّ إذا كان هدفها مواجهة حزب الله، وهذا بعيد المنال ومستحيل الحدوث نظرا لاستراتيجية العلاقة المفصلية بين المربّع الاستراتيجي أي: إيران، وسورية، والحزب، وروسية.

لكن الأكيد أن الانفراجات الكبرى في المنطقة، لو استمرت، فهي ستجعل دمشق قادرة على منع أي أعاقة لتأمين مصالحها عبر لبنان، حتى لو استوردت نفطا وغذاء ودواء عبر التهريب ومن خلال معابر غير قابلة للضبط. وأن مؤيديها سيشعرون بتعاظم قوتهم ضد خصومهم، ثم ان المستقبل مرهون لكل الاحتمالات طالما ان الجماعة السياسة القاصرة في لبنان غالبا ما فتحت أو شرّعت الأبواب لكل الخارج.

ربما من المفيد القاء نظرة على بعض ما جاء في كتاب:” حافة الهاوية-وثيقة وطن” للمستشارة الرئاسية السورية د. بثينة شعبان، حول الغطاء الأميركي والعربي للدخول السوري الى لبنان في سبعينيات القرن الماضي. فهكذا قراءة لبعض أجزاء الكتاب توضح تماما، أن أي كلام عن دخول سورية بحاجة الى غطاء كبير على الأقل من أميركا والسعودية، وهذا غير متوفر حاليا، وبطبيعة الحال روسيا لا تجد مصلحة فيه…على الأقل حتى الآن.
كتاب شعبان، يتضمن محاضر جلسات كثيرة، وبينها الصدام الكبير الذي حصل بين الرئيس الراحل حافظ الأسد وقائد الحركة الوطنية الشهيد كمال جنبلاط، حين قرّر الأسد لاعتبارات كثيرة وقف الحركة الوطنية والقوى الفلسطينية عن التقدم صوب مناطق اليمين المسيحي والسيطرة على القرار اللبناني وتغيير الوجه السياسي للبنان، وهي تقول إنه فعل ذلك لعدم رمي أطراف مسيحية لبنانية في حضن إسرائيل، بينما جنبلاط كتب وقال الكثير عن ان الهجوم السوري كان خطأ كبيرا لأنه منع المد العربي الوطني في لبنان وأعاد انتاج قوى يمينية متعصّبة.

التفاهم الكبير الأميركي السوري.

وهنا نورد حرفيا ما جاء في الكتاب الذي رصد تاريخا عميقا من العلاقات السورية الأميركية في المنطقة:

مع تدهور الوضع في لبنان، قُرع ناقوس الخطر في واشنطن. أيقن (هنري)كيسنجر أن الأسد لا يستطيع أن يقف متفرّجا ولبنان ينهار على هذا النحو، وأنه لم تبقَ خيارات أمام سورية سوى القيام بتحرّك عسكري لإعادة الاستقرار قبل البدء بتطبيق حلّ سياسي. قال الوزير الأميركي لموظفيه بكل صراحة ” في الحقيقة إن الأسد على حق. لو لم نكن حكومة من الدرجة الثانية لقلنا له أن يدخل الى هناك بسرعة وينهي المهمة، لكن المكان مليء بالفئران” كان كيسنجر يشير الى الضغوط الإسرائيلية، وخاصة من اللوبي اليهودي القوي في واشنطن، والذي وقف ضد أي تدخل سوري في لبنان.
في الأول من نيسان (عام1976) توجه (السفير الأميركي) مورفي الى قصر الروضة للقاء الرئيس الأسد مرة ثانية. وهناك نقل اليه:” تقدير الرئيس فورد للطريقة المسؤولة التي تعاملت بها سورية مع الوضع في لبنان خلال الأشهر الماضية” الا أنه عبّر أيضا عن قلق فورد من المخاطر التي ينطوي عليها تدخل عسكري سورية علني ومباشر في لبنان. فمن المرجح أن تردّ إسرائيل على أي تدخل سوري في لبنان فورا. لم يرد الأسد على هذه التهديدات الواضحة، لكنه أكد أن سورية لن تجلس متفرجة على ما يحصل من مذابح.

في الخامس من نيسان عام 1976، دخلت وحدات من جيش التحرير الفلسطيني ومنظمة الصاعقة الى بيروت، وفي أقل من أسبوع، تمكّنت من السيطرة على مطار بيروت الدولي وموانئ المدينة، مما حرم تحالف الحركة الوطنية ومنظمة التحرير من مصادر السلاح والذخيرة، واستطاعت القوات المدعومة من دمشق إعادة التوازن العسكري على عدة جبهات، وإيقاف المد الجنبلاطي.
اقترح كيسنجر صيغة بارعة يمكن بها دخول القوات السورية لإعادة الاستقرار الى لبنان دون حصول رد فعل إسرائيلي. ففي الثالث والعشرين من آذار، تلقى كيسنجر أخيرا ردا من رابين على تساؤلاته، أكد فيها أنه في حال حصول تدخل عسكري سوري، فان القوات الإسرائيلية ستحتل بصمت مواقع استراتيجية في جنوب لبنان” وفي اليوم التالي حدّدت مذكرة إسرائيل أُرسلت الى واشنطن أنواع الأسلحة والقوات السورية التي لا تقبل إسرائيل وجودها في لبنان، وخاصة انتشار وحدات سورية أكثر من عدد لواء واحد (بما في ذلك القوات الموجودة سابقا في لبنان). كما ورد في المذكرة أن إسرائيل لن تتساهل مع تقدم أي قوات سورية أكثر من عشرة كيلومترات جنوب طريق بيروت-دمشق. كان هذا اتفاق ” الخطوط الحمر” الشهير، والذي يجادل معظم المؤرخين محاولين البرهان على أنه كان اتفاقا ثلاثيا سوريا-إسرائيليا-أميركيا، لكن كل الأدلة من الأرشيفين السوري والأميركي توضح بما لا يدع مجالا للشك، بأن الأسد رفض كل الخطوط الإسرائيلية الحمر وتصرّف في لبنان كما أراد.
في الرابع عشر من نيسان أرسل كيسنجر برقيتين الى دمشق، قام مورفي بقراءتهما للمستشار السياسي للرئيس الأسد:
+ البرقية الأولى: ” ان الحكومة الإسرائيلية أبلغت الحكومة الأميركية أنها التزمت الصمت حيال دخول القوات السورية الى لبنان، بعد التأكيدات التي تلقتها من الولايات المتحدة بشأن طبيعة المهمة التي تقوم بها. ولكن إسرائيل ترى أن حجم هذه القوات وامتدادها، قد وصلا الى حافة الهاوية، وأن اية زيادة أو أي تقدم يتخطى نقاط تمركزها في الثاني عشر من هذا الشهر سيحمل إسرائيل على اتخاذ الإجراءات المتعلقة بسلامتها”

+ البرقية الثانية: لقد ضغطنا خلال الإيام الماضية بشدة على الإسرائيليين ليمتنعوا عن إصدار أي رد فعل تجاه إدخال قوات سورية وعتاد ثقيل الى لبنان. وفي الثاني عشر من هذا الشهر (نيسان 1976) أعلمتنا الحكومة الإسرائيلية بأنها تعدّ الأعمال السورية في لبنان قد وصلت الى نقطة ستجد فيها إسرائيل نفسها ملزمة باتخاذ تدابير وإجراءات خاصة بها إذا تم تخطيها. ونحن في الولايات المتحدة قلقون من أن ينشأ انطباع في سورية بأن غياب رد فعل إسرائيلي علني يعني عدم اهتمام من إسرائيل بالإعمال السورية”

كتب الأسد ردا على البرقيتين بخط يده فورا وطلب من مورفي إيصاله لكيسنجر:

أن سورية ترى ان ما ورد في الرسالة يشكل إنذارا وهي ترفض هذا الإنذار رفضا قاطعا
إن سورية ليست مستعدة الآن ولن تكون مستعدة في المستقبل لقبول أي إنذار، من أية جهة في العالم
إن ما يحدث في لبنان شأن عربي داخلي، والعرب فقط هم أصحاب الاختصاص في معالجة هذا الشأن
إن الاعتبار الوحيد الذي حّدد ويحدد الآن وفي المستقبل أبعاد التدخل السوري في لبنان، بما في ذلك حجم القوات السورية ومواقعها، هو مصلحة شعب لبنان، لأن تاريخنا واحد، ومستقبلنا واحد، ومصيرنا واحد.
بعد أقل من 48 ساعة، أرسل كيسنجر الى الأسد برقية أخرى ينفي فيها أنه ناقش أي “خطوط حمر:” سواء في السر أو في العلن.

لم يكن الرئيس السوري مستعدا للإخفاق في لبنان، لأن ذلك سيعرّض سورية نفسها للخطر، وبدأ صبره على (كمال) جنبلاط و (ياسر) عرفات بالنفاذ، كما انه انزعج من الهجمة العربية ضده، ولا سيما تلك التي شنها السادات.
في السادس والعشرين من أيلول عام 1976 هاجم مسلحون فلسطينيون فنقدا في مركز دمشق. طفح كيلُ الأسد. وفي اليوم الذي أعقب الهجوم اكتسح الجيش السوري مواقع الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية في جبل لبنان وخلال أيام قليلة، تمت إعادة قواتهم الى مواقعها ما قبل بدء هجومها في آذار 1976. أثبت هذا النصر الساحق أن دمشق هي اللاعب السياسي والعسكري المسيطر في لبنان دون منازع، وأن كل الأوراق باتت في يد الأسد
تحرّك السعوديون للتوسط وحلّ الخلاف السوري المصري، وعقدت في 18 تشرين الأول 1976 قمة مصغّرة في الرياض جمعت الأسد والسادات وسركيس (الرئيس اللبناني الراحل) والملك خالد.

في 26 تشرين الأول من العام نفسه عُقدت قمة عربية في القاهرة شرّعت الوجود السوري في لبنان تحت راية ” قوة الردع العربية”. دخلت قوة حفظ السلام الجديدة الى بيروت وتوقف القتال على كل الجبهات. وبدا لكل المتابعين في ذاك الحين أن الحرب الأهلية في لبنان قد وصلت الى نهايتها.
واضح من كتاب بثينة شعبان أن اتفاقا أميركيا سوريا كاملا حصل في ذاك الوقت للدخول الى لبنان، وان اتفاقا اميركيا-إسرائيليا رديفا حصل. وهذا يطرح إشكالية أخرى راهنا تتعلق أيضا بموقف إسرائيل لو شعرت أن ثمة عودة سورية الى لبنان مع الوجود القوي الكبير للحزب وسلاحه. وهذا أيضا لو أضيف الى ما تقدم من أسباب يؤكد أن الكلام عن عودة سورية هو ضرب من الوهم، الا في حالة واحدة وهي اتفاق بين الجيشين السوري واللبناني على ملاحقة الإرهاب عند الحدود الشمالية. وهذه مسألة تحتاج الى نقاش آخر.

كتاب “حافة الهاوية”. صادر عن دار بيسان للنشر في بيروت.

إقرأ أيضاً: بأوامر رئاسية.. مداهمة مستودعات لكبار التجار ومصادرة بضائع بالمليارات

شام تايمز
شام تايمز