الجمعة , مارس 29 2024

بوتين والأسد وقمة التحضير لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري

بوتين والأسد وقمة التحضير لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري

شام تايمز

الدكتورة حسناء نصر الحسين
أدركت واشنطن بعد ان خاضت حروب العقدين ثمن التكلفة الباهظة لسياساتها الخارجية المعتمدة على القوة الصلبة تارة واخرى على القوة الناعمة التي منيت بفشل ذريع في منطقة الشرق الأوسط وبرز هذا الفشل جليا في انسحاب قواتها العسكرية من افغانستان ، هذا الانسحاب الذي هز صورة أمريكا الامبراطورية التي لا تهزم ، مما دفع بقادة الدولة العميقة في واشنطن لاتخاذ قرار التحول الاستراتيجي في سياساتها الخارجية والذهاب لحروب الدول الكبرى في منطقة آسيا الوسطى والذي يشكل التنين الصيني القوة الاقتصادية العالمية أكبر المستهدفين من هذه الاستراتيجية .
أمام هذا المتحول الكبير في اعادة رسم الخرائط المعتمد بالدرجة الاولى على المصالح الأمريكية الجديدة التي سيشكل خروجها من منطقة الشرق الأوسط بدايات رسمها ، هذا يعني أنها ستخرج ايضا من سورية وهذا القرار الامريكي ترجم عبر عدة تصريحات امريكية لعملائها في الداخل السوري قسد ومسد وطالبتهم بالتوجه نحو روسيا التي تلعب دور الوسيط بين جماعة الادارة الذاتية ودمشق
وهذا يعني ان هناك تفاهمات حصلت بين واشنطن وموسكو للتحضير لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري وما القمة المنعقدة بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الا لرسم الخرائط في المنطقة بعد هذا الخروج الأمريكي منها فسورية التي غيرت شكل المنطقة التي ارادتها واشنطن يحق لها ان تساهم وبدور كبير في اعادة رسم خرائطها بناء على بروز قوى اقليمية كبرى متمثلة بمحور المقاومة .
تحاول واشنطن من خلال هذه التفاهمات مع موسكو عدم تكرر صورة الهزيمة المذلة لقواتها من افغانستان في سورية لذلك اعطت الروس مهمة تحقيق بعض مصالحها في الجنوب السوري المتمثلة بمستقبل هذه المنطقة المجاورة للكيان الاسرائيلي، بعد ان تم تحريرها من قبل الجيش العربي السوري وهذا ما فرض متغيرات اقليمية ودولية متسارعة على كيفية التعاطي مع الملف السوري والذي فرض على قوى العدوان الاستدارة لجهة تفكيك عقدة الخيوط التي حالت دون الوصول الى حل سياسي للأزمة السورية خلال عقد من الزمن.
انتصارات الجنوب وما ترتب عليها من تحولات متسارعة في الانفتاح عربيا واقليميا ودوليا على دمشق ، ترك أثره على بقية الملفات في منطقة شمال شرق الفرات حيث القوات الامريكية المحتلة التي تتحضر للخروج لكنها بحاجة للحصول على ضمانات من الجانب الروسي لجهة تحقيق بعض المصالح الأمريكية المتمثلة بقوات قسد وتواجد قوات الحليف الايراني في سورية الذي يشكل خطرا على أمن اسرائيل وهذا الطرح تناولته مراكز ابحاث عديدة الذين طرحوا في دراساتهم موضوع المقايضة بين الخروج الامريكي من قاعدة التنف مقابل خروج القوات الايرانية الشرعية من الاراضي السورية .
الا ان هذا الطرح لن يكون واقعيا لجهة تنفيذه وهناك قوات ارهاب دولي مازالت محتلة للأراضي السورية ووجود المحتل التركي الذي يحاول شرعنة وجوده بحجة محاربة الارهاب المتمثل في القوات الكردية.
ولعل ما سمعناه من تصريحات تركية مؤخرا عن محادثات امنية بينها وبين دمشق وهذا ما نفته دمشق في فترات سابقة سببه تلقف انقرة لقرار الانسحاب الامريكي من سورية وترك مصير جماعة الادارة الذاتية لموسكو، واهمية تعاطي الدولة السورية بشكل ايجابي بشكل كبير مع ملف الأكراد أشعر المحتل التركي بالقلق من هذه التفاهمات مما دفعه للذهاب بهذه التصريحات.
الا ان الدولة السورية تعلم ان النظام التركي مراوغ ولا يفي بعهوده ويحاول المراوغة للابقاء على حياة ارهابييه اطول وقت ممكن واستخدامهم ورقة مساومة مع كلا الطرفين السوري والروسي وهذا ما دفع الرئيس الأسد وخلال القمة مع الرئيس بوتين للتأكيد على المضي قدما في عملية تحرير ادلب وهذا ما شهدناه طيلة الايام الماضية من ضربات عسكرية سورية روسية تمهد لعملية السيطرة الكاملة على الطريق الدولي M4 وتحضر لاستكمال عمليات التحرير في ادلب وسيكون امام اصحاب الجنسيات السورية اما الذهاب للتسويات مع الدولة السورية او الموت ، واما بقايا المجموعات الارهابية سيتم تدوير القادة منهم عبر عمليات انزل جوي امريكي وعمليات برية عبر الحدود التركية السورية والباقي يترك لملاقاة مصيره الطبيعي في المواجهات مع الجيش السوري.
مشهدية الانفتاح العربي على دمشق يؤكد ان هناك ضوء امريكي لتوزيع الادوار بين الاردن والعراق لتهيئة الاوضاع لعودة سورية المنتصرة الى مجالها الحيوي والقومي والاقليمي والدولي وهذا ما عبر عنه صراحة الملك الاردني اثناء زيارته لواشنطن عندما اعلن من البيت الابيض ان الرئيس الاسد انتصر في الانتخابات الرئاسية وهذا يؤكد اتباع استراتيجية جديدة مع واقع النصر السوري .
وكذا في مؤتمر بغداد، و زيارة الوفد اللبناني رفيع المستوى الى دمشق بعد عقد من الغياب لتفعيل خط الغاز العربي عبر سورية وما حملته هذه الزيارة المشرعنة امريكيا وما تعكسه من كسر الامريكي نفسه لقانون قيصر الغير شرعي الذي فرضته واشنطن على الشعب السوري .
والزيارة الاخيرة لوزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء السوري الى الاردن ولقائه برئيس هيئة الاركان واهمية البنود المعلنة لهذه الزيارة منها ضبط الحدود ومكافحة الاتجار بالمخدرات وغيرهما من العناوين الغير معلنة ، وهنا يحق لنا ان نتساءل عن ما لم يعلن في هذه الزيارة بخصوص قاعدة التنف المحتلة امريكيا المتواجدة في مثلث سورية الاردن العراق ، ام ان هذه الزيارة تسبق التحضير لزيارة مسؤول امريكي رفيع المستوى لدمشق كما تحدث البعض كل هذه التساؤلات تجيب عنها مستجدات المرحلة القادمة وما سينتج عن اللقاءات بين اطراف دوليين واقليميين لهم دور اساسي في الملف السوري فهناك لقاء مرتقب بين مدير مكتب الامن القومي في سورية اللواء علي مملوك مع رئيس الاستخبارات التركية ، كما هناك لقاء للرىيس التركي اردوغان مع نظيره الروسي في سوتشي وما سيترتب من مخرجات عن هذه القمة من محادثات سبقتها وقد يتخللها استمرار الضربات الروسية السورية لمجاميع الارهاب الاردوغاني ومكان تواجد عناصره بشكل مباشر .
كل هذه التحركات الاقليمية والدولية سترسم مشهدية خطت دمشق فيها خرائط ما بعد الانسحاب الامريكي من الشمال السوري والمنطقة بأكملها بانتصاراتها ومحورها المقاوم .
لتذهب واشنطن الى جحيم جديد مع حروب جديدة لن تكون المنتصرة فيها .
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق
رأي اليوم

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز