الخميس , مارس 28 2024
حبْس أنفاس... في انتظار قرار بوتين
Russia's President Vladimir Putin and Defence Minister Sergei Shoigu attend a wreath-laying ceremony at the Tomb of the Unknown Soldier by the Kremlin Wall to mark the Defender of the Fatherland Day in Moscow, Russia February 23, 2021. Sputnik/Alexei Druzhinin/Kremlin via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.

حبْس أنفاس… في انتظار قرار بوتين

تتّجه الأنظار إلى الموقف الذي ستُعلنه روسيا من الردود الأميركية – «الأطلسية» التي تسلّمتها، أخيراً، على ورقتها للضمانات الأمنية المطلوبة على حدودها. وإذ يبدو، إلى الآن، على ضوء التصريحات الروسية، أن ثمّة تشاؤماً بتلك الردود، التي لا تبعث على الأمل إلّا في ما يتّصل بـ«مسائل ثانوية» على حدّ توصيف سيرغي لافروف، ينفتح الباب على جملة سيناريوات تصعيدية، يحبس العالم كلّه أنفاسه على وقْعها. سيناريواتٌ لا تبدو واشنطن صاحبة اليد الطولى فيها، إذ إن توسيعها دائرة العقوبات على موسكو يعني عملياً إيصال الأمور إلى نقطة اللاعودة، فيما مسعاها إلى استبدال الغاز الروسي لأوروبا، لا يزال يواجه عقبات، تدْفع خبراء إلى تَوقّع فشله بالكامل.

شام تايمز

يبدو أن الشدّ والجذب بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة و«حلف شمال الأطلسي» من جهة أخرى، على خلفيّة الأزمة الأوكرانية، وصلا إلى مرحلة حاسمة: فإمّا سيف المواجهة العسكرية والعقوبات، أو خيار الحلول الدبلوماسية والحوار لحلّ الأزمة التي وصلت إلى مستويات خطيرة يعيش العالم كلّه على وقْعها، بسبب تداعياتها على سوقَي الطاقة والغذاء (القمح تحديداً). وبعد نحو شهر على تقديم موسكو ورقة الضمانات الأمنية التي تُطالب بها، قدّمت واشنطن و«الناتو» ردودهما الخطّية على المطالب الروسية. وفيما لم يُكشف عن مضمون تلك الردود، جدّد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، والأمين العام لحلف «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، تأكيدهما أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين لا يعتزمون مناقشة «سياسة الباب المفتوح» لـ«الأطلسي»، والتي تتيح للأخير التمدّد في أوروبا الشرقية بالقرب من روسيا. وفي الوقت نفسه، أبدت الولايات المتحدة رغبتها في الحوار حول الحدّ من التسلّح وزيادة الشفافية وتقليل المخاطر.

شام تايمز

وإذ أوضح بلينكن أن الردّ المُرسَل إلى موسكو ليس «وثيقة مفاوضات رسمية أو اقتراحاً»، واصفاً إيّاه بأنه «مجموعة من الأفكار»، فهو بيّن أنه يتكوّن من عدّة عناصر، تشمل مخاوف واشنطن وحلفائها من تصرّفات موسكو «التي تُقوّض الأمن والاستقرار» بحسب وصْفه. كما تتضمّن التأكيد أن أيّ دولة لها الحقّ في أن تُقرّر، بشكل مستقلّ، طبيعة التحالفات التي ستَدخلها وكيفية ضمان أمنها، في ردّ غير مباشر على طلب روسيا وقْف توسّع «الناتو» وتعاونه مع دول ما بعد الاتحاد السوفياتي. وفي هذا الإطار، أكد بلينكن أن «أبواب الناتو مفتوحة وستظلّ مفتوحة، لقد كُنّا (أي واشنطن) وما زلنا ملتزمين بهذا المبدأ». أمّا المجالات التي ترى واشنطن أنه من الممكن فيها الاتفاق على أساس «المعاملة بالمِثل» مع موسكو، فتتعلّق بالحدّ من التسلّح (بما فيه الحدّ من نشْر أنظمة الصواريخ)، وزيادة الشفافية حيال الأنشطة العسكرية وتقليل المخاطر، بحسب الأوراق الأميركية – «الأطلسية».

هذا الردّ لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى روسيا، التي أدركت منذ مدّة أن الغرب تخطّى «الحدود الحُمر» معها، وبالتالي فهي لم تنتظر جواباً يلبّي طموحاتها. ولذا، لم يُبدِ «الكرملين» تفاؤله بالجواب الأميركي الذي تسلّمه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إذ قال المتحدّث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إنه «لا يمكن القول إن الولايات المتحدة وحلف الناتو راعَيا اعتبارات روسيا بشأن الضمانات الأمنية، أو أظهرا استعداداً لأخْذ مباعث قلق موسكو في الاعتبار»، فيما أشار وزير الخارجية، سيرغي لافروف، إلى أن الرسالة الأميركية «تبعث على الأمل في إطلاق حوار جدّي، لكن بشأن قضايا ذات أهمية ثانوية فقط»، مضيفاً أنه في ما يخصّ طلب موسكو وقف تمدّد «الناتو»، والكفّ عن نشْر منظومات هجومية من شأنها أن تشكّل خطراً على أراضي روسيا، فإن الأميركيين لم يبعثوا بـ«أيّ ردّ إيجابي». وفيما لفت إلى أن الخارجية الروسية تدرس حالياً الردّ الأميركي على مبادرتها، والآخر الذي تلقّته من «الأطلسي»، كشف أن بوتين سيحدّد الخطوات المستقبلية الواجب اتّخاذها، بعد تَسلُّمه تصوُّر الوزارة إثر التشاوُر مع الوزارات المختصّة الأخرى. وفي المقابل، قال بلينكن، الذي يُتوقّع أن يلتقي لافروف الأسبوع المقبل في جنيف لاستكمال البحث، إن «القرار بشأن كيفية الردّ متروك لروسيا»، معتبراً أن «هناك نقاطاً إيجابية للغاية في هذه الوثيقة ينبغي العمل عليها». وإذ رمى الكرة في ملعب موسكو، فهو أكد أن بلاده وحلفاءها جاهزون لجميع السيناريوات.

أكد «الكرملين» أن ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل في ردّ واشنطن على مطالب موسكو

على أن الغرب لا يبدو مستعدّاً للذهاب بعيداً في التهديدات التي أطلقها ضدّ روسيا، وتحديداً في ما يتعلّق بالعقوبات على بوتين شخصياً. فبعد أقلّ من 24 ساعة على إعلان البيت الأبيض أن أيّ عقوبات قد تَفرضها واشنطن على موسكو في حال غزو الأخيرة أوكرانيا، ستشمل المصالح الشخصية لبوتين والقيادة الروسية، كشفت مصادر لقناة «سي بي إس» الأميركية، أن البيت الأبيض قرّر عدم فرْض عقوبات شخصية على بوتين في الوقت الحالي، مُرجِعةً ذلك إلى «صعوبات فنّية»؛ كون العقوبات ستُعقّد مسار المفاوضات. تُدرك واشنطن، إذاً، أن تسليط عقوبات جديدة على ممثّلي الحكومة الروسية ودائرتها المقرّبة، سيعني الوصول إلى نقطة اللاعودة، كونه يُعادل «بحُكم الأمر الواقع تحويل روسيا إلى دولة مارقة»، بحسب المحلّل السياسي الأميركي، مالك دوداكوف، في تعليقه لصحيفة «غازيتا. رو» الروسية. وعليه، لا يَعتقد دوداكوف بإمكانية فرْض هكذا عقوبات، لأن «روسيا ليست كوريا الديموقراطية أو إيران»، وهي «ليست دولة صغيرة لا تؤثّر بشكل خاص على بقيّة العالم، بل تُعدّ اقتصاداً كبيراً، وهي أكبر شريك في الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، وواحد من أكبر الجيوش في العالم». ويضيف أن «لا أحد في المؤسسة الغربية يريد أن تتحوّل روسيا إلى دولة منبوذة، خاصة أنهم يصعّدون المواجهة مع الصين»، مشدّداً على أن «رمْي روسيا في أحضان الصين ليس المهمّة الجيواستراتيجية الصحيحة».

تحدٍّ آخر تُواجهه واشنطن في كباشها مع روسيا، متّصل بإمدادات الطاقة؛ فهي، على رغم تهديدها بأن «نورد ستريم 2» لن يمضي قُدُماً إذا غزت روسيا أوكرانيا، تقرّ بأنها تُجابه صعوبات في تنويع الإمدادات إلى أوروبا، على رغم إجرائها مشاورات بهذا الخصوص مع حلفائها في أستراليا وقطر. وتتمثّل تلك الصعوبات في استحالة تأمين كمية الغاز التي تزوّد روسيا أوروبا بها، والمُقدَّرة بنحو 200 مليار متر مكعّب سنوياً. ووفقاً لتقديرات خبراء الطاقة، فإن واشنطن غير قادرة على إجبار حلفائها على زيادة كمّية الغاز المستخرَجة، كما أن مُنتِجي الغاز المسال، ومِن ضمنهم واشنطن، يعلمون أن سوق آسيا هو الأكثر ربحيّة لهم، وأن أيّ إخلال بتزويد آسيا بالغاز سيؤثّر على العالم أجمع، فيما أيّ إخلال مماثل في حالة أوروبا سيجعل أسعار هذه المادّة الحيوية تُناهز، بالنسبة إلى القارّة العجوز، الـ10 آلاف دولار لكلّ ألف متر مكعّب، مع ما يعنيه هذا من تداعيات على اقتصادات الدول الأوروبية، والتي لم تتعافَ بعد من تداعيات أزمة فيروس «كورونا». وبالتالي، يؤكّد الخبراء أن لا بديل لأوروبا من الغاز الروسي.

بالنتيجة، يمكن القول إنه بعد تقديم واشنطن ردّها لموسكو، أصبح اللعب على المكشوف بين كلّ الأطراف. وفيما حذّر بلينكن من مخاطر تهدّد «الأمن والاقتصاد العالمييْن» في حال شنّت روسيا هجوماً على أوكرانيا، جدّدت موسكو تأكيدها أن لا صحّة لهذه المزاعم الغربية، وأن الاستخبارات الأميركية فشلت في قراءة السياسات التي سيتّبعها الروس، وأن كلّ ما يثار إعلامياً عن حشود عسكرية هدفه ترسيخ صورة أن روسيا دولة «عدوانية». يَبقى أن العالم أجمع سيكون في انتظار موقف بوتين والخيارات التي سيعتمدها بمواجهة تعنّت الغرب حيال مطالب بلاده، في أزمة يبدو أن فصولها لن تنتهي قريباً، إن لم يكن أكثر فصولها جدّية قد بدأ الآن.

الأخبار

اقرأ أيضا: هل تعود المظلّة التركية القطرية للمعارضة السورية؟

شام تايمز
شام تايمز