السبت , أبريل 20 2024
الديانة السيخية

مؤسسها زار الكعبة وتأثر بالإسلام.. كل ما تريد أن تعرفه عن «السيخية»

هل رأيت يومًا الـ«خاندا» وهو رمز يجسد سيفًا ذا حدين، تحيط به خناجر؟ على الأغلب أنك لم تره، لكنك على الأرجح رأيت الجندي الهندي الذي يرتدي عمامة كبرى، وذا لحية لم تُحْلق من قبل في فيلم «The English Patient»، وتساءلت إلى أية ديانة ينتمي هذا الجندي؟

شام تايمز

هذا الجندي من أتباع السيخية، التي تعد رابع أكبر ديانة بالهند، ويرتكز معظم أتباعها في إقليم البنجاب بين الهند وباكستان، بينما تنتشر البقية في أوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية، ويرتدون جميعًا العمامة على رءوسهم أيًا كان منصبهم، أو مكانتهم، أو البلد التي يعيشون فيها، والسيف ذو الحدين شعارهم، وهو تمثيل للقوى الروحية والدنيوية التي تكتنفها وحدانية الله، وفي هذا التقرير نعرفكم بالمعتقدات التي يعتنقها السيخيون حتى وقتنا هذا، وبـ«الجورو ناناك» مؤسس السيخية.

شام تايمز

بين آسيا وأوروبا والدول العربية.. السيخية تفرض وجودها

منذ ما يزيد عن خمسة قرون، كان ناناك مجرد مواطن عادي يدير بعض المحال التجاربة في إقليم البنجاب بالقرب من لاهور في باكستان، في بلدة يطلق عليها الآن «ناناك صاحب»؛ نسبة لناناك بعد أن أصبح «المعلم الأكبر»، ومؤسس لديانة جديدة استطاعت أن تشق طريقها من باكستان للعديد من الدول الآسيوية الأخرى، وهي الديانة السيخية.

أتباع السيخية يصل عددهم الآن إلى ما يزيد عن 30 مليون سيخي، أي ما يعادل حوالي 0.4% من سكان العالم، ويعيش 75% من أتباع السيخية في البنجاب الموطن الأصلي للديانة، ويشكلون 60% من سكان الإقليم، وهاجرت بعض المجتمعات الكبيرة من السيخ إلى الدول المجاورة، مثل ولاية هاريانا الهندية، والتي تشكل المركز الثاني في تعداد السيخيين، حيث يعيش فيها ما يزيد عن مليون سيخي.

الديانة السيخية
مستوطنة السيخ في حي كوينزبورو في نيو وستمنستر بكندا عام 1931

ولم تقتصر هجرة السيخ على آسيا، بل إن السيخين هاجروا لأكثر من مكان، وهذا ما ساعد في انتشار تلك الديانة تعرف العديد من المجتمعات عليها بما فيها العربية؛ مما سمح بموجود معبد للسيخ في مدينة دبي، كما هاجر السيخ إلى كندا في بداية القرن التاسع عشر، وأدى ذلك إلى إنشاء مجتمعات مهمة للسيخ هناك؟

وحتى يومنا هذا تتوفر في كندا معابد، ومطبوعات إعلامية، وبرامج راديو، تلبي احتياجات المجموعة السيخية الكندية التي تعيش هناك الآن جيلًا وراء جيل منذ القرن التاسع عشر؛ إذ يمثلون الآن ما يقرب من 1.4% من سكان كندا.

السيخ في أمريكا. مصدر الصورة موقع «إيكونمست»

هاجر السيخ أيضًا إلى شرق أفريقيا، وغرب أفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب آسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا، وفي أوائل القرن العشرين بدأ مجتمع كبير للسيخية يتشكل على الساحل الغربي للولايات المتحدة، واستمر حتى الآن.

وفي عام 2020 صدر قرار بالولايات المتحدة الأمريكية باحتساب السيخ مجموعة عرقية منفصلة في الإحصاء السكاني الأمريكي لأول مرة، ووصف السيخ هذا القرار بأنه «علامة فارقة»، وقالوا إن هذه ستكون المرة الأولى التي يجري فيها إحصاء مجموعة من الأقلية، وترميزها في التعداد العشري للولايات المتحدة.

بينما تتواجد السيخية في مجموعات صغيرة في العديد من البلدان الأخرى مثل في أوروبا الغربية، وماليزيا، والفلبين، وفيجي، ونيبال، والصين، وأفغانستان، وإيران، وسنغافورة، لكن لم تزل باكستان تعد الموطن الأصلي لهذه الديانة.

وتقام في باكستان العديد من الاحتفالات الدينية الخاصة بالسيخية ويعد أشهرها عيد الـ«فيساخي»، والذي يقام في اليوم الخامس عشر من شهر أبريل (نيسان) في كل عام، احتفالًا بمولد الجورو ناناك الذي ولد في نفس التاريخ منذ ما يزيد عن خمسة قرون، وفي منتصف أبريل 2021 احتشد مئات السيخين في مزارات السيخية في باكستان، والتي قد منع التجمع فيها منذ جائحة كورونا؛ ليحتفلوا بمعلمهم.

وتتمثل طقوس هذا الاحتمفال في اغتسال الحجاج، وصلاة الأطفال في المياه التي تعد مقدسة لدى السيخ، والتي تحيط بالحرم الداخلي لمزار «جورداوارا»، وهذا لأن الماء في هذا المكان له أهمية خاصة لدى السيخ لاعتقادهم أن هذا الينبوع من الماء قد أوجده الجورو ناناك بمعجزة حين وضع ينبوع ماء لا نهاية له في أرض قاحلة.

ناناك: الحج أقل في الأهمية الروحانية من تغير روح الفرد

في الديانة السيخية تقليد عقائدي مهم يطلق عليه «مطبخ الجورو»، أو «langar»، وهو مكان مفتوح لتقديم الطعام بالمجان لكل الناس باختلاف أعراقهم وأديانهم، في طقس يشبه إلى حد كبير «مائدة الرحمن» في الإسلام.

ولا يعد هذا الطقس غريبًا على السيخية، وهذا لأن الجورو ناناك مؤسس هذا الديانة، كان ولد لأسرة هندوسية وكان قريبًا أيضًا للمسلمين وفكر في طريقة تجمع أصحاب الديانتين سويًا؛ فافتتح مطعمًا يخدم المسلمين والهندوس في محاولة للتقريب بينهما، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد.

أحد أماكن الـ«langar» التي توفرها السيخية

فعلى الرغم من أن أسرة ناناك كانت هندوسية إلا أظهر اهتمامًا بدراسة الأديان الأخرى، وخاصة الإسلام، وأظهر منذ وقت مبكر موهبة واهتمامًا ملحوظًا بالشعر والفلسفة، وفي هذا السياق تتحدث الروايات السيخية عن نبوغه منذ الصغر.

فعلى سبيل المثال يُحكى أنه في سن الخامسة أبدى اهتمامًا بالموضوعات الإلهية، وأنه حين ألحقه والده بمدرسة القرية في سن السابعة، أذهل معلمه من خلال وصفه الرمزية الضمنية للحرف الأول من الأبجدية باعتبارها دليلًا على وحدانية الله، وخاض ناناك جدلًا واسعًا مع رجال الدين الهندوس والمسلمي، حين قال إن طقوسًا مثل الحج أقل في الأهمية الروحانية من تغيُّر روح الفرد.

وتروي الحكايات أيضًا أنه حين كان في سن السادسة عشر أعطاه والده نقودًا لإتمام أعمال تجارية فى قرية مجاورة، لكن حين ذهب الشاب الصغير للقرية رق قلبه لأحوال أهلها الفقراء والمعدمين فوزّع المال عليهم بدلًا عن إتمام الصفقات، وعندما عرف والده بذلك غضب منه وأرسله إلى أخته «نانكي»، وزوجها «أوبال ختري» في لاهور، وفيما بعد توسّط زوج أخته لدى حاكم لاهور المسمى دولت خان لودي – الذى كانت تربطه به علاقات طيبة – ليعمل الشاب «ناناك» أمينًا لمخازن الغلال عام 1490.

رسم تخيلي للجورو ناناك في الكعبة مصدر الصورة موقع «سيخي ويكي»

بعد تجربته للجمع بين المسلمين والهندوس من خلال الطعام في مطعمه الخاص، اختفى ناناك لفترة قصيرة، ثم عاد إلى البنجاب وظل يردد أنه «رسول من عند الله» يدعو لدين جديد، ووفقًا للإصدار الأخير من سيرته فقد نفّذ ناناك خمس رحلات، واحدة في كل اتجاه من الاتجاهات الأربعة للنقاط الأساسية للبوصلة، تليها رحلة واحدة داخل البنجاب، فسافر أولًا إلى الشرق، ثم إلى الجنوب، ووصل إلى سريلانكا، ثم سافر إلى الشمال، في أعماق جبال الهيمالايا، وقادته رحلته للغرب إلى مكة والمدينة وبغداد.

وكان النقش الذى عثر عليه الجنود الإنجليز أثناء دخول القوات البريطانية العراق في مارس (آذار) 1917 داخل مزار بابا ناناك ببغداد هو الأساس الذي اعتمد عليه العلماء الهنود في إثبات أن جورو ناناك سافر إلى الشرق الأوسط، وتشير بعض الروايات إلى أنه زار القدس، ومكة، والفاتيكان، وأذربيجان، والسودان.

ويرى بعض الدارسين أن الجورو ناناك قضى صدرا من حياته في التأمل والتفكر، ورفضت فطرته عبادة الأصنام والتماثيل التي تكثر عند الهندوس، كما رفض نظام الطبقات المقيت، فأخذ يسيح في الأرض باحثًا عن الحقيقة.

وأراد أن يتعلم الإسلام، ولكن المسلمين في بلاد البنجاب كانوا يمجدون الأولياء، ويقدسون الأضرحة، وكذلك يفعل الهندوس بالتماثيل، ولم يوفق لمقابلة من يعلمه الإسلام الصحيح، ثم إنه لقي صوفيًا من أصحاب وحدة الوجود يدعى سيد حسين درويش فتعلم منه أن الأديان كلها حق؛ لأن الأصنام ما هي إلا مظاهر وتجليات للحق، ومن عبدها فإنما يعبد االله في الحقيقة، فأعجب ناناك بهذه العقيدة، وآمن بها، وأخذ يدعو إلى دين جديد.

السيخية: إله واحد بلا جنس أو شكل

يرتكز المعتقد السيخي على فكرة الإله الواحد، والذي ليس له شكل أو جنس، ولكل إنسان وفقًا للسيخية القدرة على الاتصال المباشر بالإله دون وسيط، ويؤمن السيخ أن الجميع سواسية أمام الله، وأن الحياة الصالحة تتحقق بالالتزام بالأمانة والعطف بين أفراد المجتمع.

والمؤمن بهذه الديانة عليه أن يلتزم بثلاثة أمور وهي «نام جبنا» أي أن الله في عقول البشر دائمًا، و»كيرت كارنا»، أي الالتزام بالأمانة في التعامل مع الآخرين، و«فاد شاكنا» وهي اقتسام الرزق مع الآخرين، وعليه أيضًا أن يمتنع عن الشرور الإنسانية، والتي حصرتها السيخية في خمسة شرور: الشهوة، والغضب، والغرور، والطمع، والتعلق، بالعالم المادي.

ويعد كتاب «الجورو جرانت صاحب» هو الكتاب المقدس للسيخية وهو كتاب مجمع كتبه معلمو السيخية على مر الأجيال وتتضمن بعض آيات السيخ المقدسة نصوصًا ومقولات لمعلمين هندوس قدماء ماتوا قبل ميلاد ناناك، وكذلك نصوص ومقولات المعلمين المسلمين مثل أشعار الصوفي «بابا فريد».

ويتعامل السيخ مع هذه النصوص باعتبارها جزءًا من تعاليمهم المقدسة، فيما يؤكد الكثير من معلمي الديانة أن السيخية لا تتعلق بسماع أصوات من الإله، ولكنها تتعلق بتغيير طبيعة العقل البشري، بحيث يمكن لأي شخص تحقيق تجربة روحية مباشرة مع الإله الواحد.

ويعد ارتداء العمامة في السيخية عرفًا إلزاميًا، وهي ركيزة من ركائز الإيمان عند السيخ، ويقوم السيخ رجالًا ونساءًا بتغطية رءوسهم ﻹظهار احترامهم للدين، كما أنهم لا يحلقون شعورهم لإيمانهم أن الشعر منبع القوة لديهم، ويساعدهم على التركيز الروحاني.

وهذا يأخذنا إلى خمسة تقاليد آخرى تخص الديانة السيخية وتعرف بالكافات الخمسة لأنها تبدأ جميعًا بحرف الكاف، وهي «كيش» ومعناها عدم حلق الشعر أو الذقن مطلقًا، و«كناها» ومعناها أن يحمل السيخي معه مشط صغير دائمًا بغرض تهذيب الشعر والذقن، و«كارا» والتي تطالب السيخي بارتداء سوار فولاذي في المعصم، و«كيشارا» وهي طقس ارتداء السروال المتسع والذي يضيق من عند الركبتين لأسفل، الأخيرة هي «كيربان» والتي تطلب من السيخي حمل خنجرًا صغيرًا معه طوال الوقت لحماية نفسه ويحرم استخدامه في إيذاء سيخي مثله.

وفي النهاية يعتقد السيخ بضرورة وجود معلم يبين لهم طريق الإيمان؛ ولأن كتابهم المقدس يضم تعاليم معلميهم الذي كان عددهم عشرة، فلابد من العودة إليه دائما باعتباره دليل على الإيمان بالعقيدة، والسيخ يؤمنون بأن معلميهم العشرة أشخاص عاديون لا يجوز تقديسهم، أو إضفاء صفة النبوة عليهم، وكان كل واحد منهم يؤكد هذه الحقيقة بقوله: «جئت إلى الحياة بشكل طبيعي بخلق من االله مثل الآخرين وسأغادر الحياة يومًا ما بأمر من الله أيضًا».

ساسة بوست

اقرأ أيضا: 6 نصائح من إيلون ماسك من أجل حياة ناجحة

شام تايمز
شام تايمز