الجمعة , مارس 29 2024
قصة الجندي الياباني الذي رفض الاستسلام

ظل هاربًا في الأدغال 27 عامًا.. قصة الجندي الياباني الذي رفض الاستسلام

نشرت مجلة سميثسونيان الأمريكية تقريرًا لميلان سولي، المحررة المساعدة في المجلة والمتخصصة في التاريخ، تحدثت فيه عن قصة الجندي الياباني الذي فضَّل العيش في أدغال غوام على الوقوع في الأسر إبان الحرب العالمية الثانية.

شام تايمز

الحرب العالمية الثانية.. القتال حتى آخر نفَس

تستهل الكاتبة تقريرها بالقول: عندما عاد الرقيب الياباني إلى بلاده بعد حوالي ثلاثة عقود من الاختباء كان رد فعله الأولي هو الأسف؛ إذ قال: «أعود وأنا أشعر بالحرج الشديد».

شام تايمز

إنه يوكوي الذي وصل إلى بلاده وهو يبلغ من العمر 56 عامًا، بعد أن أمضى آخر 27 عامًا في أدغال جزيرة غوام يحيا حياة زهيدة، حيث فرَّ من الوقوع في الأسْر بعد استيلاء القوات الأمريكية على الجزيرة في أغسطس (آب) 1944. ووفقًا للمؤرخ روبرت روجرز، كان يوكوي واحدًا من حوالي 5 آلاف جندي ياباني رفضوا الاستسلام للحلفاء بعد معركة غوام، مفضِّلين حياة الفرار على عار الاعتقال باعتبارهم أسرى حرب.

ومع أن الحلفاء اعتقلوا معظم هؤلاء الفارين، أو قتلوهم في غضون بضعة أشهر، ظل حوالي 130 شخصًا مختبئًا مع نهاية الحرب العالمية الثانية في سبتمبر (أيلول) 1945. أما يوكوي، الذي عاد للانضمام إلى المجتمع فقط بعد أن ألقى القبض عليه اثنان من الصيادين المحليين في يناير (كانون الثاني) عام 1972، كان آخر الفارين استسلامًا، مقدِّمًا مثالًا مُبالغًا فيه عن فلسفة بوشيدو اليابانية التي تُركز على الشرف والتضحية بالنفس.

وكتب نيكولاس كريستوف لصحيفة نيويورك تايمز عام 1997، بعدما توفي يوكوي بنوبة قلبية وهو ابن 82 عامًا بعد عودته إلى اليابان، قائلًا: «لقد كان يوكوي مثالًا لقيم ما قبل الحرب، المتمثلة في الاجتهاد والولاء للإمبراطور وجانبارو، وهي كلمة يابانية منتشرة في كل مكان، وتعني تقريبًا العمل بإصرار خلال الأوقات الصعبة. لقد أثار عمليات بحث عن الذات واسعة النطاق، وأثار أيضًا التساؤل: هل يمثل يوكوي أفضل نبضات الروح الوطنية أم أسخفها»؟

قصة الجندي الياباني يوكوي

تروي الكاتبة أن يوكوي وُلِد في محافظة آيتشي اليابانية عام 1915، وعمل خياطًا قبل تجنيده في الجيش الإمبراطوري الياباني عام 1941. ووفقًا لموقع (Per Wanpela.com) الذي يحتفظ بسجلات الفارين اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، كان يوكوي متمركزًا في الصين حتى فبراير (شباط) عام 1943 حين نُقل إلى غوام. وبعد أن دمرت القوات الأمريكية كتيبة يوكوي كلها تقريبًا في صيف 1944 هرب هو وتسعة، أو 10 رفاق إلى الغابة.

قصة الجندي الياباني الذي رفض الاستسلام
شويتشي يوكوي

وقال أومي هاتشين، ابن شقيق يوكوي لمراسل بي بي سي نيوز، مايك لانشين عام 2012: «منذ البداية كانوا حريصين للغاية حتى لا يُكتشف أمرهم، ومحوا آثار أقدامهم أثناء تحركهم عبر الأشجار المتشابكة في الغابة».

وفي البداية تناول الفارون ماشية السكان المحليين ليبقوا على قيد الحياة. ولكن مع تناقص عددهم وازدياد احتمالية اكتشافهم، تراجعوا إلى مناطق نائية من الجزيرة وعاشوا في الكهوف والملاجئ المؤقتة تحت الأرض وتناولوا جوز الهند، والبابايا، والجمبري، والضفادع، والثعابين، والجرذان. ووفقًا لصحيفة الواشنطن بوست اعتمد يوكوي على مهاراته في الخياطة لنسج الملابس من لحاء الشجر، وميّز مرور الوقت عن طريق ملاحظة مراحل القمر. وانفصل في نهاية المطاف عن رفاقه الذين إما استسلموا، أو وقعوا ضحية لدورية تحمل جنود العدو، أو ماتوا بسبب شظف العيش الذي كانوا يقاسونه. وظل يوكوي على اتصال طفيف مع اثنين من الفارين الآخرين، ولكن بعد وفاتهما أثناء فيضانات عام 1964 أمضى آخر ثماني سنوات من اختبائه في عزلة تامة.

نهاية العزلة

تضيف الكاتبة: وقبل 50 عامًا، وتحديدًا في 24 يناير عام 1972، رصد الصيادان جيسس إم دويناس، ومانويل دي جارسيا، يوكوي وهو يلقي شبكة صيد أسماك في جزء من نهر تالو فوفو على بعد أربعة أميال تقريبًا من أقرب قرية. وكما ذكرت وكالة أسوشيتد برس في ذلك الوقت حاول يوكوي مقاومة الصيادَيْن، ولكنهما تغلَّبا عليه بسهولة نظرًا لضعف حالته الصحية (قال الأطباء لاحقًا إنه كان مصابًا بفقر الدم، وما عدا ذلك كان يتمتع بصحة جيدة نسبيًّا).

وأوضح هاتشين لبي بي سي نيوز قائلًا: «لقد أصيب بالذعر حقًا» بعد التقائه بالبشر لأول مرة منذ سنوات. «كان يخشى أن يأخذوه أسير حرب، وهو العار الأكبر للجندي الياباني ولعائلته في الوطن».

وبعد سماع قصة يوكوي، رتَّب المسؤولون في غوام أمور إعادته إلى اليابان. ومع أنه وجد منشورات وصحفًا تُشير إلى انتهاء الحرب قبل عقدين من الزمان، إلا أنه عدَّ هذه التقرير جزءًا من الدعاية الأمريكية، وواصل مقاومته ضد الاستسلام. وقال الجندي في وقت لاحق، وفقًا لويات أولسون من صحيفة ستارز آند سترايبس: «لقد طُلب منا نحن الجنود اليابانيون أن نفضل الموت على وصمة الأسْر أحياء».

مكان اختباء شويتشي يوكوي

وعاد يوكوي إلى وطنه في فبراير 1972، وتلقى ترحيبًا كبيرًا مثل الأبطال من حشد تجاوز عدده 5 آلاف شخص. وقال يوكوي لصحيفة واشنطن بوست بعد عودته: «لقد عُدتُ برفقة البندقية التي سلمني إياها الإمبراطور، وأنا آسف لأنني لم أستطع خدمته كما كنتُ أحب».

تضحية أم سوء اختيار؟

والمبهر في قصة يوكوي في الداخل والخارج أنه قسَّم الرأي العام إلى قسمين؛ إذ فسَّر السكان الأكبر سنًا في اليابان تصرفاته على أنها ذكرى مُلهِمة للحقبة الماضية، بينما رأى الأشخاص الأصغر سنًا أن رفضه الاستسلام «لا طائل منه، ويرمز لعصر تعلم فيه الأطفال أن يلتزموا بما يفعلونه بدلًا عن التفكير في الوجهة التي يذهبون إليها»، كما كتب كريستوف.

وحاول يوكوي أن يتمثل «عالمًا كان قد تخطاه»، على حد تعبير أحد كتاب الأعمدة المعاصرين، إلا أنه غذَّى الحنين إلى الماضي منتقدًا أحيانًا ابتكارات الحياة الحديثة، وفقًا لهاتشين. ودخل يوكوي في علاقة زواج تقليدية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1972، وترشح للبرلمان ولم ينجح عام 1974، وقدَّم تفاصيل عن تجاربه في محاضرات ألقاها حول العالم، وفي كتب أصبحت الأكثر مبيعًا. ولكن لانشين أشار لبي بي سي نيوز أنه «لم يشعر مطلقًا أنه في وطنه تمامًا في ظل المجتمع الحديث»، وقبل وفاته عام 1997، قام بعدة رحلات إلى غوام.

وبعد عامين من عودة يوكوي إلى اليابان ظهر الملازم هيرو أونودا، وهو فار آخر من زمن الحرب، في جزيرة لوبانج بالفلبين بعد 29 عامًا من الاختباء. وكما هي الحال مع يوكوي، أكد أونودا أنه تلقى أوامر بالقتال حتى الموت بدلًا عن الاستسلام. ورفض مغادرة الجزيرة حتى عام 1974 عندما سافر قائده الضابط إلى لوبانج وأعفاه رسميًّا من الخدمة، بحسب ما تختم الكاتبة.

ساسة بوست

اقرأ أيضا: بعمر ٤٤ سنة.. وفاة لاعب كمال الأجسام سيدريك ماكميلان بنوبة قلبية

شام تايمز
شام تايمز