الخميس , أبريل 25 2024
شام تايمز

بن سلمان يتلقف إنفتاح بايدن.. هل يتخلى عن بوتين؟

بن سلمان يتلقف إنفتاح بايدن.. هل يتخلى عن بوتين؟

شام تايمز

سميح صعب

شام تايمز

أعادت الحرب الروسية-الأوكرانية تشكيل السياسة الخارجية للرئيس الأميركي جو بايدن. ما لم يكن مُتخيلاً قبل 24 شباط/فبراير، بات من الأمور البديهية بعد هذا التاريخ، وفَرضَ الدفاع عن النظام العالمي القائم منذ اكثر من 30 عاماً، مقاربات مختلفة لم تكن في الحسبان عندما دخل بايدن البيت الأبيض رئيساً في 20 كانون الثاني/يناير 2021.

إذا كانت الحرب الفعلية تدور في أوكرانيا، فإن تداعياتها على العالم وفي المقدمة الولايات المتحدة، أكثر من أن تحصى سواء في الداخل الأميركي أو على مستوى العلاقات علاقات أميركا بالخارج، حتى يمكن القول إن عالماً جديداً يتشكل أو تُعاد هيكلته على وقع المواجهة مع روسيا ومن خلفها الصين. باختصار، العالم كله حالياً في مخاض عسير.

وبما أن الحرب ترخي بثقلها على أوروبا، سارعت إدارة جو بايدن إلى حشد الشركاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي، وتجسدت “الوحدة” عبر الأطلسي في أبرز تجلياتها، كما لم تكن يوماً منذ تأسيس الحلف عام 1949، بإنبعاث الحلف من رقاده بفعل الصدمة الأوكرانية. وتماهى الإتحاد الأوروبي، التكتل الإقتصادي-السياسي في الأساس مع الدور العسكري للأطلسي، فها هي ألمانيا تتعهد بناء أكبر جيش في أوروبا، ويُقرر الدانماركيون الإنخراط في مهمات عسكرية يقررها الشركاء الأوروبيون، ورئيسة وزراءهم تعتبر أن “أوروبا قبل 24 شباط/فبراير شيء وبعد هذا التاريخ شيء آخر”.. وقبل ذلك تخلت فنلندا والسويد عن حيادهما التاريخي.

وبعدما ضمن بايدن أن أوروبا إنتظمت في المواجهة مع روسيا عسكرياً عبر المساعدات التي تتدفق على أوكرانيا من الدول الأعضاء في الأطلسي، وإقتصادياً عبر قرار الإستغناء عن 90 في المئة من النفط الروسي من الآن وحتى آخر السنة، توجه الرئيس الأميركي أواخر أيار/مايو إلى منطقة آسيا في جولة كان ملفها الوحيد حشد الحلفاء الآسيويين ضد الصين. وهذا هو مغزى إنعقاد قمة “كواد” في طوكيو مع زعماء اليابان والهند وأوستراليا، غداة الإعلان عن شراكة إقتصادية جديدة مع 13 دولة في المنطقة، وإتهام بكين بأنها “تلعب بالنار” في تايوان، والقول صراحة أن أميركا ستدافع عن الجزيرة إذا تعرضت لغزو صيني.

الصين هي الجبهة الثانية في الحرب الاميركية للدفاع عن نظام القطب الواحد في العالم. ومن هنا تعيّن على بايدن القيام بجولته الآسيوية كي يؤكد للرئيس الصيني شي جين بينغ، أن الإنشغال الأميركي بالحرب في أوكرانيا، لن يُنسي أميركا التهديد الإستراتيجي الذي يشكله العملاق الآسيوي، وأن واشنطن قادرة على خوض حرب على جبهتين.

في نيسان/أبريل، زار بايدن أوروبا لحشدها ضد روسيا، وفي أيار/مايو، جال الرئيس الأميركي على آسيا، وها هو يخطط الآن لزيارة الشرق الأوسط في أوائل تموز/يوليو المقبل، وقد تكون السعودية إحدى محطاته في ذروة “حرب النفط”، التي أيقن أنه لا يمكن كسبها ضد روسيا أو تحقيق النقاط فيها، من دون إنخراط الدول الخليجية فيها.

وكانت دول الخليج إتخذت موقفاً محايداً من الحرب الروسية-الأوكرانية، الأمر الذي جعل لموسكو اليد العليا في حرب الطاقة، وتأخير قرار الإتحاد الأوروبي بفرض حظر شامل على إستيراد النفط من روسيا. وحافظت دول “أوبيك” على تنسيقها الثابت مع موسكو في إطار تحالف “أوبيك+”، برغم الدعوات الأميركية المتكررة للدول الخليجية كي ترفع إنتاجها للحد من إرتفاع الأسعار، الأمر الذي إنعكس بدوره تضخماً هو الأعلى في أوروبا وأميركا منذ عقود. ولم تفلح الزيارات التي قام بها مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك ومستشار البيت الأبيض لأمن الطاقة آموس هوكشتاين ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لدول الخليج في إقناع السعودية والإمارات بزيادة إنتاجهما من النفط والتخلي عن تحالف “أوبيك +”، أي عملياً تلبية المطلب الاميركي. ولم تكن زيارة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأفضل من حيث النتائج. حتى أن وسائل الإعلام الأميركية سربت نبأ رفض ولي العهد السعودي الرد على مكالمة هاتفية من بايدن قبل أسابيع.

بعد أربعة أعوام من الإزدهار في ظل رئاسة دونالد ترامب، سيطر الفتور على العلاقات الأميركية-السعودية منذ وصول بايدن إلى الرئاسة في مطلع 2021، وتعهده “إعادة ضبط” العلاقات مع دول عدة في العالم وبينها السعودية. كانت حرب اليمن سبباً رئيسياً في البرودة المستجدة بين واشنطن وحليف إستراتيجي لأميركا منذ الأربعينيات الماضية. بايدن الذي يولي أهمية كبرى لوقف حرب اليمن، إتخذ قرارات عززت الإستياء السعودي، كفرض حظر على إرسال بعض أنواع الأسلحة أو التوقف عن التعاون الإستخباراتي، مضافاً إليها رفع قيادات حوثية عن لائحة الإرهاب. بدا وكأن الرئيس الديموقراطي مستعد لفعل أي شيء مقابل وقف الحرب اليمنية، وأنه يريد تعاوناً غير مشروط من السعودية في هذا الشأن. هنا إختلفت الحسابات بين الشريكين، وزاد الأمر تعقيداً، مع إنخراط بايدن في مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الإتفاق النووي مع إيران، بينما كان البنتاغون يسحب بطاريات صواريخ الباتريوت من السعودية!

وكان ملف إغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول من الملفات الضاغطة على العلاقات بين إدارة بايدن والرياض. فالرئيس الأميركي الديموقراطي الذي تعهد خلال حملته الإنتخابية إيلاء ملف حقوق الإنسان الأولوية القصوى في تحديد السياسة الخارجية الأميركية، ذهب في إحدى المقابلات قبيل الإنتخابات إلى التهديد بجعل السعودية دولة “منبوذة” بسبب قضية خاشقجي إلى إتهامات بإنتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.

غير أن الحرب الروسية-الأوكرانية التي فرضت على واشنطن إعادة ترتيب أولوياتها في سياق الحرب الأوسع التي تخوضها ضد روسيا والصين، أثبتت أنه لا بد من إحداث تغيير في السياسة حيال السعودية وإزالة العقبات التي تحول دون لقاء بايدن مع القيادة السعودية ولا سيما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ومن المؤكد أن المحطة السعودية ستكون نقطة تحول أخرى في سياسة بايدن الخارجية، لأن الموقف الحيادي للدول الخليجية عموماً من النزاع في أوكرانيا، صبّ في مصلحة روسيا في المئة يوم الأولى من الحرب. وقبل خمسة أشهر من الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة وأمام إرتفاع أسعار النفط ووقوف العالم على عتبة حصول “صدمة 1973″، تعين على بايدن كسر الجليد مع السعودية وسلوك طريق الواقعية السياسية برغم الإنتقادات التي تُوجه إليه في الداخل الأميركي.

وساهمت هدنة اليمن التي جرى تمديدها لشهرين آخرين في خلق أجواء إرتياح لا سيما في البيت الأبيض الذي سارع إلى الإشادة في بيان “بشجاعة السعودية” في هذا المجال.

كما لعب رفض واشنطن حتى الآن، شطب “الحرس الثوري” الإيراني من لائحة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، دوراً في تهدئة المخاوف السعودية من أن إدارة بايدن تريد إحياء الإتفاق النووي مع طهران، بأي ثمن.

وقد لخصت صحيفة “الغارديان” البريطانية الزيارة المحتملة لبايدن للسعودية بأمرين هما خفض أسعار النفط.. ومعاقبة روسيا.

وقد لاقت السعودية محاولات الإنفتاح الأميركي عليها، من خلال قرار تحالف “أوبيك +” الخميس بزيادة الإنتاج في تموز/يوليو بمعدل 648 ألف برميل يومياً عِوض 432 ألف برميل كما كان الوضع في الأشهر السابقة. هذه الزيادة في الإنتاج سبقتها إجتماعات لثلاثة أيام بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزراء الخارجية لمجلس التعاون الخليجي في الرياض، أي أن الزيادة لم تكن بمعزل عن موافقة روسيا عليها، وهي تعكس في الوقت نفسه حرصاً روسياً على عدم الضغط على الشركاء الجدد لموسكو في الخليج كي يتخذوا قرارات لا تنسجم مع مصالحهم الإقتصادية والسياسية.

بعد أوروبا وآسيا-المحيط الهادىء، يأتي الآن دور الشرق الأوسط وتحديداً منطقة الخليج التي تريد الولايات المتحدة الحد من المصالح الروسية فيها، وهي مصالح نمت في ظل “الإنكفاء” الأميركي عنه في العامين الأخيرين، بينما كانت روسيا والصين تملآن الفراغ.

تريد أميركا من الخليج أن يتحول جبهة أساسية في “حرب النفط”، وأن تنزع من يد روسيا ورقة رابحة في المواجهة الأوسع.

180 بوست

شام تايمز
شام تايمز