الجمعة , مارس 29 2024
Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2020-04-23 16:33:22Z | | Lÿÿÿÿ

سوريا والحرب الأوكرانية: الظروف مهيأة لمواجهة إيرانية إسرائيلية

سوريا والحرب الأوكرانية: الظروف مهيأة لمواجهة إيرانية إسرائيلية

شام تايمز

مدين علي

شام تايمز

دخلت الحرب الروسية ـ الأوكرانية الشهر الرابع على التوالي، بصورةٍ تُظهر بوضوح، حالة الاشتباك الدولي المعقد، الذي يؤكد أن أمد الحرب مفتوحٌ، وأن تشديد الخناق السياسي والاقتصادي، الأمريكي والأوروبي، على روسيا، يشكل سياقاً والتزاماً استراتيجياً، وأن الولايات المتحدة ماضيةٌ في البحث عن تحالفاتٍ دولية صلبة ومتينة، وسياسات تمويل متماسكة، ونظم تسليح وتدريب متكاملة، ودعم لوجستي، تكنولوجي واستخباراتي غير محدود، ضد روسيا، ما يدفع لطرح السؤال الآتي: لماذا كل هذا الاستشراس الأمريكي، والتصلب في الموقف الأوروبي في استهداف روسيا؟

أولاً؛ مقاربة سياقية:

مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، انتهت المواجهة التاريخية الأمريكية – الأوروبية مع الإتحاد السوفياتي، كعدو استراتيجي يهدّد مصالح الغرب، بهزيمة الأخير كنموذج اقتصادي وسياسي وعسكري، وكقطب استراتيجي توازني، لتبدأ حرب كونية كبرى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً، على الإرهاب العابر للدول، كعدو جديد، يُهدد الأمن والسلم الدوليين، وعليه، وفي هذا السياق، جاءت عمليات الغزو والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، والتدخل العسكري الأمريكي المباشر، والتواجد الميداني للجيوش الأمريكية في أماكن عديدة حول العالم.

لقد عانت روسيا بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، من صعوبات اقتصادية واجتماعية داخلية كبيرة، إذ كانت عاجزة عن توفير مصادر التمويل الكافية واللازمة، لتنفيذ عمليات إعادة الهيكلة والاصلاحات الاقتصادية والمالية. على خلفية ذلك، وفي ضوء الحاجة للموارد المالية، ومصادر التمويل اللازمة، والرغبة الشديدة في الانفتاح على أوروبا، اتجهت روسيا بقيادة (بوريس يلتسن) آنذاك بخيار استراتيجي، نحو دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، طالبةً الدعم المالي والتكنولوجي والمعرفي اللازم، وقد لبّت المؤسسات المالية الغربية الطلب واستجابت، وكان ذلك قد تم على حسب الدور والنفوذ السياسي لروسيا، التي اتجهت للانكفاء سياسياً، والاكتفاء بمواقف تكتيكية مترددة، غامضة وملتبسة، تجاه العديد من القضايا والمسائل الدولية.

مع سنوات الحكم العديدة (بوتين ـ مدفيديف) (مدفيديف ـ بوتين) ومن ثم (بوتين)، استعادت روسيا المبادرة، وبدأت مظاهر النفوذ الدولي لروسيا، تتبلور بصورةٍ أكثر وضوحاً، مع انطلاق مسار تعافي الاقتصاد الروسي، والبدء في تحقيق بعض النتائج الاقتصادية، والتراكمات المالية، التي لم تغير في الواقع خصوصية الاقتصاد الروسي، ولا طبيعته الريعية، ولم تخفف من شدة النزعة الاستهلاكية الشديدة لدى الروس، التي اعتمدت روسيا بقوة في عملية تأمين متطلباتها واحتياجاتها على عملية الاستيراد من العالم الخارجي، تحديداً من دول الإتحاد الأوروبي. وفي السياق ذاته وأثناءه، بدت مظاهر تنامي النفوذ والقوة لروسيا، تظهر بصورةٍ واضحةٍ عن طريق المواقف غير التقليدية في مجلس الأمن الدولي، وفي مجلس حقوق الإنسان، وفي مؤتمرات الأمن والتعاون السنوية في أوروبا. وقد استطاعت روسيا بالفعل، أن تمسك بقوة، بخيوط العديد من الملفات الاستراتيجية، في مناطق عديدة حول العالم، وتحولت إلى لاعب استراتيجي مركزي، في المجال الحيوي الأوراسي، ويبقى الأبرز هو الإمساك بقوة بالملف السوري مؤخراً، والتدخل المباشر في بعض ملفات الشرق الأوسط، والاستخدام المتكرر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، والدفع السياسي والديبلوماسي لتشكيل كتل اقتصادية عملاقة كـ(البريكس)، وغيرها في مسعى روسي للحد من الأحادية القطبية، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية.

من المقدر وفق بعض السيناريوهات، أن تكون كل الظروف مهيأة، لاندلاع مواجهة عسكرية، بين إيران وإسرائيل في الجنوب السوري وفي لبنان، قد تُستدرج إليها إيران، أو تُفرض عليها، ستكون مكلفة بالنسبة لسوريا، وكارثية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط برمتها، ما يستلزم من الدول العربية التعامل بمنظور مختلف مع سوريا والانفتاح عليها

مع تحول مشروع الحرب الأمريكية على الإرهاب الدولي، إلى مشروع مُستنزفٍ في بعض جوانبه، وعاجزٍ عن تشكيل رافعة حقيقية، لمشروع الهيمنة الإمبريالية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين، اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية، نحو تبني استراتيجية جديدة، تستهدف روسيا، إلى جانب الحرب على الإرهاب، بصورةٍ مباشرة في مجالها الحيوي، في منطقة البلطيق والبحر الأسود، وبحر الآزوف، والدول المستقلة، وذلك بعد أن ضاقت ذرعاً بمواقف القيادة الروسية، تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية حول العالم، وتحديداً مواقف الرئيس فلاديمير بوتين بصفته الرجل الأقوى في روسيا والغامض في طموحاته الإستراتيجية، بالنسبة للدول المستقلة عن روسيا، وللغرب عموماً، وتحديداً الألمان (أصحاب الرواية الخاصة)، والتي لم تُخف الولايات المتحدة الأمريكية ــ التي استغلت قلق أوربا ومخاوفها ــ مظاهر العداء له، ومحاولات النيل منه شخصياً، إذ اعتبرت أن مواقفه الإستراتيجية المتصلبة في العديد من الملفات الدولية والإقليمية، تشكل التحدي الأبرز للمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، وللمشروع الإمبريالي الأمريكي الجديد في القرن الحادي والعشرين.

في ضوء ذلك، جاء التحضير الأمريكي للمواجهة مع روسيا في أوكرانيا، بسيناريوهات أمريكية مفاجئة، وبأدوات تختلف إلى حدٍّ كبير عن أدوات المواجهة التقليدية، التي كانت قد اعتادت على التعامل بها مع روسيا. فقد جاءت الحبكة متكاملة، ومدروسة بعناية فائقة، وبتحالفات أطلسية صلبة مدعومة بمواقف اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى، لتجعل مشوارَ روسيا الطويل في هذه الحرب، شائكاً ومعقداً إلى حدٍّ كبير.

ثانياً؛ مستجدات المواقف الإقليمية والدولية وتطوراتها:

تتبلور المواقف السياسية والاقتصادية للدول والأقاليم، في ضوء تطورات الواقع وتحولاته، لا سيما العسكرية أثناء الحرب. ما يعني أن طبيعة المواقف تتشكل غالباً على قاعدة زئبقية، وتوازنات حركية متغيرة، بصورة دائمة ومستمرة، محكومة بمفاعيل موازين القوة وتمفصلاتها، وتطورات الميدان العسكرية، باعتبار أن الحرب تُعدُّ مكوناً مكملاً للسياسة وللديبلوماسية ومتكاملاً معها.

تؤكد الوقائع بعد مُضي أربعة أشهر على اندلاع الحرب، عزم أوكرانيا وإصرارها الشديد، على الانسلاخ عن المجال المفروض عليها روسياً، والالتحاق بنادي الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، والذي لأجله تخوض أعنف المعارك والعمليات القتالية، بدعم كامل من التحالف الاستراتيجي، القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، بالإضافة إلى المواقف الداعمة بقوة، من قبل اليابان وكوريا الجنوبية وكندا ودول أخرى. في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة الأمريكية، نحو المزيد من الحشد للمواقف، ورص الصفوف دولياً حول العالم. مروراً بإجراءات التعبئة السياسية والديبلوماسية، وسياسات الشيطنة لروسيا، تحديداً لجهة ما يتعلق بتحميلها على المستوى الإنساني والأخلاقي، مسؤولية النتائج الكارثية الكونية، لأزمة الغذاء العالمية، والأزمات الاقتصادية والمالية، الناجمة عن الارتفاع الكبير في معدل التضخم العالمي، المتولد بدوره من الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، وأسعار المشتقات النفطية، وأسعار النقل والشحن الدوليين. من كل ذلك إلى موافقة الكونغرس، على رصد وتخصيص المزيد من الاعتمادات المالية اللازمة للحرب الأوكرانية، وتقديم المزيد من الدعم الفني واللوجستي والاستخباراتي، وذلك بالتوازي مع الجهود المكثفة، المبذولة من قبل مجلس أوروبا، لإحكام الحصار، والتضييق أكثر على روسيا، وقد برز ذلك بصورةٍ واضحة من خلال توجه المجلس، نحو إطلاق الحزمة (الموجة) الثالثة من العقوبات النوعية، المركزة والمركبة، والتي كانت قد أقرتها دول المجلس، وحظرت بموجبها استيراد ما يقارب (90%) من النفط الروسي إلى أسواقها. بينما استمر الموقف الصيني المترقب على التحرك في هوامش محدودة جداً، متلبساً بمناورات سياسية واقتصادية وعسكرية، ليست ذات مضمون، وليس لها أية قيمة مُضافة، يمكن أن توحي بتغير استراتيجي ونوعي مرتقب في الموقف الصيني. في الوقت الذي اتجهت فيه بقية الدول والأقاليم، للتكيف مع حالة الحرب، وتبني سياسات الاستجابة لمنعكساتها الاقتصادية والمالية، وما سينتج عنها من أزمات، لا سيما أزمة مشتقات الطاقة وأزمة الغذاء والنقل. في الوقت الذي تمضي فيه روسيا نحو تبني خطط استراتيجية جديدة، تقوم على خيار تركز العمليات القتالية، وتركيز الترتيبات الديموغرافية في شرق أوكرانيا وجنوبها، للسيطرة على إقليم الدونباس والموانئ الإستراتيجية في بحر الآزوف والبحر الأسود، وتخوض لأجل ذلك أعنف العمليات القتالية، بكلف مادية وبشرية عالية، ومعارك سياسية وديبلوماسية شرسة، لدفع التهم المُوجهة إليها، وبالتالي لتحميل مسؤولية نتائج أزمة الغذاء والطاقة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، التي توفر كل الشروط والمتطلبات اللازمة لدوام الحرب واستمرارها، بالتعاون والتنسيق الكامل، مع دول الإتحاد الأوروبي.

ثالثاً؛ واقع الملف السوري في ظل مفاعيل الحرب وتداعياتها:

تراجعت الأهمية الإستراتيجية للملف السوري، بصورةٍ كبيرة في الأشهر الأخيرة، لدى جميع الأطراف الإقليمية والدولية، التي انغمست أصابعها في الملف السوري، تحت مزاعم وشعارات عديدة. فالملف السوري لم يعد يعني شيئاً في الوقت الراهن بالنسبة لأوروبا، المنشغلة بقوة بمجالها الحيوي، المشتعل في شرقها، والمنهمكة بقوة في عملية البحث عن تحالفاتٍ وعلاقاتٍ دولية، يمكن أن تساعدها في توفير متطلبات أمنها، تحديداً لجهة ما يتعلق بأمن الطاقة والغذاء والهجرة والنزوح، وغير ذلك. كما لم يعد يشكل الملف السوري في الوقت الراهن، مسألة ذات أولوية بالنسبة للصين، التي تعرف أبعاد قوتها، وحدود مداها، وتحاول أن تغيّب نفسها، وتختبئ خلف ثوابت استراتيجية في سياستها الخارجية (السلام الدولي والحوار والسلم. غير ذلك)، وهي ثوابت لا يتسع الإطار للبحث فيها، والخوض في تحليلها أو تفسير تفاصيلها الآن. كما لا يشكل الملف السوري في الوقت الراهن، أهمية تُذكر بالنسبة للولايات المتحدة، التي تركّز الآن نشاطها السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والعسكري، وكذلك ضرباتها الإستراتيجية على المركز/الرأس (روسيا)، حتى يتم إنهاكها واستنزافها مادياً ومعنوياً، وتؤجل في الوقت ذاته العمل في ملفات المحيط والأطراف كـ(سوريا على سبيل المثال لا الحصر)، وذلك بانتظار الظروف، أو اللحظة التاريخية، التي تعمل لها وتخطط لأجل لاستحضارها في الوقت المناسب.

أما بالنسبة إلى روسيا، فقد أصبح الملف السوري المُهمل دولياً، والمثقل سياسياً، والمتطلب مالياً واقتصادياً وعسكرياً، ملفاً على أهميته ليس له الأولوية الآن، كونها تخوض في أوكرانيا حرباً مصيرية، مؤلمة ومكلفة مادياً ومعنوياً. وفي السياق ذاته، لا بد من الإشارة إلى أن تحولات الحرب الروسية الأوكرانية وتطوراتها، كانت قد وفّرت الظروف التاريخية، والشروط المناسبة للقوى الإقليمية (إيران، تركيا، إسرائيل، مصر والخليج)، لتلعب بقوة في الوقت الضائع، إذ اتجهت القوى المذكورة جميعها، لملءالفراغ بالطريقة التي تناسب مصالحها.

فقد بدأت تركيا تناور وتقايض مع الروس، حول موقفها من مسألة انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو، كذلك الأمر بالنسبة لعبور السفن الروسية من المضائق البحرية، التي تسيطر عليها تركيا، وكذلك الأمر بالنسبة لمرور الطائرات الروسية، وتحليقها في الأجواء التركية نحو سوريا، وبقية دول الشرق الأوسط. ولذلك بدأت بالتوغل في الأراضي السورية، واحتلال مساحات واسعة على طول الحدود السورية التركية وامتدادها، بعمق (30 كم). بينما اتجهت إسرائيل المخاتلة مع روسيا، لجهة ما يتعلق بموقفها من الحرب الروسية ـ الأوكرانية، والتي كانت روسيا، تُعول عليها وتقدر، وتنتظر منها موقفاً مختلفاً، ودوراً مقبوض الثمن إسرائيلياً (سابقاً)، ولكنها لم تتخذه ولم تفعل، ما جعل رد فعل الديبلوماسية الروسية عنيفاً ولاذعاً ضد إسرائيل، التي اتجهت نحو التركيز على الملف النووي لإيران وإيران باعتبارها العدو الإستراتيجي والمنافس لها في مستقبل الشرق الأوسط، لتمارس (أي إسرائيل)، أقصى الضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية، لضرب فرص وإمكانات التوصل إلى أي اتفاق، بخصوص الملف النووي الإيراني. أكثر من ذلك، اتجهت إسرائيل لإقناع الإدارة الأمريكية والغرب عموماً، بوضع خطة جديدة للتعاطي مع إيران، لا تستبعد العمل العسكري، في حال عدم رضوخها للشروط (الإسرائيلية)، في الوقت الذي تترصد فيه (أي إسرائيل) أهدافاً إيرانية استراتيجية في سوريا، وتقوم بضربها واستهدافها من وقتٍ لآخر. والسؤال ماذا تفعل إيران، وكيف تتصرف؟

لقد اتجهت إيران في الواقع نحو مقاربة سياسية جديدة. فإيران التي لم تؤيد دخول روسيا إلى أوكرانيا، والتي كانت قد ناورت، وأطلقت المزيد من الرسائل، التي يُقدر بأنها كانت تتراوح بين رسائل تكتيكية، وأخرى إستراتيجية، لتحقيق بعض المكاسب في مسار جولات مفاوضات فيينا، حول الملف النووي الإيراني [كإعادة النظر الأمريكية في مسألة تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية (بحسب الأمريكان).. وغير ذلك]، والتي لم تتمكن من الحصول عليها، جراء الضغوط الإسرائيلية الكبيرة على واشنطن. كل ذلك دفع إيران، التي اكتشفت الكثير من ملابسات مسار الحرب الروسية ـ الأوكرانية، ونقاط القوة والضعف، والارتباك الروسي في الحرب، وحجم التدخل الغربي المكثف والسافر بقيادة الولايات المتحدة، دفعها نحو تدوير الزوايا والتوجه، للعمل بخمسة مسارات أساسية هي:

المسار الأول: محاولة التوظيف والاستثمار بالانفتاح الاقتصادي بقوة على موسكو، إذ بدأت الزيارات والتصريحات الرسمية التي تُوّجت بتقديم إيران لروسيا خارطة استثمار كاملة لحقول النفط والغاز في إيران، ووضعت خطة لرفع مستوى التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع روسيا المحاصرة والمعاقبة إلى (40) مليار دولار أمريكي، على أن يتم التبادل والدفع بعملات البلدين وليس بالدولار، مُستغلة بذلك (أي إيران) ظروف روسيا المعقدة والمنهمكة في الحرب، والتي تحتاج إلى تحالفات خارجية بأي ثمن، لخرق جدار العقوبات، وتخفيف شدة الخناق المفروض عليها.

المسار الثاني: توجه إيران نحو إعادة تعريف دورها ومصالحها الإستراتيجية، وسقوف مطالبها في ملفات الشرق الأوسط، في العراق واليمن ولبنان، وتحديداً في سوريا التي تعاني من أزمة مالية واقتصادية خانقة، أسهمت فيها بقوة العقوبات الاقتصادية الدولية و”قانون قيصر”، وظروف الحلفاء والأصدقاء وعوامل أخرى لا يتسع الإطار للبحث فيها الآن.

المسار الثالث: العمل على زيادة حجم نفوذ إيران السياسي في لبنان، والإمساك بقوة في الساحة السياسية اللبنانية، مقابل دور تدخلي واضح للسعودية، وقد تمّ ذلك عن طريق دعم ماكينات انتخابية لبعض القوى الحليفة والصديقة لها، ما أسهم في إخراج بعض القوى والكيانات السياسية الصديقة والحليفة لسوريا من مجلس النواب، (كحزب البعث، والحزب السوري القومي الاجتماعي، إضافة إلى شخصيات قومية عربية، إسلامية ومسيحية موالية لسوريا).

تحولت روسيا إلى لاعب استراتيجي مركزي، في المجال الحيوي الأوراسي، ويبقى الأبرز هو الإمساك بقوة بالملف السوري مؤخراً، والتدخل المباشر في بعض ملفات الشرق الأوسط، والاستخدام المتكرر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، والدفع السياسي والديبلوماسي لتشكيل كتل اقتصادية عملاقة كـ(البريكس)

المسار الرابع: توجه إيران نحو العمل والتحضير بقوة، لملء الفراغ الجغرافي والعسكري الميداني، الذي سينجم عن انسحاب القوة العسكرية الروسية من المنطقة الجنوبية (وذلك بحسب بعض التحليلات السياسية والإعلامية). ونقدر بأن ذلك الانسحاب (إن حصل)، لا يندرج في نطاق حاجة روسية لبضع مئات من عناصر الشرطة العسكرية الروسية، وعرباتها المنتشرة في المنطقة الجنوبية، إنما يأتي في إطار التكتيك الروسي الإستراتيجي الموجه ضد إسرائيل التي خاتلت مع روسيا، وتلبست والتبست، لجهة ما يتعلق بموقفها من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وبالتالي لابتزازها والضغط عليها (أي ابتزاز روسيا لإسرائيل)، عن طريق فتح المجال الجغرافي، لفصائل وقوى قتالية إيرانية، أو موالية لإيران، للوصول والتمركز قرب خط التماس، الفاصل بين سوريا وإسرائيل، ما يشكل ورقة استراتيجية بيد الروس يمكن إشهارها في وجه إسرائيل، للضغط عليها لتغيير موقفها، أو لاستثمار نفوذها وتوظيف علاقاتها مع واشنطن والغرب عموماً، لتخفيف الضغط الواقع على روسيا، وتليين الموقف الأوروبي ـ الأمريكي تجاهها. وربما يذهب الروس في لحظةٍ ما، إلى حدِّ التلويح بتفجير الحرب، أو تفجيرها فعلاً، إن قدَّر الروس أو اعتقدوا، بأن ذلك يمكن أن يساعد في تغيير الموازين الإستراتيجية على الساحة الأوكرانية.

المسار الخامس: دفع الحوثيين لاستهلاك المزيد من الوقت في التفاوض، ورفع سقف المطالب للالتزام بشروط الهدنة، والدخول في مفاوضات الحل النهائي، الجارية بإشراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة (هانس غروند برغ).

رابعاً؛ المشهد المستقبلي في سوريا والمنطقة (سيناريوهات محتملة):

سيزداد الوضع السياسي والاقتصادي تعقيداً، على المستوى الإقليمي والدولي، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وذلك جراء تفاقم مفاعيل الحرب الروسية ـ الأوكرانية وتداعياتها، تحديداً لجهة ما يتعلق بإمدادات الغذاء وحوامل الطاقة، وبعض الخامات والمعادن والنقل الدولي. ومن المرجح أن يستمر اتجاه الأسعار بالتحرك صعوداً، ما سيُنتج الكثير من الأزمات السياسية والاجتماعية، وبالتالي خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ستؤدي إلى انفجار المزيد من النزاعات في الدول الفقيرة، تحديداً في الدول الهشة، التي تشهد حروباً ونزاعات داخلية وخارجية، ومنها بطبيعة الحال سوريا التي سيزداد الوضع فيها تعقيداً، مع تزايد عمليات الاعتداء المتكرر على أراضيها، واستمرار سياسات التوغل والقضم التدريجي للأراضي السورية في الشمال والشرق. وستستمر إسرائيل بوتائر عدوانية أكبر في توجيه المزيد من الاعتداءات والضربات الإسرائيلية الاستفزازية، لأهداف استراتيجية انتقائية في سوريا. ومن المقدر وفق بعض السيناريوهات، (إن توفرت شروط معينة، لا يتسع الإطار للخوض في تفاصيلها الآن) أن تكون كل الظروف مهيأة، لاندلاع مواجهة عسكرية، بين إيران وإسرائيل في الجنوب السوري وفي لبنان، قد تُستدرج إليها إيران، أو تُفرض عليها، ستكون مكلفة بالنسبة لسوريا، وكارثية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط برمتها، ما يستلزم من الدول العربية التعامل بمنظور مختلف مع سوريا والانفتاح عليها، ومساعدتها على استعادة دورها، وتفهم هواجسها ومصادر قلقها، وذلك كمدخل لإنقاذ منطقة الشرق الأوسط، وبلدان الخليج العربي من مخطط أمريكي ـ إسرائيلي ـ تركي خطير، سيجعل مستقبل المنطقة برمتها أكثر غموضاً، ومفتوحاً على احتمالات إعادة هيكلة شاملة للجغرافيا والديموغرافيا، كما حصل في عام (1916).

180بوست

شام تايمز
شام تايمز