الجمعة , مارس 29 2024
جزر موريشيوس

«موريشيوس»: قصة جُزر اكتشفها البحارة العرب وأصبحت أغنى دولة في أفريقيا

تقع دولة «جزر موريشيوس» في المحيط الهندي، على بُعد ألفي كيلو متر من الساحل الشرقي للقارة الأفريقية، وتبلغ مساحتها 2040 كيلومترًا، ووصفت بأنها أغنى دولة أفريقية، وأرض التسامح الدينى والعرقي، وأعلى متوسط دخل للفرد في أفريقيا.

شام تايمز

وشهدت «جزر موريشيوس» تجربةً سياسيةً كانت الأكثر نجاحًا وديموقراطية في أفريقيا، كما تستقبل أكثر من مليون زائر سنويًّا، ويقطنها نحو مليون ونصف المليون مواطن، يعمل معظمهم في مجالي السياحة والزراعة، ولا تملك أي ثروات وموارد طبيعية عدا الثروة البشرية، التي حققت بهم نهضةً سياسيةً واقتصاديةً كبيرةً، سنتعرف إليها في السطور القادمة والتى سنتحدث فيها عن تاريخ دولة «موريشيوس» الأفريقية.

شام تايمز

تاريخ من الاستكشاف والاستعمار.. من العرب إلى الإنجليز

لم تعرف كتب التاريخ القديم «جزر موريشيوس»، ويرجح العلماء أنها كانت جزر مهجورة غير مأهولة بالسكان حتى القرن العاشر؛ حين اكتشفها البحارة العرب بالصدفة وأطلقوا عليها اسم «دنيا العروبة»، ولكنهم لم يسكنوها أبدًا حينها، ومن بعدهم اكتشفها البحارة البرتغاليون في أوائل القرن السادس عشر، ولم يستوطنوها أيضًا.

Embed from Getty Images

لا ترتبط الجزر بحدودٍ بريَّةٍ مع أي دولة أخرى فهى تقع وسط المحيط الهندي وتتبع القارة الأفريقية، وأقرب جيرانها هي دولة مدغشقر على بُعد حوالي 860 كيلومترًا، وكذلك دولة جزر القمر وجزر سيشل جزر رينيون الفرنسية، وتتكون دولة «موريشيوس» من مجموعة جزر وهي جزر «رودريجز» و«أجاليجا» و«كارجادوس كاراخوس»، ولذلك كانت السفن هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لدخول الجزر في الماضي.

وقد أبحرت السفن الهولندية لـ«جزر موريشيوس» مراتٍ عديدة في القرن السادس عشر، ويرجع أصل تسميتها إلى الأمير الهولندي موريس «فان ناساو» الذي كان حاكم هولندا أثناء فترة سيطرتها على الجزيرة عام 1598.

ثم استوطنها الهولنديين بشكلٍ كاملٍ عام 1638، ولكنهم سريعًا ما تخلوا عنها لصالح العصابات والمجرمين والقراصنة عام 1710، وخلال فترة الحرب على القرصنة في أعالي البحار استولى أسطول سفن شركة الهند الشرقية الفرنسية على الجزر وقامت الشركة ببناء أول ميناء بحري في الجزر، وأطلقت اسم «إيل دي فرانس» على الجزر والميناء، وهو اسم عاصمة البلاد نفسه حاليًا.

وحاول التاج الفرنسي الاستيلاء على «جزر موريشيوس» من قبضة شركة الهند الشرقية الإنجليزية طوال فترة احتلالها للجزر، ونجح أخيرًا في ذلك عام 1767، لتصبح «موريشيوس» مستعمرةً فرنسيةً مهمةً للقوات والخزانة الفرنسية، وذلك بسبب موقعها بوصفها ميناء وحلقة وصل في المحيط الهندي؛ فقد كانت السفن التجارية ترسو بها للراحة والتزود بالمؤن أثناء رحلاتها الطويلة حول أفريقيا، وكذلك لخصوبة أرضها وتوفر محصول قصب السكر، فجلب الفرنسيون العبيد للعمل في حقول السكر بالسخرة، واهتموا كثيرًا بإدارة ميناء «إيل دي فرانس»، لتسهيل حركة مرور السفن وتصدير السكر.

Embed from Getty Images

وفي خضم حروبها مع التاج الفرنسي نجحت القوات البريطانية في احتلال «جزر موريشيوس» وطرد الفرنسيين منها عام 1810، وجرى إعلان جزر موريشيوس مستعمرةً بريطانيةً بموجب معاهدة باريس عام 1914.

ثم جرى إلغاء العبودية في «موريشيوس» عام 1935، وجلب البريطانيون أكثر من نصف مليون عامل من الهند وباكستان للعمل في حقول القصب والزراعة، وهذا السبب المباشر وراء الأعداد الكبيرة لأصحاب الأصول الهندية والباكستانية في التركيبة السكانية الحالية لدولة «جزر موريشيوس».

افتتاح قناة السويس المصرية واستقلال «جزر موريشيوس» عن بريطانيا

افتتحت قناة السويس المصرية أمام الملاحة العالمية عام 1869، فأصبحت السفن التجارية تمر من قناة السويس بدلًا من الذهاب إلى ميناء «إيل دي فرانس» للمرور حول أفريقيا، مما أثر سلبًا في «موريشيوس» وميناء «إيل دي فرانس»، وفي الوقت ذاته ازداد الاستهلاك العالمي من سكر البنجر لانخفاض سعره عن سكر القصب، فتراجعت إيرادت السكر مع تراجع مكانة الميناء في أفريقيا.

إلا أن أسعار السكر ارتفعت مع بداية الحرب العالمية الأولى، مما ساهم في ازدهار الاقتصاد في «موريشيوس» مرةً أخرى بسبب وفرة محصول قصب السكر هناك، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية ضعفت الإمبراطورية البريطانية وبدأت في فقدان ما تبقى من مستعمراتها رغم الانتصار في الحرب، وفي عام 1968 أعلنت «جزر موريشيوس» استقلالها عن بريطانيا، وأصبحت دولةً ملكيةً مستقلةً، وفي 12 مارس (آذار) 1992 جرى إلغاء الملكية وإعلان دستور الجمهورية.

Embed from Getty Images

ويسكن حاليًا دولة «جزر موريشيوس» أكثر من مليون و300 ألف مواطن، ويوجد بها مجموعة متنوعة من الأعراق والأديان التى تعيش معًا في سلام وتناغم، ويعد الهندوس المجموعة الأكبر بين السكان بنسبة 50%، يليهم المسيحيون بنسبة 30% ثم المسلمون بنسبة 17%، بجانب مجموعات عرقية ودينية أخرى، ويتحدث السكان اللغتين الإنجليزية والفرنسية بشكلٍ أساسي.

ويعتمد الاقتصاد في «موريشيوس» على مصدرين مهمين، المصدر الأول هو زراعة قصب السكر والتبغ والشاي، وتصدير تلك المحاصيل الزراعية إلى جانب المنسوجات، والمصدر الثاني هو السياحة، ويعود ذلك لشواطئها الخلابة في المحيط الهندي وغاباتها الرائعة ومناخها الاستوائي؛ والتى نجحت بفضل ذلك في استقطاب أكثر من مليون سائح سنويًّا للبلاد، وبالرغم من عدم تعدد مصادر الدخل في الدولة، فإن الاقتصاد في «موريشيوس» واحد من أقوى الاقتصادات الأفريقية.

سر نهضة «جزر موريشيوس»: الاستثمار في الإنسان

لا تملك «موريشيوس» موارد أو ثرواتٍ طبيعية يمكن الاعتماد عليها؛ لكنها تمتلك ثروة بشرية اهتمت بها حكومة «موريشيوس» منذ اليوم الأول للاستقلال عن الإمبراطورية البريطانية، وحاولت تنميتها والاستفادة منها قدر المستطاع.

فأصبح التعليم إجباريًّا ومجانيًّا لكل مواطن في «موريشيوس» حتى الدراسة الجامعية، كما اهتمت الدولة أيضًا بصحة المواطنين، فجعلت الرعاية الصحية مجانية بالكامل لكل مواطن في البلاد، وتتضمن مجانية الرعاية الصحية إجراء العمليات الجراحية باهظة الثمن مثل جراحات القلب وزرع الأعضاء وغيرها.

Embed from Getty Images

وحققت دولة «جزر موريشيوس» نهضةً كبيرةً في القرن الواحد والعشرين، جعلتها في مقارنة مع أكثر دول العالم رفاهيةً وتقدمًا، فبخلاف مجانية التعليم والرعاية الصحية، والاقتصاد القوى، لا يعانى مواطنو دولة «جزر موريشيوس» من الفقر أو البطالة أو الأمية إلا بنسبٍ ضئيلة، ووفقًا لتقرير البنك الدولى فقد قضت الدولة على النسبة الأكبر من الفقر بحلول عام 2017.

ويعد متوسط دخل الفرد السنوي في جزر موريشيوس الأعلى في قارة أفريقيا بقيمة 16.500 ألف دولار سنويًّا، وأكثر من 90% من سكان البلاد يمتلكون منازلهم الخاصة، فلا تعاني البلاد من موجات المشردين ومفترشي الطرقات والشوارع.

ويوصف النظام السياسي في دولة «جزر موريشيوس» بأنه نظام سياسي ديمقراطي وهو جمهوري برلماني تتقلص فيه صلاحيات الرئيس المنتخب أمام البرلمان الشعبي، ورئيس الوزراء المنتخب أيضًا، والذي يرأس السلطة في البلاد، ويسمح بحق الاقتراع لكل من تجاوز الثامنة عشر من العمر.

لذا تعد أول نموذج أفريقي يحقق الاستقرار السياسي، ويسمح بتداول السلطة، ووصفت «جزر موريشيوس» بالدولة الأفريقية الأقل فسادًا على المستوى الحكومى، كما أنها مستقرة ومزدهرة وديمقراطية إلى حدٍّ كبيرٍ مقارنةً بدول أفريقيا، وتمتلك جزر «موريشيوس» صحافة حرة في الغالب، وقوانين قوية، ونظامًا قويًّا لمكافحة الفساد في مؤسساتها، ومن النقاط المهمة في ميزانية الدولة تهميش النفقات العسكرية، فأغلب الميزانية مخصصة للخدمات العامة المجانية على رأسها التعليم والصحة، كما أنها عضو دائم في الاتحاد الأفريقي وكومنولث الأمم.

Embed from Getty Images

ويظهر التسامح الديني والعرقي والاستقرار السياسي في جزر موريشيوس في نص الدستور الذي لا يلتزم بدين محدد للدولة، ويمنع التمييز على أساس الدين والعرق، وعليه تحترم الحكومة في جزر «موريشيوس» جميع الديانات والأعراق بشكلٍ جادٍ.

كما يظهر التسامح والتنوع أيضًا في عملية انتخاب رئيس البلاد، إذ عرفت البلاد تنوعًا كبيرًا في خلفية رئيس البلاد مع كل انتخابات جديدة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، في عام 2014 حكمت البلاد العالمة ودكتورة الكيمياء «أمينة غريب فقيم»، وهي سيدة ومسلمة بالرغم أن المسلمين أقل نسبة سكان في البلاد 17% فقط، وحاليًا يحكم البلاد الرئيس «بريثفير روبون» من أصول هندوسية.

طبيعة خلابة وقرصنة: السياح في جزر «موريشيوس» أكثر من سكانها

تنعم جزر «موريشيوس» بمناخ استوائي، ومياه صافية براقة، وشواطئ ذات رمال بيضاء لامعة، وجبال تكسوها الخضرة، إلى جانب معالمها السياحية الكثيرة، مما جعلها وجهة سياحية فريدة في المحيط الهندي، فاستقبلت جزر «موريشيوس» في عام 2019، أكثر من مليون وأربعمائة ألف سائح، وهو عدد يفوق عدد السكان الفعلي في دولة جزر موريشيوس.

وتنظم الشركات السياحية رحلاتٍ لزيارة أهم الأماكن الطبيعية والسياحية مثل الحديقة النباتية الوطنية، ومصنع الشاي القديم الذي تأسس عام 1892، وخليج «جراند باي» الذي يعد أكبر خليج في البلاد، وهو ذو طبيعة ساحرة، وهناك أيضًا منطقة أرض الألوان السبعة ومعبد «جراند باسين» المقدس لدى الهندوس، وشاطئ مأوى الغزلان المشهور.

وتهتم الدولة كثيرًا بالعمل السياحى وحملات جذب السياح، ولكن على الجانب الأخر تعانى دولة جزر «موريشيوس» من مشكلتين كبيرتين تهددان الحياة الجميلة في الجزيرة، المشكلة الأولى: مشكلة القمامة والمخلفات البشرية خاصةً مخلفات النشاط السياحى.

إذ تعانى الجزر من تكدس أطنان القمامة والمخلفات البلاستيكية في العشر سنوات الأخيرة؛ فلا توجد وحدات معالجة وإعادة تدوير المخلفات في جزر «موريشيوس»، مما يهدد الطبيعة الجميلة للجزر، أما المشكلة الثانية وهي الأخطر، هي مشكلة القراصنة، إذ عانت جزر موريشيوس من أعمال القرصنة في المحيط الهندي بداية من عام 2012 وحتى الآن بشكل أقل كثيرًا، مما دفعها لتعزيز الإنفاق العسكري البحري ونشر وحدات تأمين ساحلية من الكوماندوز بالاشتراك والتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

والجدير بالذكر أن حكومة موريشيوس تواجة صراعًا كبيرًا مع بريطانيا حول ملكية «جزر شاجوس»، والتي أقرت محكمة العدل الدولة بملكية دولة جزر «موريشيوس» لها عام 2019 بشكل غير ملزم، ولكن رفضت بريطانيا إخلاء الجزر نظرًا لأهميتها الجغرافية بوصفها منطقةً عسكريةً، ووجود قاعدة أمريكية عسكرية على أرض الجزر.

ورغم التحديات التى تواجه حكومة دولة «جزر موريشيوس» فإنها تحاول من خلال الإدارة السياسية والاقتصادية الجيدة أن تقدم نموذجًا فريدًا لدولة أفريقية استطاعت تحقيق نهضة اقتصادية كبيرة واستقرار سياسي دون أي ثروات أو موارد عدا البشر.

ساسة بوست

اقرأ أيضا: ركز جيداً.. هل يمكنك حل هذا اللغز في 10 ثوان فقط؟

شام تايمز
شام تايمز