الجمعة , مارس 29 2024
صراع بارد في القطب الشمالي.. هل تندلع المواجهة؟

صراع بارد في القطب الشمالي.. هل تندلع المواجهة؟

صراع بارد في القطب الشمالي.. هل تندلع المواجهة؟

شام تايمز

في السنوات الأخيرة، أصبحت الدائرة القطبية الشمالية موقعاً محورياً في الصراع الجيوسياسي، وفي المنافسة العالمية، وربما تشهد تصعيد صراع القوى العظمى في المستقبل القريب. فمع ذوبان القمم الجليدية في القطب الشمالي، بدأت الدول بالاندفاع إلى السيطرة عليه، بموارده الطبيعية وموقعه الاستراتيجي.

شام تايمز

ولأجل غايات عدّة، أبرزها الغاية الاقتصادية والعسكرية، تتنافس دول مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين على السيطرة على هذه المنطقة التي تعد منطقة دولية محايدة.

يتم تحديد معظم المسائل القانونية المتعلقة بالمنطقة من قبل مجلس القطب الشمالي، وهو منظمة حكومية دولية تشجع التعاون في المنطقة. دولها الرئيسية هي تلك التي تقع على حدود القطب الشمالي: الولايات المتحدة، روسيا، كندا، فنلندا، السويد، الدنمارك، النرويج، وأيسلندا.

وخارج البلدان الثمانية المجاورة، هناك أيضاً 13 دولة مراقبة تابعة لمجلس القطب الشمالي، منها الصين وألمانيا والهند.

القطب الشمالي: بؤرة موارد الطاقة والمستقبل الاقتصادي

متى ما تنافست دول على أمر ما، يكون السبب الاقتصادي هو دافع أساسي لها. هذا الأمر ينطبق على التنافس في القطب الشمالي. تبرز هنا رغبة الدول المتنافسة في السيطرة على الموارد الطبيعية في المنطقة، وتحديداً الغاز الطبيعي، الذي يوفر ما يقرب من ربع إجمالي استخدامات الطاقة العالمية.

جرى بالفعل استكشاف واستغلال معظم إمدادات الغاز الطبيعي في جميع أنحاء العالم، لكن القطب الشمالي يمثل احتياطياً كبيراً غير مستغل تتنافس الدول للسيطرة عليه. وتقدّر هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أنّ المنطقة فيها نحو 1700 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وأنواع مختلفة من الوقود، أي ما يعادل إجمالي احتياطيات النفط الروسية وثلاثة أضعاف تلك الموجودة في الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى الغاز الطبيعي، تشير تقديرات نقلتها وزراة الدفاع الأميركية إلى أن هناك ما يصل إلى 90 مليار برميل من النفط غير مستغلة في القطب الشمالي.

في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، يحق للأطراف الحصول على موارد تقع في نطاق 370 كيلومتراً من سواحلهم، لكن معظم موارد الغاز الطبيعي والنفط في القطب الشمالي تقع خارج هذه الحدود القانونية، ما يخلق تدافعاً للسيطرة على هذه الموارد التي تتجاوز تأثير المنظمات الدولية، ما يؤدي إلى مزيد من الصراع داخل الدول.

ولذا، حتى الدول البعيدة عن القطب الشمالي بدأت بإشراك نفسها في شؤونه، مثل الصين، التي تكمن مصالحها في الموارد التي يمتلكها القطب الشمالي بدلاً من الأرض نفسها، خصوصاً وأنّ الصين تمتلك القليل من موارد الطاقة المحلية، حيث يعتمد معظم استهلاكها للطاقة على الواردات الأجنبية من الشرق الأوسط والولايات المتحدة وروسيا، ما يدفعها إلى الاستفادة من الغاز الطبيعي في القطب الشمالي لتأمين استقلال الطاقة.

ونشرت بكين سياستها الخاصة بالقطب الشمالي عام 2018، وأعلنت فيها أنّها “دولة قريبة من القطب الشمالي”. وحتى قبل ذلك، وسّعت بكين تدريجياً بصمتها في المنطقة. بدأ هذا الأمر عام 1999، حين أجرى الصينيون العديد من الرحلات الاستكشافية في القطب الشمالي وأنشأوا أول قاعدة بحثية لهم، وهي محطة النهر الأصفر في جزيرة سفالبارد في عام 2004.

وأطلقت الحكومة الصينية على مشاركتها في منطقة القطب الشمالي اسم “طريق الحرير القطبي”، وهو إشارة إلى طرق التجارة التي تنوي اتباعها بعد الاستحواذ على الموارد الطبيعية. وتعتقد الصين أنّها تتمتع بحقوق مثل البحث العلمي، وحرية الملاحة، والعبور، وصيد الأسماك، ومد الكابلات والموارد، تماشياً مع المعاهدات القانونية الدولية في أعالي البحار القطبية الشمالية.

الأنشطة القطبية الصينية المعروفة هي أنشطة اقتصادية في المقام الأول، وخصوصاً التعاون في مجال الطاقة مع روسيا. وكجزء من جهود بكين للتخلص من الاعتماد على الفحم لتوليد الطاقة وتعزيز أمن الطاقة، افتتحت في كانون الأول/ديسمبر 2019 خط أنابيب الغاز الطبيعي “Power of Siberia” البالغ طوله 3000 كيلومتر والذي يربط حقول سيبيريا الروسية بشمال شرق الصين. تلعب الشركات الصينية أيضاً أدواراً رئيسية في “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2”.

وبدأت روسيا بالفعل في التخطيط لتوسيع الطاقة في القطب الشمالي من خلال صفقة بمليارات الدولارات مع شركة “بريتيش بتروليوم” لاستكشاف وتطوير ثلاث كتل ترخيص على الجرف القاري الروسي في القطب الشمالي.

بالمقابل، بعد ركود سياستها بشأن القطب الشمالي، أعلنت واشنطن “استراتيجية جديدة للتنمية في القطب”، لمنافسة روسيا والصين في القطب الشمالي، تتعلق بالرد وتهيئة الولايات المتحدة للمنافسة بفعالية وإدارة هذه التوترات، بحسب وثيقة للبيت الأبيض.

تقول الوثيقة إن “القطب الشمالي موطن أكثر من أربعة ملايين شخص، وموارد طبيعية واسعة النطاق، وأنظمة إيكولوجية فريدة، وستعمل واشنطن على تعزيز وممارسة قدراتها العسكرية والمدنية في القطب الشمالي على النحو المطلوب لردع التهديدات وتوقع الحوادث الطبيعية والبشرية ومنعها والرد عليها”.

كذلك، تتضمن الاستراتيجية أربع ركائز رئيسية هي: الأمن، تغير المناخ وحماية البيئة، التنمية الاقتصادية المستدامة، والتعاون الدولي.

التواجد العسكري في القطب الشمالي.. ساحة قتال محتملة؟
لقد حفزت الحاجة إلى الحفاظ على المصالح الاقتصادية الدول على تحقيق وجود عسكري في المنطقة، مع إمكانية جذب هذا التنافس العسكري المزيد من الدول. وباعتبار أنّ أميركا وروسيا هما من القوى المتنافسة في القطب الشمالي، قامت كل منهما بإنشاء قواعد عسكرية، ونشر كاسحات جليد لتحقيق المزيد من الاختراقات.

عام 2007، أعادت روسيا إعطاء الأولوية للمنطقة القطبية الشمالية تماشياً مع رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستعادة مكانة روسيا كقوة عظمى. الآن، بعد عقد ونصف من الزمان، عاد الجيش الروسي إلى القطب الشمالي مع تداعيات استراتيجية على الولايات المتحدة.

وأعطت موسكو، لإنجاز رؤية بوتين، الأولوية لوجود القطب الشمالي الموسع، لأنّ المنطقة هناك ضرورية للحيوية الاقتصادية والعسكرية لروسيا في المستقبل، لذا قامت بتجديد المطارات وإضافة القواعد وتدريب القوات وتطوير شبكة من أنظمة الدفاع العسكري على الحدود الشمالية، كذلك قامت بإرسال غواصة نووية إلى القطب الشمالي عام 2007 للقيام برحلة استكشافية.

وأعادت موسكو فتح 50 موقعاً عسكرياً كان مغلقاً سابقاً من الحقبة السوفياتية. ويشمل ذلك تجديد 13 قاعدة جوية و10 محطات رادار و20 بؤرة استيطانية حدودية و10 محطات إنقاذ طوارئ متكاملة. كما أنّ وحدات القوات الخاصة الروسية انتشرت في المنطقة للتدريب.

يضاف أنّ روسيا اختبرت قدرات عسكرية جديدة في القطب الشمالي مثل صواريخ كروز التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والطائرات من دون طيار، الأمر الذي أثار قلق كبار القادة العسكريين الأميركيين.

وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، يسعى الوجود العسكري الروسي في القطب الشمالي لتحقيق ثلاثة أهداف: تعزيز الدفاع وتحديداً خط الدفاع الأمامي ضد التوغل الأجنبي، تأمين مستقبل روسيا الاقتصادي، وإنشاء نقطة انطلاق لإبراز الطاقة بشكل أساسي في شمال المحيط الأطلسي”.

أما بالنسبة إلى أميركا، فهي تمتلك حالياً قاعدة “ثول” الجوية، الواقعة في شمال غرينلاند. في عام 2017، استثمرت الولايات المتحدة 40 مليون دولار أميركي في تحسين قاعدة “ثول” الجوية بسبب تصعيد روسيا للوجود العسكري في المنطقة. ويعتبر موقع القاعدة الجوية استراتيجياً، فريداً من نوعه، نظراً إلى وقوعها في منتصف المسافة تقريباً بين واشنطن العاصمة وموسكو.

ونقلت القوات الجوية الأميركية العشرات من طائرات “F-35” المقاتلة إلى ألاسكا، معلنةً أنّ الولاية ستستضيف “مقاتلات أكثر تقدماً من أي موقع آخر في العالم”. كما أجرت البحرية الأميركية تدريبات فوق وتحت الجليد البحري داخل الدائرة القطبية الشمالية.

بالإضافة إلى “ثول”، تمتلك واشنطن قواعد أخرى في ألاسكا. وقالت الإدارة الأميركية إنّ “واشنطن قررت البدء ببناء ثلاث كاسحات جليد جديدة، بالإضافة إلى اثنتين قيد الاستخدام حالياً”، كجزء من “استراتيجية جديدة للتنمية في القطب”.

وتحذر واشنطن من أنّ ضعفها العسكري في القطب الشمالي يعني أنّ “السلام والازدهار سيتحدان بشكل متزايد من قبل روسيا و الصين، التي تختلف مصالحها وقيمها بشكل كبير عن مصالحنا وقيمنا”. وفي هذا السياق، عيّنت الولايات المتحدة سفيراً لشؤون منطقة القطب الشمالي، وسط زيادة النشاط العسكري الروسي في المنطقة.

هذه الديناميكية الأميركية الروسية في المنطقة القطبية الشمالية تذكّر بالحرب الباردة، وبينما لم يدخل الجيشان في صراع مباشر، فإنّ عرضهما المستمر للتدريبات العسكرية والاستثمار العسكري المتزايد في المنطقة يمهد لصراع محتمل قد يندلع.

بتول دياب_ الميادين

اقرأ ايضاً:إيلون ماسك يحذر العالم: احتمال نشوب حرب نووية يزداد بسرعة

 

شام تايمز
شام تايمز