الخميس , أبريل 25 2024

ماذا يطبخ الأتراك شمال سوريا؟

ماذا يطبخ الأتراك شمال سوريا؟

زينا صقر

شهدت مناطق الشمال السوري في الآونة الأخيرة توتر وأحداثا متسارعة، قلبت الأدوار وبدلت معايير اللعبة، حيث سيطرت “هيئة تحرير الشام” على عفرين، وذلك بعد انسحاب “الفيلق الثالث “وهو أحد مكونات ما يسمى “الجيش الوطني”.

وينتظر الشمال السوري أياما مربكة ومصير غامض ريثما تكتمل التفاهمات الدولية وتخرج الأطراف اللاعبة عن صمتها لتفسير ما يجري.

يفسر المحلل العسكري كمال الجفا توسع “هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري قائلا ” لا يمكن فصل ما يحدث في الشمال السوري عن جملة الأحداث المتلاحقة التي تضرب المنطقة، كما لايمكن إغفال الدور التركي ومايشكله من ثقل عسكري وأمني واقتصادي وبشري على القوى الميدانية التي تتحكم بمقدرات المناطق الخارجة عن سلطة الدولة السورية؛ أي مناطق مايسمى الحكومة المؤقتة.”

ورأى الجفا أن “تركيا اليوم اللاعب الأساسي وربما الوحيد المسيطر على قدرة كل الفرقاء على التحرك إن كان في الميدان العسكري او الأمني”.
مخطط مسبق

يبيّن الجفا، أن اندلاع شرارة هذه الصدامات هو مشروع مخطط له بعناية، إذ تسعى تركيا لقلب الواقع الشاذ في الشمال وإجبار كل المليشيات والفصائل التابعة لها على الاندماج والتوحد والخروج من حالة الفلتان الأمني والمليشياوي الذي يهيمن على مناطق وجودها منذ خمس سنوات حتى الآن.

ويشرح بأن الفصائل التي تصارع “هيئة تحرير الشام” ترفض أي تسويات أو مقاربات لأي اتفاقية أو تسوية أو مصالحة مع الدولة السورية، وحتى ترفض المصالح التركية العليا في مواجهة المشروع الأمريكي في سوريا بإقامة كيان كردي سيشكل تهديدا استراتيجيا على مستقبل تركيا.
استحقاقات تركيّة

يعتقد الجفا “أن المباركة الضمنية لهذا التحرك مرده نتاج للاجتماعات التركية الروسية واستحقاقات ووعود قدمتها تركيا لروسيا لتطبيق ما تم الاتفاق عليه منذ سنتين ولم يطبق، وهو سيطرة الجيش السوري على كامل طريق ال M4 وفتح خط الترانزيت الدولي مع تركيا إلى دول الخليج عبر سوريا.

يضاف إلى ذلك، وفقا للخبير العسكري، إعادة اللاجئين السوريين في تركيا والإنهاء التدريجي للأزمة السورية، بهدف التضييق على المشروع الأمريكي في المنطقة وإفشاله، وهو مشروع التمكين لإقامة كيان كردي مستقل في شمال سوريا، سيكون بمثابة اللبنة الأولى لتأسيس وإقامة كيان مشابه في جنوب شرق تركيا.

وبالتالي -يتابع الجفا- تركيا تحتاج الجولاني لكبح بعض فصائلها المتمردة، وتطبيق هذا الاتفاق، وبالتالي تعويضه عما سيخسره في مناطق سيطرته الحالية في جبل الزاوية وجنوب إدلب بتمدده في مناطق “درع السلام” و”غصن الزيتون” و”درع الفرات.”
خطر الفصائل على الجغرافيا السورية

يرى كمال الجفا أن وصول الجولاني إلى نقاط اشتباك جديدة مع الجيش السوري في شمال حلب لا يشكل خطرا ولا يهدد محافظة حلب، بل على العكس، فذلك يطلق يد الجيش السوري في توسيع رقعة الاستهداف لكل المناطق الخارجة عن سلطة الدولة السورية، والتي ستكون جميعها بصبغة إرهاربية، ما سيحله من بعض التزاماته مع الضامن التركي والذي يحد كثيرا من الصراع مع مليشيات وفصائل مدعومة من تركيا، والتي تصنف “معارضة معتدلة”.

ويقصد الجفا بذلك الميليشيات المتواجدة حاليا في الباب وشمال غرب حلب، والتي ستكون فريسه للجولاني فيما لو استمرت العملية وتم استكمالها.
مطلب أمريكي

كان هناك مطلب أمريكي منذ فترة بضرورة التنسيق والتكامل والتقارب مابين “قسد” والمكونات الكردية الأُخرى في الائتلاف المعارض – والذي مقره تركيا- وبالتالي سيتبعه مصالحة أيضا مع الجولاني وسيؤدي ربما الى اتحاد كل مكونات المعارضة في الشمال والشرق وتوحيدها في جسم عسكري وسياسي واحد، ولكن هذا المشروع لايناسب تركيا ولاتسمح أن يكتب له النجاح، وفقا للجفا: “أيضا التنسيق التركي مع الجولاني اليوم هو أهون الشرين له لأنه سيحافظ على كيانه (الإسلامي) ومشروعه الإرهابي وسيعوض عما يمكن أن يخسره في حال تطبيق اتفاق آذار/مارس 2020، بأن يمنح مناطق جديدة في الشمال السوري وينهي حالة الانفلاش والإمارات التي نشأت خلال السنوات السابقة في مناطق المليشيات التركية والتي أثبتت فشلها بشكل مطلق”.

ويؤكد الجفا على أن أوامر التركي هي التي منعت حدوث معارك طاحنة بين الفصائل التابعة لتركيا و”هيئة تحرير الشام”، وما حدث عبارة عن معارك متنقلة موضعية لم تشارك فيها قوات ضخمة من الطرفين بالرغم من الاستعراض الضخم الذي أقامته كل الأطراف المتصارعة خلال الايام الماضية، ومثال ذلك أن “الهيئة” دخلت عفرين خلال ساعات واختفت كل المظاهر المسلحة فيها من المليشيات التركية ولو كان هناك قرار بالمواجهة لعجزت “الهيئة” عن اجتياح عفرين بعدة أشهر، لأن المجتمع بأكمله في مناطق الشمال السوري مدجج بكل أنواع الأسلحة والذخائر وبجميع أصنافها.

ويختم: “تركيا هي المهندس الرئيسي لأحداث الشمال السوري وحتى لو توقفت الاشتباكات مؤقتا فإن مشروع “النصرة” سيتم استكماله خلال الأيام والأسابيع القادمة، كما سينتج هذا التحرك عملية اندماج لكل الفصائل العسكرية تحت راية ومسمى جديدين وحكومة واحدة بدل الحكومتين وربما ستكون هذه التشكيلات بعيدة عن رايات ومسميات الجولاني و”هيئة تحرير الشام” المصنفة إرهابية”.
البعد السياسي لأحداث الشمال

من جهته، يقول المحلل السياسي عمر رحمون “إن كل فصيل من الفصائل التي تقتتل في الشمال السوري يتبع لدولة معينة، وعندما تختلف هذه الدول مع بعضها، تنتقل عدوى الخلاف إلى تلك الفصائل”.

أما الآن – وفقا لرحمون- الوضع مختلف تماما؛ فليس خافيا على أحد أن كل الفصائل الموجودة الآن تابعة لجهاز المخابرات التركي، “لذلك من البديهي أن نقول إن ما يحصل في الشمال بأمر وتخطيط ورضى تركيا، وكل ما هنالك أن تركيا أرادت إحلال فصيل مكان آخر”.

ويضيف رحمون بأن التركي يهدف الى ترتيب الشمال السوري بما يتواءم مع مصالحه في المرحلة المقبلة.
مصلحة تركيّة

يلفت رحمون الى أن هناك أكثر من سيناريو لتفسير ما يحدث في الشمال، “السيناريو الأول هو إرادة تركيا بتوحيد كل الفصائل تحت جسم عسكري موحّد وصلب بهدف قتال “قسد”، لأن تركيا؛ ومن خلال تجربتها السابقة مع هذه الفصائل، لا تثق بها، حيث أن بعضها يبيع السلاح، وبعضها يتخاذل في المعارك”.

يشرح المحلل السياسي بأن ” التركي لديه قناعة بأن “هيئة تحرير الشام” هو الفصيل الأكثر صلابة و الأكثر عنفاً؛ إذا صح التعبير، وبالتالي القتال بعصا “الهيئة” آمن أكثر من القتال بعصا “الجيش الوطني” والذي تخاذل و سلم عفرين خلا 24 ساعة”.

أما السيناريو الثاني _يستدرك رحمون_ فيتمثل بأن تركيا باعت المعارضة وفتحت صفحة جديدة مع الدولة السورية، وهذه الصفحة تحتاج لتضحيات من التركي، وأوراق تقدم على الطاولة، وتسليم المنطقة لـ”هيئة تحرير الشام” هو نزع لشرعية “الجيش الوطني”، حيث أن التركي كان يقدمه على أنه معارضة معتدلة، وبالتالي كيف لجيش وطني أن يكون متخاذلا بهذه السرعة و يسلم مناطقه لـ “الهيئة”؛ حينها تستطيع تركيا القول بأنكم بعتم عفرين لـ”الهيئة” وهو مصنف عالميا فصيل إرهابي وهذا ما يعطي الحق للجانبين السوري و الروسي بالسيطرة على المنطقة و تنظيفها من الإرهاب.

ويرى رحمون أن السيناريو الثاني هو الأكثر واقعية،وخاصة ” إذا ما تابعنا تسلسل الأحداث، والتي بدأت بعملية عسكرية تركية ضد “قسد” في الشمال السوي، وفجأة تلقينا أخبارا عن إمكانية المصالحة السورية التركية، وخطوة تركيا بتسليم عفرين لـ “هيئة تحرير الشام” تعتبر خطوة جيدة إذا ما كانت صادقة في حديثها عن المصالحة مع سوريا”.

يشير رحمون الى أن الجانب الاقتصادي له دور كبير في النزاع ما بين الفصائل، ولكنه لا يصل لهذا الحد، القتال الذي رأيناه هو تخطيط استخباراتي و أكبر من أن يكون نزاع على معبر هنا، أو نفط هناك، المسألة أكبر وأوسع، وهو بداية الحل للأزمة السورية، وهي بإفساح المجال أمام الدولة السورية للسيطرة وللتخلص من هذه الفصائل.
حالة من الصمت

بعتبر المحلل السياسي أن “تركيا لم تدلِ بأي حديث رسمي لأنها منخرطة ومتورطة وهي أساس المشكلة، من خلال دعمها لهذه الفصائل والسماح لها ببسط سيطرتها وتوغلها في إدلب؛ بمعنى هي لا تستطيع الحديث لا مع “النصرة” ولا ضدها، تحسبا من ردة فعل كل الأطراف، وبالتالي هي تعمل بتكتيك و هدوء من أجل الوصول لحلول تصب في مصالحها، وكل ما سوف يصدر عنها من مواقف سوف ينتج عن مراقبة استخباراتها للعمل على الأرض فالجيش التركي متواجد في عفرين ويراقب عن كثب ما يجري”.

مراقبة دولية

يرجع رحمون أسباب الصمت الدولي لانخراطه أيضا بدعم النتظيمات الإرهابية، وكما هو معروف لدى العالم أجمع أن “داعش” هو من إنتاج الاستخبارات الأمريكية، وهذا باعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب، إلا أن السفارة الأمريكية “المغلقة” في دمشق، أدلت بدلوها وقالت على حسابها في تويتر”إنه على هيئة تحرير الشام الانسحاب من عفرين”، وهذا الموقف أربك اللاعبين وجعل التحركات متوقفة تماما.

يضيف “إذا ما لاحظنا أن الأمور في عفرين شبه متوقفة من بعد تغريدة السفارة الأمريكية في دمشق، وربما هذا التوقف هو فرصة للتفاهم مع الكبار ورؤية الى ما ستؤول إليه الأحوال.

لكن، بتوقعي؛ يختم رحمون، بأن تركيا ماضية بفتح المجال أمام “الهيئة” للسيطرة على أكبر عدد من المناطق، وبالتالي إفساح المجال للسوري و الروسي بالتعامل معها مستقبلا، عند أي تفاهم يحصل بين الأطراف الثلاثة.

تجدر الإشارة إلى أن ثمة تقارير وأخبار في وسائل إعلام المعارضة السورية، عن دعوة قيادة الجيش التركي مسؤولي الفصائل إلى اجتماع في أنقرة يوم الإثنين المقبل، على أن ينتج عنه إعادة ترتيبات جديدة للمنطقة. على حد تعبيرها.

هاشتاغ