الجمعة , مارس 29 2024

أمريكا “تحارب في أوكرانيا.. وعينها على الصين!

أمريكا “تحارب في أوكرانيا.. وعينها على الصين!

شام تايمز

جميل مطر

شام تايمز

أنتوني بلينكن في القاهرة يتحدث مع المصريين عن ضرورة إقناع الفلسطينيين بالتوقف عن أي أعمال عسكرية ضد إسرائيل حتى في حال استمر الإسرائيليون في قتل الفلسطينيين. المصريون من جانبهم يتمنون على أمريكا أن توقف إسرائيل عن قتل الفلسطينيين وتوفير الحرج عليهم وغيرهم من العرب.

في الوقت نفسه، خبرٌ على شاشة التلفزيون يؤكد أن نيكولاس بيرنز مدير المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) ما يزال في المنطقة ولكن غير معروف بالدقة مكانه ومن يقابل. أمريكا تؤكد التعاطف الكامل مع إسرائيل باعتبارها، من وجهة نظر واشنطن، الطرف المُعتدى عليه، وتؤكد أيضاً العزم على مد يد العون بشتى أشكاله لها كعهد ماضي العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وتُدين “الإرهاب الفلسطيني”.

سمعتُ في هذه النشرة أو في نشرة سابقة أن بلينكن أشار إلى موقف أمريكا، لم يقل الثابت، من موضوع الاستيطان. لم يفت قناة التلفزيون أن تذيع الخبر العاجل الصادر للتو من وزير جديد في الحكومة الإسرائيلية يطالب رئيسها بنيامين نتنياهو تنفيذ وعده باستعجال الكنيست لإصدار تشريع يسمح باستيطان واسع جديد على مشارف القدس. في النشرة أيضاً رسائل دعم وتأييد حكومية وبرلمانية أمريكية لإسرائيل. الرسائل لم تتوقف. جاءت أيضاً رسائل دعم لإسرائيل وإدانة للفلسطينيين من أوروبا ولا أظن أن أحداً من المحللين العرب المرموقين فوجئ برسائل الأوروبيين الرسمية فالطاعة التامة لأمريكا هذه الأيام الأخيرة علامة واضحة على حجم ونوع ضغوط أمريكا التي صارت تستخدم حرب أوكرانيا أداة تروّض بها القادة الأوروبيين.

هذا التدافع الأمريكي المكثف يشي بالكثير. من هذا الكثير ما يتردد في بعض أروقة واشنطن عن أن إدارة الرئيس جو بايدن غير واثقة تماماً مما يدبره نتنياهو لها هذه المرة. نذكر ما فعله مع الرئيس باراك أوباما ونائب رئيسها جو بايدن عندما تجاوزهما رئيس وزراء إسرائيل ودخل مباشرة إلى الكونجرس دخول المنتصر على حكومة البلاد. نذكر ما حدث ليس باعتباره دليلاً إضافياً على مكانة إسرائيل في سياسة أمريكا الخارجية ونفوذها في السياسة الداخلية، نذكره لأن تصرفات الوزراء الجدد في حكومة نتنياهو الراهنة ومواقفهم وتصريحاتهم كلها لا بد وأنها تسبب ارتباكاً في واشنطن وبخاصة بين أكثر المسئولين الأمريكيين تأييداً لإسرائيل واعتناقاً للصهيونية ومنهم بايدن شخصياً وبعض وزرائه المنتمين للعقيدة اليهودية. في الوقت نفسه، لسنا غافلين، نحن وغيرنا من المتابعين لتطورات السياسة الخارجية الأمريكية عن الدور الذي صارت تؤديه الاستعدادات لانتخابات الرئاسة القادمة في مجمل الحياة السياسية الأمريكية وبخاصة في قطاعي السياسة الخارجية والعسكرية.

***

الكلمة المفتاح في حملة دونالد ترامب الماضية وفي إدارة جو بايدن هي عظمة أمريكا، استعادتها أو تجديدها. كل من الرئيسين أدارها بطريقته، إلا أنهما اتفقا على الدافع وراء اختيار شعار استعادة عظمة أمريكا ألا وهو الانحدار المتسارع في عديد مؤشرات الحياة الأمريكية وفي صدارتها الانقسام الداخلي وفجوة الدخول وانتشار العنف المسلح والتمييز العنصري وتدهور حال البنية التحتية في كل أنحاء الدولة وتراجع مكانة أمريكا وهيبتها. إلا أن عاملين هامين لعبا الدور الأساس في تشكيل مجمل الخطاب السياسي الأمريكي وروحه لسنوات عديدة مرت وربما سوف يلعباه لسنوات طويلة قادمة، أقصد صعود الصين وانبعاث القومية في روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين.

***

لا أظن أن الرئيس زيلنسكي بادر ذات يوم باتخاذ قرار أو طلب سلاح بعينه أو معونة مادية من الغرب إلا بعد تلقيه تحفيزا من واشنطن. لا أبالغ وبخاصة بعد أن شاهدنا التخطيط المحكم للزيارات التي قام بها زيلنسكي للكونجرس والبرلمان الأوروبي والتوظيف المكثف لأجهزة الإعلام الأمريكي لخدمة حكومة أوكرانيا

اعتمدت الهيمنة الأمريكية على مبدأ التفوق المطلق في القوة في مواجهة الآخرين، وبخاصة فارق القوة بينها وبين أي منافس دولي محتمل. الحديث في هذا الموضوع يدفع دائماً علماء السياسة إلى العودة لقراءة أيقونة الدبلوماسية الأمريكية جورج كينان، السفير الذي بمذكراته الدبلوماسية من موقعه في موسكو في نهاية عقد الأربعينيات إلى وزارة خارجيته مهّد للحرب الباردة عندما أوصى بضرورة منع روسيا من الاستمرار في التوسع في شرق أوروبا وفرض الحصار حولها.

المثير أن لجورج كينان بعد تقاعده توصيات بشأن أوكرانيا وضرورة الحذر في التعامل معها أو في شأنها. نذكر من هذه التوصيات ما يتعلق مباشرة بتطور الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية وبخاصة ما اعتبرته، أنا شخصياً، أقوى حملة ضغوط مارستها أمريكا على حلفائها منذ حملتها في أعقاب حرب السويس على كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لوقف عدوانها على مصر والانسحاب على الفور. هذه المرة مُورس الضغط الشديد للغاية على ألمانيا ودول أوروبية أخرى لمد أوكرانيا بالدبابات من الطرز الأقوى. لا نخطئ التقدير إذا توقعنا أن تطلب أمريكا من حلفائها في الخطوة التالية تزويد أوكرانيا بالطائرات والصواريخ. لا أظن أن الرئيس فولوديمير زيلنسكي بادر ذات يوم باتخاذ قرار أو طلب سلاح بعينه أو معونة مادية من الغرب إلا بعد تلقيه تحفيزاً من واشنطن. لا أبالغ وبخاصة بعد أن شاهدنا التخطيط المحكم للزيارات التي قام بها زيلنسكي للكونجرس والبرلمان الأوروبي والتوظيف المكثف لأجهزة الإعلام الأمريكي لخدمة حكومة أوكرانيا.

نعرف الآن أن السفير كينان حذر من حشر روسيا في الزاوية لأن ردّها إن وقع الحشر سوف يكون غاية في العنف. كثيرون استغربوا صدور هذا التحذير من الرجل الذي أوصى في سن مبكر بفرض الحصار على روسيا. أنا لم أستغرب التغيير في أفكار كينان السياسية فالأفكار تنضج أو تتفتت وتعود لتتشكل من جديد مع التقدم في العمر. ثم أنه نبّه إلى أن ما يربط روسيا وأوكرانيا أكثر كثيراً مما هو معروف للمراقبين الأجانب وأشد تعقيداً. فالصراع مثلاً بين البلدين قديم ومتجذر في التاريخ باعتبار عامل العقيدة القومية المتطرفة في الجهتين.

بمعنى آخر، نفهم من تنبيهات كينان وقد صار في مرحلة متقدمة من الخبرة والعمر أن إقدام الولايات المتحدة على تفجير مرحلة جديدة في الصراع الأوكراني الروسي واستمرارها في تزويد أوكرانيا بالدعم ينذر باحتمالات مرعبة. أهم هذه الاحتمالات هو أن يزداد معدل العنف في الداخل الأمريكي والمؤشرات تؤكد فرص هذا الاحتمال. نأخذ على سبيل المثال ما كتبه كينان محذراً المسئولين الأمريكيين من تدخلهم في هذا الصراع. قال ما معناه أن أوكرانيا بالنسبة لروسيا أشبه شيء ممكن للغرب الأوسط الأمريكي بالنسبة للولايات المتحدة، هي سلة حبوبها وغذائها وقاعدتها الصناعية. وبالتالي يمكن تصور رد فعل موسكو إذا تدخلت جهة أجنبية وحاولت إشعال فتيل صراع في حالة كمون مع أوكرانيا أو فصل الدولتين الواحدة عن الأخرى.

لا شك لدينا الآن في أن نية الدولة العميقة في الولايات المتحدة بعد تنصيب زيلنسكي رئيساً لأوكرانيا مالت لفكرة تفجير الصراع بين أوكرانيا وروسيا وهي تعلم مسبقاً بعواقب هذا التفجير على مذبح الاختلافات الأوروبية ذات الطابع القومي. نعلم مثلاً أن بولندا ما تزال تغلي بقومية أقل ما يقال فيها أنها متطرفة كما نعلم أن الصراع في منطقة البلقان لم يهدأ أواره وما زال يغلي تحت السطح كبركان لا يمل. نعلم أيضاً أن القومية الروسية هي التي أعادت إلى روسيا حلم التوسع لضم “روسيات” صغيرة متناثرة في أنحاء الجوار القريب وبخاصة في أوكرانيا.

***

كابوس رهيب يرفض أن يغيب عن مخيلتي، يوسوس مردداً على مسامعي القول بأن ما يحدث أمامنا الآن لا يخرج عن كونه مجرد رحلة تدريب. روسيا ما هي إلا محطة صغيرة في رحلة شاقة على طريق طويل الصين محطته النهائية.

180 بوست

شام تايمز
شام تايمز