لماذا لا يمكننا الرجوع إلى الماضي؟. أشهر 9 ألغاز فيزيائية لم تحل حتى الآن
في عام 1900 أعلن الفيزيائي البريطاني اللورد كيلفين أنه “لم يعد هناك شئ لم نكتشفه في الفيزياء”، وفي غضون ثلاثين سنة فقط من هذه الكلمة كانت نظرية النسبية لأينشتين وميكانيكا الكم قد أحدثتا بالفعل ثورة في الفيزياء، لذلك لم يعد هناك فيزيائي واحد يجرؤ اليوم على القول بأن المعرفة الفيزيائية قد اقتربت من الكمال، بل على العكس، كل إجابة تقذف بنا إلى بئر أعمق من الأسئلة.
هذا التقرير يسرد لك أشهر 9 ألغاز فيزيائية لم يجد العلماء لها حلاً حتى الآن:
1- ما هي الطاقة المظلمة؟
إذا ألقيت بتفاحة في الهواء فإنها سوف تعود إليك بسبب الجاذبية، لهذا اعتقد علماء الفيزياء الفلكية دائماً أن الكون في طريقه إلى الانكماش بسبب الجاذبية، لكنهم حين راقبوا الانفجارات النجمية العظيمة (السوبرنوفا) وجدوا أن ضوءها الوهاج يخفت عن المعتاد، هذا يعني أنها تتباعد أكثر، أشبه بأن تقذف التفاحة لأعلى في الهواء فلا ترتد إليك، وإنما تختفي وتتباعد، فاستنتجوا أن فرضياتهم كانت خاطئة، الكون لا يتقلص وإنما يتمدد بسرعة كبيرة.
لهذا افترضوا وجود طاقة كونية تعاكس طاقة الجاذبية أسموها بالطاقة المظلمة هي التي تشد الكون للخارج وتسبب تمدده، وقد قال العلماء من خلال ملاحظتهم لمعدل التمدد والشد أن هذه الطاقة تقدر بحوالي 70% من الكون، لكن، لا يوجد أحد حتى الآن يعرف كيف يبحث عنها.
2- ما هي المادة المظلمة؟
كان اكتشاف هذه المادة أشبه بأن تكتشف مجموعة من النمل مثلاً أن الجبل الشاهق الذي قضت عمرها تصعده هو مجرد كرسي مثلاً فحسب، وهذا ما شعر به علماء الفلك الذين اكتشفوا أن كل ما يرونه من أقمار وكواكب وكويكبات وشمس ونجوم لا تمثل أكثر من 5% فقط من الكون، وأن هذه المادة المظلمة تمثل أربع أضعافها، و تمثل الطاقة المظلمة 70%.
المجرة والنجوم التي تدور فيها، تشبه أرجوحة دائرية في مدينة الملاهي، لابد من شئ يثبتها في مكانها وهي تدور وإلا ستتبعثر في الأرجاء، لكن العلماء وجدوا أن قوى الجاذبية بينها غير كافية للتثبيت، لهذا استنتجوا وجود مادة أخرى غير مرئية تمارس عليها قوة الجاذبية كأنها حبال خفية تمسكها في أماكنها، وسموا هذه المادة (المادة المظلمة) لأنها لا تمتص الضوء ولا تبعثه.
ومع أن معظم العلماء يعتقدون بنظرية المادة المظلمة إلا أن هناك علماء قد شرحوا مسألة الجاذبية وتسارع النجوم بنظريات أخرى لا تحتاج لوجود مادة إضافية، فلا يوجد شئ يقيني قد أكدها حتى الآن لأنها غير مرئية.
3- لماذا لا يمكننا الرجوع إلى الماضي؟
لطالما كان هذا محيراً للعلماء، لماذا نعيش في كون لا يتحرك فيه “الزمن” إلا في اتجاه واحد، بينما لا ينطبق هذا على “المكان”، فأنت يمكنك الآن أن تتقدم خطوة إلى الأمام ثم تعود مرة ثانية، لكن هذا ليس ممكناً في الزمن.
حين يسقط كوب زجاجي من طرف المائدة ليتهشم على الأرض، فلا يمكنك أن ترجعه إلى ما كان عليه، فلماذا لا يمكن للذرات المشتتة أن تصطف مع بعضها مرة أخرى وتعود للوضع السليم، هذا ممكن نظرياً لكن لماذا لا يحدث في الحقيقة؟
جاء العالم الفيزيائي النمساوي لودفيغ بولتزمان عام 1865 بنظرية (الأنتروبيا) أو الفوضى، وقد لخصها بأن الكون يميل لحالة الفوضى عن الثبات، بالنسبة لمثال الزجاج المتهشم، هناك احتمالات كثيرة لفوضى الذرات، فوضى بهذا الشكل وفوضى بهذا الشكل وهذا الشكل، إلى ما لا نهاية، أي أنها كثيرة ومتعددة، بينما احتمال الانتظام هو احتمال واحد، لذلك تتغلب احتمالات الفوضى على الانتظام في الكون، ولا تعود الأشياء إلى ما كانت عليه، لو ألقيت مجموعة من أوراق اللعب في الهواء، فاحتمالية أن تسقط مصفوفة ومرتبة موجودة نظرياً، لكنها لا تحدث، لأن احتمالات الفوضى تتغلب، وهو ما دفع الفيزيائيين للقول بأن حياتنا محكومة بقانون فيزيائي كيميائي يمنع عودة الأشياء إلى حالتها الأولى، هذه هي الأنتروبيا، كل شئ في حياتنا ماض إلى الاضطراب والفوضى.
لكن اللغز الذي يحير العلماء هو بخصوص بداية الكون، بعد الانفجار العظيم، من المنطقي ان تميل الكفة لاحتمالات الفوضى، فكيف بدأ الكون بهذا الانتظام؟
4- هل هناك أكوان موازية؟
تختلف العوالم حسب الخيارات، في عالم آخر ربما أنت تدرس الطب، وهناك عالم آخر رسبت فيه وخرجت من الكلية وتعمل الآن في محطة بنزين، وعالم آخر تجلس لتشحذ فيه في الشارع، هناك عالم تزوجت فيه هذه المرأة وأنجبت منها أطفالاً، وهناك عالم تزوج فيه كلاكما بشخص مختلف، فقد جاء العالم هيو إيفيرت عام 1954 بفكرة الأكوان الموازية، وأن هذه الأكوان متفرعة مننا ونحن أيضاً نتفرع عن آخرين، وهناك نسخ منا في كل عالم، إنها قابلة لأن تكون فيلماً فانتازياً، ما الذي يجعل عالماً فيزيائياً شاباً يخاطر بمستقبله ويتبنى هذه النظرية؟
لكنه بهذه النظرة، كان يحاول الإجابة عن سؤال صعب متعلق بفيزياء الكم: لماذا الأجسام الكمية تتصرف بشكل غير منضبط؟ إذ أن دراسات بلانك للإشعاع قادت نحو بعض الاكتشافات التي تتعارض مع الفيزياء التقليدية، ومن هذا استنتجوا احتمالية وجود قوانين مختلفة في هذا الكون تعمل على المستويات العميقة غير تلك القوانين التي نعرفها، كما أن الفيزيائيين الذين قاموا بدراسة مستوى الكم لاحظوا اشياء غريبة عن هذا العالم، فالجزيئات المختلفة في هذا المستوى تأخذ أشكالاً مختلفة بشكل اعتباطي، على سبيل المثال، العلماء لاحظوا ان فوتونات الضوء تتصرف أحياناً كجسيمات وأحياناً كأمواج! تخيل أنك ظاهر وتتصرف كإنسان حينما ينظر إليك صديق، لكن حينما يلتفت إليك ثانية تكون تحولت إلى غاز!
وظهر العلماء بنظريات كثيرة فيزيائية حاولوا البرهنة بها على تعدد العوالم، أشهرها نظرية الأوتار، ومن أبرز من أيدوا تعدد العوالم الفيزيائي ستيفن هوكينج، والذي قال أن تطبيق ميكانيكا الكم على الكون يؤدي لتعدد العوالم.
5- لماذا لا يوجد لدينا مادة مضادة؟
كل المواد التي حولك الآن يمكن أن تكون لها مادة مضادة، الحاسوب المحمول والكرسي والمكتب وكوب الماء وزملاؤك في العمل وأنت شخصياً يمكن أن تكون لك نسخة مضادة، لكنها ليست موجودة، منذ اكتشاف هذا الأمر استطاع العلماء إنتاج ذرات هيدروجين مضادة وذرات هيليوم مضادة، لو تواجدت المادة والمادة المضادة لها في نفس المكان فسوف يؤدي كل منهما إلى فناء الآخر، وإنتاج طاقة هائلة، مثل الإلكترون والإلكترون المضاد له المسمى بالبوزيترون، فلو تصافحت أنت ونسختك المضادة مثلاً فسوف يفنى كلاكما فوراً ويؤدي هذا لانفجار طاقة هائلة قد تتعدى 20 ضعفاً للطاقة التي تطلق الصاروخ، لهذا فقد كان هناك بعض المتخوفين من الأبحاث القائمة على هذه المادة، لكن في النهاية، فإن كل ما أنتج منذ 25 سنة حتى الآن من البروتونات المضادة لو دمجت مع البروتونات الأصلية، فسيكون ذلك كفيلاً بإنتاج طاقة تكفي لتسخين كوب شاي!
لغز المادة المضادة الذي لا يزال يحير الفيزيائيين حتى الآن، هو أنه في البداية عندما كان الكون أصغر عمراً وأكثر حرارة، الطاقة التي كانت متوفرة في هذا الوقت كان يفترض أن تصنع مادة ومادة مضادة بكميات متساوية، مع ذلك فاليوم، يتكون كوننا من المادة فقط، هذا اللغز هو أحد أهم ألغاز الفيزياء في القرن الرابع والعشرين.
6- ما هو مصير الكون؟
تبنى العلماء حتى الآن ثلاث نظريات لمصير الكون أولها هي الكون المفتوح، وهو أن تتغلب قوة الجذب للخارج عن الجاذبية للداخل، فيستمر الكون في التمدد والاتساع مثل بالونة تنتفخ، توجد عليها نقاط هي المجرات، لذلك تستمر المجرات في التباعد عن بعضها، و يبقى هكذا حتى ينفجر، بينما قالت نظرية الكون المغلق أن تمدد الكون سوف يتباطأ مع الزمن، حين تتفوق قوى الجاذبية للداخل، فتأخذ المجرات بالاندفاع للداخل وينكمش الكون ويحدث انسحاق عظيم للكون، كما كانت هناك نظرية الكون المتذبذب، التي توقع فيها العماء أن الكون سيبقى متذبذباً بين الانسحاق والانفجار.
7- كيف تحدث مشكلة القياس في ميكانيكا الكم؟
في أوائل القرن العشرين كانت بعض التجارب قد أنتجت نتائج لا يمكن تفسيرها بالفيزياء التقليدية، فعلى سبيل المثال، لقد درسنا جميعاً في المدرسة كيف تدور الإلكترونات حول الذرة مثل الكواكب حول الشمس، لكن الأمر ليس كذلك، فقد عجزت الفيزياء التقليدية عن تفسير حركة الإلكترونات حول النواة في الحقيقة، لماذا بقينا نستخدمها إذن؟ لقد بقينا كذلك لأنها خاطئة بشكل كبير جداً فقط عند التعامل مع الاشياء الصغيرة جداً، ومن هنا نشأ علم ميكانيكا الكم والذي استطاع تفسير ما لا تستطيع الفيزياء التقليدية تفسيره.
لكن عملية القياس في ميكانيكا الكم حساسة جداً،لهذا نشأ ما يسمى بمشكلة القياس في ميكانيكا الكم، نفترض أنك أمسكت شريط القياس وقررت أن تقيس الطاولة التي تجلس إليها الآن لتصنع واحدة مثلها، وكان طول حافتها 80 سنتيمتراً مثلاً، لن تخاف أن عملية القياس بالشريط قد غيرت قياس المنضدة مثلا، أما ميكانيكا الكم فهي دقيقة جداً، المشكلة أن عملية القياس نفسها تغير ما نقيسه، الأمر أن القياس لم يكن كذلك قبل أن تتدخل.
8- هل نظرية الأوتار صحيحة ؟
افترض بعض الفيزيائيون أن الكون عبارة عن سيمفونية كبيرة يتم عزفها باستمرار، مثل أوتار عازف الكمان، بإمكان وتر واحد أن يصدر عدة أصوات حسب شد أو رخي الوتر، كل الجسيمات الأولية هي في الواقع عبارة عن أوتار كل منها يهتز حسب تردد مختلف، وهذه النظرية سوف تسهل الأمر على الفيزيائيين وتوحد قوى الطبيعة الأربعة في إطار واحد.
لكن هذه النظرية فيها عدة مشاكل تعوق إثباتها منها مشكلة الأبعاد، فالأبعاد المكانية التي نعرفها هي ثلاثة أبعاد أضاف لها أينشتين بعد الزمان، لكن هذه النظرية تتطلب وجود 10 أو 11 بعداً، لا يمكن لنا إثبات وجودهم، وهذه النظرية هي إحدى النظريات التي استند إليها العلماء لتأييد نظرية العوالم المتعددة او المتوازية.
9- نظرية الفوضى: علم اللامتوقع
نظرية الفوضى، تبتدئ من الحدود التي يتوقف عندها العلم التقليدي ويعجز، فمنذ شرع العلم في حل ألغاز الكون عانى دوماً من الجهل بشأن ظاهرة الاضطراب مثل تقلبات المناخ وحركة أمواج البحر، والتقلبات في الأنواع الحية وعددها، إن الجانب غير المتوقع من الكون أربك العلماء دائماً.
أول من بحث في نظرية الفوضى أو الشواش كان عالم الأرصاد إدوارد لورينتز الذي كان يعمل عام 1960 على مشكلة التنبؤ بالطقس، على حاسوب مزود بنموذج لمحاكاة تحولات الطقس عبر 12 معادلة ليقوم بتوقع نظري له، بعد سنة أراد رؤية سلسلة معينة من الحسابات ثانية ولتوفير الوقت بدأ من منتصف السلسلة بدلاً من بدايتها، تفاجأ أن النمط انتهى بانحراف كبير عن المخطط الأصلي، ومنه توصل لأول مرة إلى ما يسمى بتأثير الفراشة، فكمية الاختلاف الضئيلة في نقاط بداية المنحنيين كانت صغيرة جداً لدرجة تشبيهها برفة جناح فراشة في الهواء لكنها كانت عظيمة لدرجة التنبؤ بإعصار يضرب العالم، ولم يكن العلماء قبل ذلك يلقون بالاً إلى الفروقات التي يمكن أن تنتج بعد مدة من هذه الفروقات الضئيلة في الشروط البيئية للتجربة، ومن أهم ما كتب عنها كتاب جيمس غليك الذي ترجم إلى العربية.
والسؤال الآن الذي يتساءل العلماء بشأنه هو: هل يمكن أن يكون هناك نظام ما أو قوانين تنظم نظرية الفوضى (كايوس)؟
مجلة نقطة العلمية
اقرأ أيضا: أول ظاهرة فلكية في عام 2020 يشهدها الوطن العربي.. خسوف القمر