قرار عسكري روسي “من العيار الثقيل”.. زلزال بيروت إلى الواجهة
بفترة زمنية قياسية، ووفق تكتيك عسكري وسياسي أذهل أروقة الاستخبارات الأميركية والغربية المعادية، اقتلعت دمشق الخنجر المغروس في خاصرتها بعملية جراحية نوعية ودقيقة، وأحرقت ورقة هذه الجبهة “الاستراتيجية” من أيدي أركان المحور المعادي. وعليه، بدأت الهجمة الدبلوماسية الأميركية والغربية المنسَّقة وغير المسبوقة تجاه روسيا، عبر طرد دبلوماسييها من معظم عواصم تلك الدول، لتتوَّج بطرد “الناتو” عدداً من موظفي الممثلية الروسية، تحت عنوان التضامن مع بريطانيا في واقعة “مسرحية” تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته على الأراضي البريطانية، وسط ترجيح خبراء عسكريين غربيين أن تكون هذه الهجمة المُحكمة على موسكو “توطئة” لعمل عسكري أميركي وأطلسي ما باتجاه سورية، أو حتى قد يصوَّب هذه المرة على أهداف عسكرية روسية على الأراضي السورية، وهو عمل سينسف بالطبع كل الخطوط الحُمُر المرسومة بشكل خطير – سيما إذا تُوِّجت تلك الأهداف بقاعدة حميميم الجوية الروسية – حسبما ذكر مركز “فيريل” الألماني للدراسات.
وفي ذروة التهديدات الأميركية والمعادية الأخرى بتسديد ضربات صاروخية ضد سورية، دون أن يفلح مطلقو هذه التهديدات بإنجاح أي “تمثيلية” كيميائية عبر مرتزقتهم، نظراً لتربُّص موسكو ودمشق لأي محاولة من هذا القبيل تشكّل حجّة للمحور المعادي ينفذ من خلالها إلى ترجمة خطته العسكرية، خرق “صراخ” بريطاني مفاجئ حيال موسكو المشهد برمته، عبر اتهام الأخيرة بالضلوع في تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال.
اللافت يكمن في “توقيت” الإضاءة المركَّزة حول هذه الواقعة؛ تزامناً مع تسارع العملية العسكرية والسياسية السورية والروسية التي نجحت بشكل باهر في إخراج آلاف المسلّحين والمدنيين من الغوطة الشرقية في وقت قياسي، على وقع تقارير وكالات أنباء دولية أكدت أن عملية عسكرية نوعية قادت فرقة “نخبوية” سورية إلى الإطباق على فريق استخباري بريطاني متكامل، رجّحت أن تكون تمّت في بلدة كفربطنا، أعقبت أياماً قليلة على أسر أحد المستشارين العسكريين البريطانيين في بلدة النشابية في الغوطة الشرقية.
التقارير لفتت إلى أن لندن توسّطت لدى موسكو، عبر سلطنة عُمان، للإفراج عن أسراها، إلا أن الردّ الروسي اكتفى بتأكيد أن أمر هؤلاء يعود حصراً إلى القيادة العسكرية السورية. ولم تغفل التقارير تأكيد أسر ضابط أميركي و”إسرائيليّين” اثنين في معارك الغوطة الشرقية، لافتة إلى أن هذا الأمر قد يكون من الدوافع الرئيسية التي قادت وزير الحرب الأميركي جايمس ماتيس إلى السلطنة في الحادي عشر من الجاري.
الرئيس فلاديمير بوتين ألمح بطريقة مواربة في حديثه مؤخراً لمحطة “بي بي سي”البريطانية، إلى “سرٍّ ما” تخفيه بريطانيا في الغوطة الشرقية، رداً على سؤاله عن السبب الحقيقي وراء السخط البريطاني المفاجئ تجاه موسكو، حيث قال حرفياً: “انظر إلى اسفل الأشياء ثم نتحدث”، قاصداً أن التركيز يجب ألا يكون على المعلَن، بل على “الخفايا”.. ولعل الناطق باسم قاعدة حميميم؛ الكسندر ايفانوف، كان أكثر وضوحاً بإعلانه أن “القوات الروسية تعمل على جمع الوثائق والمستندات والملفات الأرشيفية التي خلّفها الإرهابيون وراءهم بالغوطة الشرقية، بهدف التحقيق في هوية الدول التي أدارت وموّلت هذه الجماعات، وتقديمهم إلى العدالة الدولية”.
إذاً، هي من الأسباب “الموجبة” التي دفعت لندن وواشنطن وسائر العواصم الغربية الأخرى إلى “الاستشاطة” غضباً من نتائج معركة تطهير الغوطة الشرقية، والتي “صدمت” بلا شك كل دول المحور المعادي دفعة واحدة، وتكفي مشاهدة هذا الكمّ من الأنفاق التي دخلها الجيش السوري في غالبية بلدات الغوطة بعد تحريرها، وكيفية حفرها بالتقنيات الغربية الحديثة على مدى سنوات الحرب السورية، للتأكُّد من حجم المبالغ المالية الضخمة التي أنفقتها مجاميع هذه الدول، بهدف تحصين مرتزقتها، وجعل الغوطة الشرقية خنجراً دائماً في خاصرة دمشق، وقلعة محصنة عصية على أي محاولة اختراق عسكري سوري لأبوابها.. كل هذا الجهد اللوجستي والاستخباري والإنفاق المالي الضخم على كافة صنوف الميليشيات الإرهابية في الغوطة الشرقية على مدى سنوات طويلة، مسحته دمشق وموسكو وسائر الحلفاء بفترة زمنية قياسية لم تتجاوز أسابيع معدودة.. وعليه، لن يستكين حلف واشنطن للهزيمة المدوّية، وها هي دول هذا الحلف تهبّ هبّة واحدة في حملة دبلوماسية شرسة لـ “تطويق عنق روسيا”، والرد على فوز قيصرها الساحق مؤخراً في الانتخابات الرئاسية الروسية، وبالتحديد على إطلالته النووية المفاجئة التي وجّه من خلالها تهديدات غير مسبوقة “لكل من يعنيهم الأمر” إذا ما تجرّأت أي دولة باستهداف روسيا أو أي من حلفائها.. ليُطرح السؤال: كيف ستردّ موسكو على هذه الهجمة الدبلوماسية الجماعية غير المسبوقة عليها؟
تكشف معلومات صحافية بلغارية، عن تقارير استخبارية ألمانية وصلت منذ يومين إلى الإدارة الأميركية، تضمّنت تحذيرات “عالية الجدية” من أن أي ضربة صاروخية أميركية أو من حلف “الناتو” ضد أهداف سورية أو روسية على الأراضي السورية، فإن الردّ سيكون باتجاه قواعد عسكرية أميركية “قد تتجاوز الحدود السورية إلى إحدى الدول المجاورة لسورية”. وكشفت صحيفة “Crech news” بدورها، أن صواريخ “كاليبير” الروسية ومنظومة “أس 400” الصاروخية، جُهِّزت للانطلاق إلى أهدافها “التي حُدِّدت بدقة”.
المحلل العسكري في الصحيفة دانيال كولف، حذّر على وقع التصعيد الدبلوماسي الجماعي الخطير بوجه موسكو، من أن الأميركيين سيكونون بمواجهة حدث سيشكل “زلزالاَ” مدوّياً في أميركا، قد يكون نسخة أخطر بكثير من “زلزال بيروت” الذي هزّ الأميركيين والأطلسي ذات “يوم أسود” عام 1983، عبر تفجيرَين متزامنَين استهدفا حينها قاعدتي المارينز و”المتعددة الجنسيات”، وتسببا بعودة أكثر من 450 قتيلاً أميركياً وغربياً بصناديق خشبية إلى بلدانهم. وعلى وقع معلومات صحافية فرنسية كشفت أن موسكو قرّرت إغلاق المجال الجوي السوري في توقيت بات وشيكاً في وجه سلاح الجو الأميركي وملحقاته في حلف “الناتو”، مكتفية بالإشارة إلى أن قراراً عسكرياً روسياً غير مسبوق اتخذه الرئيس فلاديمير بوتين في سورية، رداً على الهجمة الدبلوماسية المعادية ضد بلاده، ألمح مصدر مقرَّب من وزارة الخارجية الروسية، إلى أن القرار اتُّخذ بالتنسيق مع دمشق وطهران، مرجّحاً حدثاً عسكرياً خطيراً في دولة الإمارات يستقطب أنظار العالم.
ماجدة الحاج – الثبات