أيار شهر الحسم من غرب العراق إلى شرق سورية
تشهد الأشهر المقبلة مخاضات مصيرية في أجنحة محور المقاومة، حيث يعقد كل من العراق و لبنان انتخابات تشريعية تحدد ثقل مشاريع المقاومة وطبيعة المشاريع المعادية لها، بالتزامن مع فتح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة كخطوة عملية أمريكية بعدما كانت على مدى عقود مجرد وعود نظرية، في إشارة إلى المتغيرات المتسارعة نحو الإيحاء بحتمية التفوق الأمريكي في المنطقة.
و تستغل الولايات المتحدة الأمريكية الأحداث في الغوطة الشرقية و منصة مجلس الأمن لكسب الوقت كي يتثنى لها ترتيب ملفاتها في المنطقة من فلسطين ولبنان غرباً إلى سورية والعراق شرقاً، عبر إيجاد أدوات لها من خلال ثاني انتخابات عراقية منذ إعلان الانسحاب الأمريكي المزعوم من العراق في 2011، ورابع انتخابات منذ غزوها له عام 2003، التي من المقرر عقدها في 12 أيار2018 ، لانتخاب 328 عضواً في مجلس النواب العراقي والذي بدوره ينتخب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، كما أنّ خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخير يؤكد تدخلها في الإنتخابات النيابية اللبنانية بالدليل القطعي حسب تعبيره .
قبل عشرة أيام من التقاء الجيش السوري و حلفاؤه مع الحشد الشعبي و الجيش العراقي، على الحدود السورية العراقية أواخر تشرين الثاني من العام الماضي (29-10-2017)، أعلن “صالح مسلم” رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني السوري ، أنّ مسلحي “قسد” سيتجهزون إلى البوكمال ، و الذي جاء بعد أيام من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على حقل العمر النفطي، الذي بدوره لا ينفك عن الإرادة الأمريكية في السيطرة على كامل الحدود السورية العراقية، و منع تلاقي الحشد الشعبي العراقي مع الجيش السوري و حلفائه، ليس فقط من منظور جغرافي يتمثل بتأمين ممر لمحور المقاومة الممتد من طهران إلى بيروت، بل وتأمين مرتكز للقواعد العسكرية الأمريكية في الشرق السوري من التنف جنوباً إلى عين العرب (كوباني) شمالأً.
إذا تتوجه وسوسات الشيطان الأكبر–واشنطن- إلى التأثير و اللعب في الانتخابات العراقية بغية رسم معادلة جديدة تمكنه من تأمين الحدود السورية العراقية، من خلال محاصرة الفتوى المقدسة التي قضت على داعش كوكيل بإجماع العراقيين على قلعه من جذوره، فيما يتلعثمون بعلمهم وفقههم عن استهداف الأصيل بفتوى واضحة وجريئة، ربما لقناعتهم بأنّ واشنطن لا تزال ممسكة بحبال الساسة العراقيين الموالين لها، والذي بدوره يجعل المرجعية على مسافة واحدة من الجميع الموالين والمعارضين لأمريكا على حد سواء.
يخلّف الموقف الضبابي للمرجعية في النجف الأشرف فراغاً يصعب تجاوزه في ظل التعقيدات السياسية الداخلية، و الذي يتيح للمشروع الأمريكي التحكم بالانتخابات و تأمين معبر القائم بقوات مواليه له، بعد إضعاف موقف الحشد الشعبي من خلال البحث في جدوى استمراره بمرحلة ما بعد داعش، وتحويل واشنطن لقواعدها في شرق الفرات إلى مرتكز جيوستراتيجي متقدم لاستهداف دول الإقليم وأمنها القومي، بالإضافة إلى خلق حضناً دافئاً للحلم الانفصالي، و الذي قد يعيد أطماع انفصال كردستان العراق إلى الواجهة مستقبلاً ، و يقطع الطريق على محور المقاومة و المشاريع الجيوسياسية والجيواقتصادية،وما تصريح ولايتي مؤخراً حول المقاومة الشعبية ضد الأمريكان في شرق الفرات إلا إشارة إلى اعتمادية دول محور المقاومة على ركيزتين أساسيتين:
الأولى هي دمشق وموسكو التي أرسلت طائراتها من الجيل الخامس إلى سورية قبل حتى موعد تسلم الجيش الروسي لمثل هذه الطائرات في 2019، بالتزامن مع تصريح مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري بحق دمشق بمقاومة الاحتلال الأمريكي، حيث تمثل هذه الطائرات الحديثة كسراً للتوازن الجوي مع القوات الأمريكية في شرق الفرات وغطاءً فعالاً للقوات الإيرانية وحزب الله الرديفة للجيش السوري، والذي أصبح واضحاً من تصريح الجعفري الأخير أنه يستعد لعبور الفرات ومواجهة أمريكا والقوات الموالية لها.
أما الثانية هي الحشد الشعبي بمرجعيته في النجف والذي سيؤمن الوصول المباشر والضاغط على الوجود الأمريكي في الشرق السوري ويحول القواعد الامريكية إلى نقاط استهداف متقدمة لنيران المقاومة بدلاً من نقاط ارتكاز جيوستراتيجي ضدها، يدفع أمريكا إلى الانسحاب من الأقليم كخيار الضرورة، فهل ستكون هذه المرجعية الركيزة اليمنى والأساسية لمشروع مقاومة الاحتلال أم ستفضل بترها بالصمت السياسي المرحلي، والذي سيرافقه صمتاً أبدياً للجميع بعد تثبيت واشنطن وجودها في قلب الإقليم؟!