عبد الباري عطوان: لماذا ظَهَرَ الأسد فجأةً والْتَقى الصِّحافيين بعد غِيابٍ طَويل؟
عبد الباري عطوان
لم يُكِن من قبيل الصُّدفة أن يتزامَن لِقاء الرئيس بشار الأسد مع مَجموعةٍ من الصِّحافيين مع أنباء أكّدها المَرصد السُّوري لحُقوق الإنسان القَريب من المُعارضة، تُفيد بِسَيطرة الجيش على أكثرِ من ثُلث الغُوطة الشرقيّة، وبات على بُعد كيلومِترين من دوما أكبر مُدنِها.
الرئيس الأسد تَعهَّد في هذا اللِّقاء بمُواصلة الهُجوم حتى استعادةِ سَيطرة الدَّولة على الغُوطة الشرقيّة كامِلة، وقال للصِّحافيين “عمليّة الغُوطة هي استمرار لمُحاربة الإرهاب، وأن مُعظَم سُكّانها يُريد العَودة إلى حُكم الدَّولة، ولذلك سَتستمر هذهِ العمليّة”، واعْترف مُتحدِّث باسم “جيش الإسلام”، أكبر الفصائِل المُسلّحة بالغُوطة، “ان سِياسَة الأرض المَحروقة التي تتّبعها الحُكومة أجبرت مُقاتِلي المُعارضة على التَّقهقُر”.
كان واضِحًا مُنذ البِداية أن الجانِبين السوري والروسي “مُصمِّمان” على اسْتعادة الغُوطة الشرقيّة وإنهاء الوجود المُسلَّح فيها، ووَقف قَصف العاصِمة بقذائِف الهاون مهما كان الثَّمن، ويبدو أن تَحقيق هذا الهَدف أصبح وشيكًا، والمَسألةُ مسألة أيّامٍ أو أسابيعٍ مَعدودة.
***
القِوى التي تدعم المُعارضة السوريّة المُسلّحة تخلّت عنها في الغُوطة، مِثلما تخلّت عنها في حلب الشرقيّة ودير الزور، وربّما يتكرّر المَشهد نفسه في مدينة إدلب في المُستقبل المَنظور، فتركيا مَشغولة في حَرب مُوازية في مِنطقة عِفرين، وتَمكّنت من قَتل حواليّ 2250 شَخصًا مُعظَمهم من مُقاتلي وحدات الحِماية الشعبيّة الكرديّة، وأعداد كبيرة من المَدنيين أيضًا، أمّا الدُّول الخليجيّة الدَّاعِمة للمُعارضة فاتّبعت الأُسلوب نفسه الذي اتّبعته أثناء الهُجوم على شَرق حلب، أي الاكْتفاء بالتَّركيز بشكلٍ مُكثّف على المُعاناة الإنسانيّة للمَدنيين، وبَثْ أشرطةِ عن الضَّحايا عبر شاشات قنواتها التلفزيونيّة مع التركيز على الأطفال، ولم تُقدِم على أيِّ خطواتٍ عمليّةٍ مَلموسةٍ على الأرض لإنْقاذِهم.
قتل المدنيين أيًّا كانت الجِهة التي تُقدِم عليه أمرٌ مُدان، ولا جِدال في ذلك، ولكن الولايات المتحدة هي أكثر قوٍة في العالم ارتكبت مجازِر في حَق هؤلاء، والإعلام العربي والعالمي لا يُركِّز عليها، ويَكفي الإشارة إلى أن الطائرات الأمريكيّة قتلت في يَومٍ واحد أكثر من 500 مدني عِراقي في مدينة الموصل القَديمة، واعْترفت القِيادة الأمريكيّة بذلك، وبَرّرت هذهِ الجَريمة لوصول مَعلومات خاطِئة، وهناك تقارير إخباريّة عن مجازِر أمريكيّة أُخرى ارْتكبتها الطَّائرات الأمريكيّة في مدينة الرقّة ما زال مَسكوتًا عنها، ويَجري حَظر النَّشر عن أعداد ضحاياها، والقَتل هُنا لا يُبرّر القَتل هُناك على أيِّ حال.
الولايات المتحدة الأمريكيّة التي اعْترفت بإنْفاق 70 مِليار دولار في سورية لدَعم المُسلّحين، هي آخر دَولة يَحِق لها الحَديث عن “جرائِم الحرب”، لأنّها تتحمّل الجُزء الأكبر من تَحويل سورية وقَبلها العراق وليبيا واليمن والصومال إلى دُولٍ فاشِلة ومَنكوبة، ولذلك لا يُمكِن أن نَقبل دموعها الكاذِبة على أرواح المَدنيين.
فمَن حاصَر وقتل أكثر من مِليونيٍ عراقي، ويَدعم العُدوان الإسرائيلي ومَجازره بأحدث أسلحة الدَّمار وأقواها فَتكًا، لا يَحق له الحَديث كحَملٍ وَديع، وإعطاء مُحاضراتٍ في الإنسانيّة وحَقْن الدِّماء.
الجيش السوري سيَستعيد الغُوطة الشرقيّة، مِثلما استعاد حلب الشرقيّة، ودير الزور، وتدمر، وسَيتم نِسيان الضَّحايا الأبْرياء الذين يَسقطون للأسف، ويَدفعون ثمن هذا المُخطّط الجُهنَّمي الذي تَخوضه أمريكا وحُلفاؤها لتَدمير هذهِ الأُمّة وتَمزيق أوصالِها، ونَهب ثرواتِها.
سيَتفاهم الأمريكان والرُّوس فَوق جُثَث الضَّحايا في نِهاية المَطاف، وسيَعقِدون الصَّفقات فيما بَينهم، وستُحوِّل مَحطّات التَّلفزة اهْتمامها إلى مَجازِر أُخرى، وسَيعود أصحابها، أي مَحطّات التَّلفزة، في يَومٍ قَريب، إلى دِمشق، مُردِّدين شِعار “عَفا الله عمّا سَلف”، ونحن أمام مَرحلةٍ جَديدة”، ولا نَعرف ما إذا سَتكون هذه “التَّوبة” مَقبولةً أم لا.. وما نَعرف، ونَكاد نَجْزِم بِه، أن المَشروع الأمريكي الإسرائيلي في تَراجُع.. والأيّام بَينَنا.
رأي اليوم بتصرف