أهداف التمدد التركي في سورية والعراق
لعبت تركيا دور “المايسترو” لقيادة ما سُمِّي “الثورة السورية”، بالشراكة مع السعودية وقطر قبل انفجار العلاقات البينيّة وتصادم المصالح بينهم، وأعلن أردوغان أنه سيصلّي في الجامع الأموي في دمشق “عنوة” وليس “دعوة”، وكانت تركيا غرفة العمليات المركزية وبوابة التكفيريين المهاجرين إلى سورية من أوروبا وكل العالم،بما عُرف بـ”داعش”، وتصرّف أردوغان كخليفة عثماني يحاول إعادة التاريخ ويسترجع فيالقه وولاياته في بلاد الشام ومصر كخطوة أولى، وبدأ تنفيذها بتعيين (والٍ) على عفرين بعدما سلّمها الأكراد له بناء لأوامر أميركية، ولم يسلّموها للدولة السورية.
لم تترك تركيا وسيلة غير مشروعة إلا واستخدمتها لإسقاط سورية وإسقاط الرئيس الأسد، ونهبت مصانع حلب، واشترت النفط السوري المسروق من “داعش”، وتاجرت بالنازحين السوريين واستثمرتهم للضغط على أوروبا من جهة، وسرقة المساعدات من جهة أخرى، بالإضافة إلى تجنيدهم للقتال ضد الدولة السورية بأسماء مختلفة؛ من “الجيش الحر”إلى “النصرة” و”داعش”، وأسماء أخرى يجمعهم هدف واحد هو خدمة تركيا وتخريب سورية .
بعد فشل مشروع تدمير سورية عبر الثلاثي (التركي والسعودي والقطري)بقيادة أميركية، تحاول تركيا احتكار التدخُّل الإقليمي والمذهبي في سورية، بعد انفراط عقد التحالف الثلاثي وخروج قطر من الميدان السوري واليمني، بعد خلافها مع السعودية، وتصحّر التأثير والوجود السعودي في سورية بعد هزيمة ممثلها الميداني “جيش الإسلام”،خصوصاً الغوطة الشرقية، وبالتالي انعدام التأثير السعودي المباشر، والذي يحاول استجداء بقاء القوات الأميركية في سورية لحفظ التأثير المعنوي السعودي بحده الأدنى .
استطاع الأتراك الاستحواذ على مجاميع التكفيريين ومنظماتها في “مطمر إدلب التكفيري”،الذي تستثتمر فيه وتستغل تناقض الجماعات، وبعضها أصبح يتيماً دون راعٍ إقليمي أو دولي، وستضيف الى رصيدها “جيش الإسلام” التائه، والذي استطاعت الدولة السورية فرض شروطها بالنسبة إلى وجهة انتقاله، ورفضت خيار القلمون الشرقي أو جنوب سورية، وفرضت الهجرة نحو الشمال لمن لا يريد تسوية أوضاعه .
السماح التركي بانتقال “جيش الإسلام”إلى “جرابلس” يهدف إلى إلغاء الدور السعودي بالكامل، واذا تم السماح ببقائه فسيكون تحت الرقابة والشراكة التركية،أو إلغائه كلياً وفصل الجماعات التكفيرية عن بعضها البعض،لتوسعة الوجود التركي غير المباشر،أو لمضاعفة القيمة السياسية لتركيا في المفاوضات السياسية،حيث ستلجأ تركيا إلى تذويب هذه الجماعات في تنظيم جديد يخضع لـ”الإخوان المسلمين” الذين تسعى تركيا لحصر المعارضة السورية بوفدهم، وتعود تركيا للشراكة في الحكم عبر الإخوان، باسم جديد علماني، لإعادة تجربة “حزب العدالة والتنمية” التركي الذي يسيطر على الحكم، وتجربة “حزب العدالة والتنمية المصري” (الإخوان) الذين وصلوا للحكم ولم يعرفوا إدارته، فسقطوا مع رئيسهم محمد مرسي.
تركيا تحاول استغلال منظومة المصالح التي تربطها بإيران وروسيا وحاجة الأطراف الثلاثة لبعضهم البعض، إضافة إلى عدم وجود طرف سياسي إقليمي “سُني” للتفاوض معه، مما يفرض على روسيا وإيران التعامل مع الواقع الذي لا يمكن تغييره، خصوصاً في عهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يواصل التصعيد ضد إيران، علّها تساعده في التخلص من المأزق اليمني، وتحفظ له ماء الوجه في سورية والعراق ولبنان.
الأتراك مطمئنّن إلى أنهم سيحصلون على حصتهم من “الكعكة السورية” بعد إلغاء الدور العربي، ويحاولون تثبيتها أو حمايتها أو زيادتها عبر التهديد بالتدخُّل في العراق والدخول إلى “سنجار”، للتعويض عن هزيمة “داعش”، والتأسيس لإعادة إنتاجها من جديد باسم جديد وزي تكفيري ملطَّف تحميه قوى سياسية عراقية، وتؤمّن تركيا السند المعنوي والسياسي الخارجي له نيابة عن أميركا.
تركيا تخطط وفق أحلامها، لكن الدولة السورية ومحور المقاومة لن يسمحوا بتنفيذ مخططها، وقد تبدأ المقاومة الشعبية السورية ضد أميركا والأتراك و”إسرائيل” .
د. نسيب حطيط / الثبات
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73