الأحد , أبريل 20 2025
شام تايمز

Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

تهديدات ترامب بالهجوم على سورية.. تراجع أم تأجيل؟

شام تايمز

تهديدات ترامب بالهجوم على سورية.. تراجع أم تأجيل؟
كثيرةٌ جدًّا هي المفردات المستخدَمة في سياق لغة الجنون الشائعة في هذه الأيّام على خلفيّة توعُّد الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بتوجيه ضرباتٍ عسكريّةٍ ضدَّ سوريا، ولدرجةٍ تكاد تجعل الضجيج وحده العنوان الأبرز والأكثر تداولًا للحدث المرتقَب، لولا أصداء المفردات المستخدَمة في سياق لغة العقل التي تتردَّد بين الحين والآخر من أجل حثّ دول الارتصاف الأميركيّ – الأوروبيّ – الأطلسيّ على عدم التهوُّر عن طريق الكفّ عن اتّخاذ أيِّ إجراءاتٍ من شأنها أن تؤدّي إلى تفاقم الأوضاع وزيادة التوتُّر في المنطقة، وهي الأصداء التي خرجت خلال اليوميْن الماضييْن، وما زالت تخرج لغاية هذه اللحظة، من العاصمة الروسيّة وحدها، سعيًا إلى احتواء الموقف المتأزِّم بما يضمن إبقاءه تحت السيطرة، ولو إلى حينٍ، الأمر الذي لا يمكن أن يُعبِّر وسط تصاعُد قرع طبول الحرب سوى عن قدرة روسيا وبراعتها الفائقة في مجال ضبط النفس وعدم الانجرار وراء النزعات الابتزازيّة والاستفزازيّة التي تستهدف الزجّ بها في أتون مواجهةٍ عسكريّةٍ كبرى، أقلّ ما قد ينجم عنها هو اندلاع حربٍ عالميّةٍ ثالثةٍ، وبالتالي زعزعة الاستقرار العالميّ وإغراقه في متاهات صراعاتٍ لها أوّلٌ وليس لها آخرٌ على مدى سنواتٍ طويلةٍ من الزمان.
من هنا، واستنادًا إلى مفاعيل هذه القدرة والبراعة الروسيّة الفائقة، يمكن القول إنّ سلسلة الاتّصالات الهاتفيّة التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية مع نظرائه في عددٍ من العواصم المعنيّة بالأزمة السوريّة، ومن بينهم الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، جاءت في سياق محاولةٍ استطلاعيّةٍ تستهدف استقراء طبيعة المواقف المستقبليّة لكلٍّ من أنقرة وتلّ أبيب على وجه الخصوص إذا ما قُدِّر للحرب أن تصبح بمثابةِ شرٍّ لا بدَّ منه بالفعل، ولا سيّما بعدما كانت تجارب الماضي قد أظهرت بما لا يترك أيَّ مجالٍ للشكّ أنّ نسبة التذبذب في بارومتر المواقف التركيّة والإسرائيليّة حيال الملفّ السوريّ كانت الأعلى قياسًا بغيرها من المواقف على مدى أكثرَ من سبعِ سنواتٍ من الزمان، باستثناء التذبذب الأكثر إثارة للدهشة والاستغراب في بارومتر المواقف الأميركيّة بالطبع، وهو ما كان قد تجلّى للعيان بوضوحٍ غيرِ مسبوقٍ بعدما شهدنا كيف بادر الرئيس ترامب إلى اتّخاذ موقفيْن متناقضيْن حيال سوريا في غضون أسبوعٍ واحدٍ فقط، الأوّل يؤشِّر إلى اعتزامه العمل على سحب جنوده منها، والثاني يؤشِّر إلى نيّته في توجيه ضربةٍ عسكريّةٍ ضدَّها، الأمر الذي لا يمكن أن يُعبِّر سوى عن حالةِ انفصامٍ تامٍ لم يشهد البيت الأبيض لمدى توغُّلها وتحكُّمها على هذا القدْر من الخطورة في سلوكيّات أيِّ رئيسٍ أميركيٍّ من قبل.
وإذا كان الرئيس ترامب قد استتبع تغريدته السابقة التي دعا فيها روسيا إلى الاستعداد لتلقّي صواريخه “الذكيّة” في سوريا بتغريدةٍ جديدةٍ قال فيها أمس إنّه لم يُحدِّد مسبَقًا الموعد لتوجيه ضربته العسكريّة المعلنَة، منوِّهًا بأنّ هذه الضربة قد تكون في القريب العاجل وقد لا تكون وشيكةً على الإطلاق، فإنّ هذا التبايُن الذي يشكِّل التجسيد الأمثل
لحالة الانفصام الآنفة الذكر، وإنْ بدا للوهلة الأولى وكأنّه مشهدٌ من مشهديّات غرابة الأطوار المستحدَثة على نمط الحكم في البيت الأبيض منذ دخول الرئيس الأشقر إليه في مطلع عام 2017، ولكنّه يدلّ في الموازاة إلى وجودِ احتمالٍ مؤدّاه أنّ ثمّة تراجُعًا نسبيًّا في زخم الموقف الأميركيّ حيال وجوب توجيه الضربة العسكريّة جملةً وتفصيلًا، ولا سيّما بعدما تحدَّثت تسريباتٌ استخباراتيّةٌ بعد ظهر امس الخميس عن أنّ الحليف الأساسيّ الذي درجت العادة على أن تعتمد عليه الولايات المتّحدة في أوقات الشدّة، أيْ الحليف البريطانيّ، لن يتمكَّن هذه المرّة من تقديم أكثر من مجرَّدِ تسهيلاتٍ جوّيّةٍ وبحريّةٍ للمقاتلات والسفن الحربيّة الأميركيّة في قاعدتيْ “ذيكيليا” و”أكروتيري” في جزيرة قبرص، بمعنى أنّ المشاركة البريطانيّة ستكون محدودةً في حال تمّ استهداف سوريا بالفعل، مقارنةً بالحروب الأخرى التي خاضها الطرفان معًا في كلٍّ من أفغانستان والعراق، وذلك لاعتباراتٍ عدّةٍ، أهمّها أنّ توجيه الضربة العسكريّة المعلَنة ضدَّ سوريا على خلفيّة الاتّهامات الموجَّهة للقوّات النظاميّة هناك بشنّ الهجوم الكيميائيّ المزعوم على مدينة دوما في وقتٍ تبذل فيه رئيسة الوزراء تيريزا ماي قصارى الجهد من أجل لفلفة تداعيات ما بات يُعرف بـ “فضيحة سالزبوري” الناجمة عن عدم ظهور أيِّ دليلٍ حسّيٍّ واحدٍ يُثبِت صحّة الاتّهامات الموجَّهة لروسيا بالضلوع في تسميم العميل المزدوَج سيرغي سكريبال وابنته يوليا بغاز الأعصاب، لا بدَّ من أن يؤدّي إلى إلقاء السمعة البريطانيّة في الحضيض، وخصوصًا إذا ما استحال على خبراء منظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة الذين يُفترَض أن يبدأوا عملهم في سوريا خلال الساعات القليلة المقبلة إيجاد أيِّ دليلِ إدانةٍ للقوّات النظاميّة هناك في تنفيذ هجوم دوما.
هذا الكلام، وإنْ كان لا ينطوي على أيِّ نيّةٍ في الترويج لأيِّ فكرةٍ مؤدّاها أنّ الرئيس ترامب شطب نهائيًّا من حساباته الاستراتيجيّة خيار إرسال صواريخه “الذكيّة” إلى سوريا، ولكنّ الغرض من ورائه يتمثَّل في وجوب الإشارة إلى أنّ التبايُن المذكور أعلاه في تغريدته الأخيرة حول موعد الضربة المعلَنة، ربّما يدلّ إلى أنّ الرئيس الأشقر قرَّر العدّ إلى العشرة هذه المرّة قبل الإقدام على أيِّ مغامرةٍ تهوُّريةٍ لن يكون الرابح فيها بأيِّ شكلٍ من الأشكال، علمًا أنّ القطع ما بين الشكّ وما بين اليقين بالنسبة إلى الوجهة التي ستُحدِّد مسار قراره النهائيّ، سواءٌ في تغريدته المقبلة أم في ما بعدها من تغريداتٍ، سيبقى عصيًّا حتّى على التكهُّنات والتوقُّعات.. وحسبي أنّ الدول التي تسعى إلى تدمير دولٍ أخرى على خلفيّة اتّهاماتٍ تستند إلى فرضيّاتٍ مبنيّةٍ على استخدام مصطلحاتٍ مثل “ربّما”، و”على الأرجح”، و”من غير المستبعَد”، لم يعُد يُجدي معها نفعًا حتّى تنجيم المنجِّمين.. والخير دائمًا في استحضار لغة العقل لمواجهة لغة الجنون من وراء القصد.
لبنان 24

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز

اترك تعليقاً