هل هو تحالف الأضداد بين دمشق والأكراد السوريين؟
علي مرتضى
على طول الخارطة السورية، شكلت النزاعات المسلحة في أكثر من منطقة معارك “كسر عضم” بين الدولة السورية والمسلحين بمختلف انتماءاتهم، من خلف الطرفين تتضح الأطراف المشاركة في الصراع أيضاً، روسيا وإيران وحزب الله من جهة، في مقابل تركيا والسعودية وقطر وأميركا من جهة أخرى. المتقاتلون على الأرض معروفة انتماءاتهم، والداعمون خلف الستار وأمامه أحياناً، أيضاً معروفون، إلا أن هذه القاعدة كُسرت في الملف الكردي.
منذ أكثر من سبع سنوات، تسلّمت وحدات حماية الشعب الكردية إدارة عفرين، ومع إنشاء قوات سوريا الديمقراطية، لإعطاء غطاء عربي ولو بالشكل، باتت هذه المنطقة خاضعة لإدارة قسد، وبكل ما في الحلم الكردي من تفاصيل استقلالية القرار والمال والموازنة، أُديرت عفرين.
من معبر الزيارة الحدودي مع مناطق سيطرة الدولة السورية، تبدأ ملامح هذه الاستقلالية، أذونات دخول محددة بالتوقيت، فيما يشبه فيزا، يحتاجها أي “غريب” يزور المنطقة، لوحات سيارات خاصة بمنطقة عفرين، حواجز على الطرقات تتأكد أن الدخول شرعي، وإدارات ذاتية من جمارك وبلديات وشرطة مرور، ومراكز حزبية، الخ.. أنت الآن صرت في “روج آفا”.
وضع عفرين، كان مشابهاً تماماً لوضع الجزيرة السورية، هي أيضاً تدخل ضمن نطاق “روج آفا” الكردية. إدارة المنطقتين واحدةٌ من حيث الجهة والمنطق، إلا أن التحالفات في القسمين متناقضة كلياً، ففي الشرق تحالفٌ مع واشنطن، وفي الغرب تحالفٌ مع روسيا، بعيداً عن التنسيق المباشر مع الدولة السورية، لتأتي الحرب التركية وتحدث انقلاباً في المشهد. كسر الكرد الصورة النمطية للقتال في سوريا، فكيف لفصيل مدعوم أميركياً في الشرق أن يحالف الخصم الروسي غرب الفرات.
هذه التناقضات، هي في الأساس لبّ المشكلة، فالقيادة الكردية، وقعت ضحية تحالف الأضداد، فحلفها مع روسيا غرب الفرات منذ عام 2016، والذي أدى إلى سيطرتها على تل رفعت ومريمين وتل عجار ومن غودير جمال وعين دقنة وكفر انطون وقسطل جندو والزيارة، تناقض وحلفها مع واشنطن شرق الفرات منذ 2015، والذي أدى إلى السيطرة على الرقة وعين العرب وتل أبيض، وصولاً إلى محافظة الرقة كاملةً، ومع اشتداد الخلاف الروسي الأميركي، بات اللعب الكردي على التناقضات مستحيلاً، فالتنافس الأميركي الروسي لجذب تركيا وإرضائها ضمن اللعبة الدولية، ضيّع روج آفا بين المصالح الدولية، ما وأد الحلم الكردي في عفرين، ويهيئ لانهياره أيضاً في الجزيرة السورية.
هكذا ومع بدء عملية “غصن الزيتون” في عفرين، حيّدت قيادة قسد الحدود السورية التركية في منطقة شرق الفرات عن المعركة، أكثر من 380 كلم هي طول الحدود مع تركيا في منطقة الجزيرة السورية، وهي رغم جمر القتال في عفرين، هادئة معزولة عمّا يحدث في الغرب، فقسد نأت بتلك الحدود عن حرب عفرين واختارت بضغط أميركي تحييد معركة غرب الفرات عن شرقه.
في شباط/ فبراير الماضي، اندلعت اشتباكات حدودية بين قسد والجيش التركي في تل أبيض شمال الرقة، انتهى الاشتباك بتدخل أميركي منع تطوره، ليأتي التصرف الأميركي، ترجمة واضحة للخط الأحمر الأميركي، بمنع خلط الأوراق في تلك المنطقة، الحجة كانت أن قسد وُجدت لمحاربة داعش فقط، والمفارقة أن قسد نفسها تقاتل الجيش التركي في عفرين.
من هنا، انعكس تناقض التحالفات الكردية فصلاً للمسار والمصير، بين شقّي “روج آفا”، فإدارة عفرين الرازحة تحت القصف التركي والاجتياح البري، لم تجد حرجاً بالاستنجاد بالدولة السورية، التي كانت ترفض التنسيق معها سابقاً معتبرةً أن حلفها مع روسيا يغنيها عن ذلك.
الميادين
الحكومة السورية تعالت عن التفاصيل، وانطلاقاً من اعتبارها الخطوة التركية عدواناً، بدأت مشاورات بين قيادات كردية وجهات أمنية سورية، أفضت إلى إدخال مساعدات إنسانية وطبية إلى عفرين، بل تطوّر الأمر إلى دعم لوجستي عسكري، تمثّل بنقل مقاتلين كرد من الجزيرة السورية إلى عفرين. هذا التشاور والتنسيق، أفضى في نهاية المطاف إلى إدخال ما اصطلح على تسميته “قوات شعبية سورية” هدفها الدفاع عن المواطن السوري في عفرين بحسب التوصيف الدقيق للحكومة السورية، التي اختارته بعناية، وفيه من الرسائل ما يفيد أن الدولة حتى اللحظة ليست من تدير الحرب في عفرين.
هو نفس الخطأ الكردي إذاً، من كردستان العراق إلى “روج آفا”، فكما علّق رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني آماله على الأميركيين في منع الدولة العراقية من دخول كركوك، أخطأت قسد في سوريا بالمراهنة على الأميركيين شرقاً والروس غرباً لمنع تركيا من اجتياح عفرين، فكانت النتيجة في الطرفين العراقي والسوري، عودة خجولة للكرد إلى الدولتين السورية والعراقية، كآخر قشة تنقذ الغريق.