تعرف إلى قصص أخطر 5 جواسيس في التاريخ
مصطفى مصيلحي
ثارت حادثة تسمم العميل البريطاني سيرجي سكريبال (Sergei Skripal)، وابنته يوليا بواسطة غاز سام العديد من ردود الفعل الدولية بين بريطانيا وروسيا، تعتقد الحكومة البريطانية أن الفاعل في هذه الحادثة هي المخابرات الروسية؛ لأسباب تتعلق بعمالته لدى المخابرات البريطانية، وتسريب معلومات مهمة تمس الأمن القومي الروسي. سيرجي هو ضابط المخابرات الحربية الإنجليزي المتقاعد، يبلغ من العمر 66 عامًا، وهو في حالة خطرة بالمشفى الآن رفقة ابنته بعد أن تعرض الاثنين إلى استنشاق غاز سام. إلى جانب ردود الأفعال السياسية المتبادلة، أثارت هذه الحادثة الكثير من الأقلام للحديث عن تاريخ الجاسوسية المثير. وفي هذا التقرير، نذكر بعض القصص الخاصة بأهم جواسيس القرن الماضي.
ميليتا نوروود التي نقلت أسرار القنبلة الذرية للسوفييت.. الإخلاص للأفكار قبل الأوطان
ولدت ميليتا نوروود، عام 1912 لأب من لاتفيا وأم إنجليزية، وعملت في بداية فترة شبابها عندما كانت تبلغ 20 عامًا موظفة في المؤسسة البريطانية للبحث عن المعادن غير الحديدية في لندن، وانضمت ميليتا في ثلاثينيات القرن الماضي إلى الحزب الشيوعي الذي كان يعيش فترة من القوة، والقدرة الكبيرة على جذب الشباب وقتئذ.
في الفترة نفسها، وفي بقعة أخرى من العالم، كان الشيوعيون الروس يضعون خطةً لقلب طبيعة المجتمع الروسي رأسًا على عقب؛ فتمثلت الخطة في تحويل الاقتصاد الروسي من النظام الإقطاعي المعتمد على الزراعة بشكل رئيس في اقتصاد الدولة، إلى مجتمع صناعي حديث قادر على توليد ثورة صناعية حقيقية، وفي القلب من هذه الثورة الصناعية ستكون الثورة في القدرات القومية على إنتاج الأسلحة الثقيلة والمتطورة. كانت هناك ثغرة ذات أهمية قصوى غير متاح التغلب عليها بالأدوات المحلية، وهي الأبحاث المتعلقة بعلوم المعادن، وكانت ميليتا هي الحل الأمثل لهذه الثغرة على ما يبدو.
قام أندرو روثشتاين (Andrew Rothstein)، وهو أحد مؤسسي الحزب الشيوعي البريطاني بترشيح ميليتا لذلك الدور في عام 1935. وتحدث أندرو بشأن ميليتا إلى المسئولين في «المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية» (NKVD) التي كان يتم توصيفها على أنها مؤسسة تقوم بالأنشطة الخاصة بالشرطة والشرطة السرية الروسية قبل أن تصبح في ما بعد «لجنة أمن الدولة» الشهيرة في الاتحاد السوفيتي (KGB) ليتم تجنيدها فعليًّا، وتصبح بعد ذلك عميلة سرية في السجلات الرسمية عام 1937.
قدمت ميليتا، الشيوعية المخلصة، كل الدعم التقني للمشروع النووي للاتحاد السوفيتي، والذي ساهم في صناعة تطور جذري في خطة العلماء الروس لإنتاج القنبلة النووية للاتحاد السوفيتي. المشاكل التقنية التي تغلبت عليها ميليتا كانت هي العائق الرئيس أمام المشروع النووي السوفيتي، وذلك بحسب ما تضمنه كتاب صدر حديثًا لأحد أصدقائها، وتسببت هذه المساعدات في نجاح الاتحاد السوفيتي في صناعة أول قنبلة ذرية له قبل خمس سنوات من جدولها المتوقع.
كانت هناك أوقات أصبحت فيها ميليتا على وشك أن يتم كشف أمرها ويتم اعتقالها من قبل الاستخبارات الإنجليزية، فقد تم تداول اسمها عام 1938 بين الأسماء التي كانت مرتبطة بشبكة تجسس تعمل لصالح السوفييت في «ترسانة وولويتش» (Woolwich Arsenal)، واعتقل ثلاثة أعضاء في هذه الشبكة، لكنهم فشلوا في التعرف إلى العميل «Hola».
ظلت العميلة السرية «Hola» طي الكتمان طيلة أربعة عقود، حتى جاء التسريب الهائل الذي قام به المسؤول السابق عن الأرشيف للمخابرات الروسية عام 1992، وقد سلم الاستخبارات البريطانية كنزًا ضخمًا من الوثائق، وفي أحد الملفات الموجودة في هذا الكنز كان اسم «Hola» مكتوبًا بوضوح ليشي للجميع عن العميلة التي فشلت المخابرات البريطانية في الوصول إليها طيلة ذلك الوقت، إنها ميليتا نوروود.
فرجينيا هال.. قصة العميلة العرجاء
طارد البوليس السري النازي (Gestapo) فترات طويلة، عميلة سرية غير معروف هويتها، فقط يعلمون أن لديها إصابة في القدم جعلتها عرجاء، وكانت هذه هي المعلومة الرئيسة في كل محاولات الكشف عنها، فقد كانت سمة مهمة واضحة، جُنَد من أجلها العديد من العملاء المزدوجين، وهي: «إنها الأخطر من بين كل جواسيس الحلفاء، علينا إيجادها وتدميرها».
كان لدى البوليس النازي العديد من الأسماء الرمزية لهذه العميلة: «جيرمين»، و«كاميل»، و«ديان»، وأيضًا «نيكولاس»، في الحقيقة كانت كل هذه الأسماء لسيدة معقدة الذكاء والموهبة، يعرفها الأصدقاء والجيران في بالتيمور باسمها الحقيقي، فيرجينيا هال.
ولدت فرجينيا هال (Virginia Hall) عام 1906 لعائلة ثرية، وكان لديها شغف كبير باللغات وحس المغامرة، فدرست اللغات في كلية رادكليف وبرنارد (Barnard and Radcliffe)، وتقدمت لدراسة اللغات كذلك في أوروبا ليتم توظيفها في النهاية كاتبةً في السفارة الأمريكية في مدينة وارسو. تم تكليفها في عمر 27 سنة بمهمة دفعتها للذهاب إلى مدينة أزمير في تركيا؛ حيث تتعرض لحادثة أثناء الصيد كلفتها فقدان قدمها اليسرى في ما تحت الركبة، لتتعايش بعد ذلك مع قدم خشبية لم تعقها عن إتمام ما كان مقدرًا لها القيام به، لكن في الوقت نفسه، قضت هذه الحادثة على حلمها القديم بأن تلتحق بالسلك الدبلوماسي بصفتها موظفة خدمة أجنبية للولايات المتحدة.
بعد أن رُفضت في الوظيفة التي كانت تحلم بها، قدمت هال استقالتها من وزارة الخارجية الأمريكية عام 1939، لتلتحق فورًا بالعمليات التنفيذية الإنجليزية الخاصة (SOE). أثناء عودتها بالقطار من فرنسا عقب سقوط باريس في يد المعسكر النازي عام 1940، التقت هال، مصادفةً، بأحد المسؤولين في العمليات التنفيذية الإنجليزية الخاصة، فجنّدها لتصبح أول امرأة تعمل لدى المؤسسة الإنجليزية جاسوسة متخصصة في تشغيل وتحليل إشارات الراديو في فرنسا.
ظلت هال تعمل جاسوسة في ليون مدة عامين، كانت خلالها تعمل مراسلة صحافية لصحيفة «نيويورك بوست». خلال هذه الفترة، علمت هال بشأن مكتب الخدمات الاسترا تيجية (OSS) الذي أنشئ حديثًا، وكان السلف وقت الحرب العالمية الثانية لوكالة الاستخبارات الأمريكية بتكوينها الحالي؛ فانضمت للمكتب سريعًا، وكان ذلك سببًا في عودتها المحفوفة بالمخاطر إلى الأراضي الفرنسية.
خلال فترة عملها في فرنسا، تنكرت هال في هيئة بائعة لبن، وصبغت شعرها باللون الرمادي لتبدو أكبر سنًّا، كما ارتدت تنورة طويلة لتخفي إعاقة قدمها. نقلت هال الكثير من المعلومات الحيوية إلى لندن، منها تنسيق هبوط المظلات التي تحمل الإمدادات والأسلحة التي تم تسليمها لجماعات المقاومة، كما أخبرت القوات البريطانية بكل التحركات الألمانية على الأراضي الفرنسية، وقد ساعدتها التدريبات التي تلقتها على خداع أجهزة التنصت الألمانية؛ لتبقى رسائلها إلى لندن مشفرة.
قامت هال في تلك الفترة بالكثير من المهام النوعية، فقد سلّحت ودرّبت ثلاث كتائب للمقاومة الفرنسية لتقوم بمهمات تخريبية محددة ضد القوات النازية في فرنسا، وكانت قادرة على التنسيق طيلة الوقت مع المكتب في لندن، فمنحها ذلك الاستعداد الدائم لتنفيذ أي عمليات تُكلف بها في أي وقت، كذلك ساهمت في تهريب شخصيات مهمة لدى الحلفاء من الأراضي الفرنسية. في عام 1942، كان عليها الخروج من فرنسا عقب احتلال الألمان لما تبقى من الأراضي الفرنسية.
كان عليها الانتقال عبر جبال البرانس مشيًا على الأقدام، وصولًا إلى الأراضي الإسبانية، وهو الأمر شديد الصعوبة بالنسبة لسيدة تتحرك بقدم خشبية. نجحت هال في الوصول إلى إسبانيا، لكنها لم تكن تملك أي أوراق تثبت شخصيتها لدى السلطات الإسبانية؛ فتم التحفظ عليها في سجن «فيجيريس» مدة ستة أسابيع، حتى نجحت في تهريب رسالة إلى القنصل الأمريكي في إسبانيا عن طريق سجين تم تحريره مؤخرًا. حررتها من السجن السفارة الأمريكية، وأعطتها غطاءً جديدًا بوصفها مراسلة صحفية لجريدة «شيكاغو تايمز».
نجحت القوات الأمريكية في إخراج القوات الألمانية من مناطق عمل هال؛ فانتهت مهمتها التي أنهكت القوات النازية. لقد علم النازيون بوجود هال وبأنشطتها الكثيرة، وقد نشروا الإعلانات بأوصافها للوصول إليها، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل قبل انتهاء الصراع في مناطق عملها عام 1944. بعدما علم ببطولتها، أراد الرئيس هاري ترومان، إعطاءها «صليب الخدمة المتميزة» تتويجًا لجهودها، لكنها طلبت أن يسلمها الصليب الجنرال ويليام دونوفان، رئيس مكتب الخدمات الاستراتيجية وقت الحرب، وقد سلمها الصليب في مكتبه بحضور والدتها فقط.
ماتا هاري.. الجمال الأنثوي المدمر
أعدمتها القوات الفرنسية عام 1917 بداعي إفشاء أسرار فرنسية للأعداء أثناء الحرب العالمية الأولى، ووصفتها الحكومة الفرنسية وقتها بـ«أعظم جاسوسة في القرن»، والتي أرسلت 20 ألف جندي إلى حتفهم، إنها مارجريتا مكلويد، أو كما تعرف أكاديميًّا باسم ماتا هاري (Mata Hari)، وهي واحدة من أكثر الشخصيات التاريخية إثارة للجدل حتى بعد عقود من إعدامها المأسوي على يد القوات الفرنسية.
عُرف عن ماتا كثرة علاقاتها العاطفية مع جنود من جنسيات مختلفة أثناء الحرب العالمية الأولى، هذا السلوك الذي قادها إلى الاتهامات التي وجهت إليها، كان السبب الرئيس في جعلها المتهمة المثالية من قبل الحكومة الفرنسية أمام الشعب الفرنسي في ذلك الوقت، فقصتها مليئة بالإثارة، كما أنها سهلة التصديق. في العام الماضي، أصدر ناشر هولندي مجموعةً مهمة من مذكراتها التي أظهرت جانبًا ربما كان له عظيم الأثر في شخصيتها التي سيعرف عنها العالم كله في ما بعد. أظهرت المذكرات مأساة حقيقية عاشتها ماتا في شبابها، عندما انفصلت عن زوجها الذي كان يعتدي عليها، لتُترك مع طفلتها أمام حياة صعبة خالية من الدعم المالي، فكان عليها أن تصنع خيارها الخاص بحسب المذكرات: إما الفقر، وإما «طريق الهلاك».
ولدت ماتا لعائلة ثرية في هولندا عام 1876، وعندما بلغت عمر 13 عامًا كان والدها قد هجر والدتها وتزوج من امرأة أخرى، وبعد عام واحد توفيت والدتها لتترك ماتا في عالم صعب يجب عليها الخوض فيه وحيدة. عام 1902 انفصلت عن زوجها، وحصل زوجها على حق حضانة طفلتها الوحيدة. كانت ماتا مدمرة تمامًا في ذلك الوقت، فقررت أن تشق طريقها نحو باريس، وقدمت نفسها بصفتها راقصة مدربة على طرق الرقص الإيروتيكية. في ذلك الوقت، حصلت مارجريتا على اسمها الجديد ماتا، وأصبحت مارجريتا طي النسيان، فجذبت ماتا المعجبين بالآلاف في باريس، وانتقلت لتقدم استعراضاتها في فيينا ومدريد وباقي العواصم الأوروبية.
خلال فترة ترحالها، حصلت ماتا على رفقة العديد من رجال الطبقات الأرستقراطية في عواصم أوروبية مختلفة، لكن علاقاتها مع ساسة ومسؤولين في الجيش الألماني جلبت إليها الانتباه ليتم التحفظ عليها من قبل البوليس السري الفرنسي. ثم استجوابها، والتأكد من عدم تواصلها مع مسؤولين ألمان بشؤون قد تضر بالمصالح الفرنسية، وطلب منها أن تكمل جولاتها في العواصم الأوروبية على أن تستهدف شخصيات مرموقة من الساسة الألمان، وخصوصًا من رجال الجيش والبحرية الألمانية في مدريد، على أن تبلغ الاستخبارات الفرنسية بكل ما تحصل عليه من معلومات.
لأسباب لم يتم إعلانها، أصبح ولاء ماتا لفرنسا محل شك، فعادت إلى باريس 1917 ليتم القبض عليها مباشرة واتهامها بكونها جاسوسة لصالح ألمانيا، وتمت محاكمتها بالخيانة وحُكم عليها بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم في العام نفسه. ظلت الولاءات الحقيقية لماتا محل شك طيلة العقود التالية، لكن وثائق ألمانيا تم الكشف عنها عام 1970 أكدت أن ماتا كانت عميلة ألمانية تحت الاسم الرمزي «H-21» انضمت للاستخبارات الألمانية رسميًّا عام 1915.
جورج كوفال.. قصة «بطل الاتحاد الروسي» الأمريكي!
كانت الظروف المحيطة بجورج كوفال، لا تجلب إلا الطمأنينة لكونه مواطنًا أمريكيًّا مثاليًّا، الميلاد في مدينة أيوا، والجامعة في منهاتن، والكثير من الرفقاء في مدينته، وانضمامه إلى الجيش، وعلاقاته الكثيرة مع زملائه الذين مارس معهم رياضة البيسبول الشهيرة في الولايات المتحدة.
توفي كوفال في شقته بموسكو عام 2006، عن عمر يناهز 92 عامًا، مع قليل من الاهتمام بالحديث عن الرجل في الصحافة الأمريكية، رجل من المفترض أنه كان «الجاسوس الوحيد الذي اخترق مشروع مانهاتن» لصالح المخابرات السوفيتية أثناء الحرب العالمية الثانية.
نجح كوفال في اختراق أهم وأكثر المشروعات سرية ربما في تاريخ الولايات المتحدة، المشروع الذي حاولت الولايات المتحدة من خلاله استخدام البلوتونيوم واليورانيوم المخصب لصنع القنبلة النووية. هذا الفشل المريع من قبل الاستخبارات الأمريكية تسبب في حرج كبير للأمة الأمريكية بسبب قضية جاسوس كانت تعلم بشأنه الاستخبارات الأمريكية منذ 60 عامًا؛ وتسبب في الحرج هذا الإعلان الدرامي الذي أقامه الرئيس الروسي ليعلن إحدى محطات انتصار بلاده على جهاز المخابرات الأكثر شهرة في العالم.
في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007، قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفاجأة المؤرخين في البلدين عندما أعلن تقليده لاسم جورج كوفال عقب وفاته بعشرة أيام، لقب بطل الاتحاد الروسي، وهو أعلى جائزة روسية، على خلفية إسهاماته الكبيرة لصالح الاتحاد السوفيتي. وجاء إعلان شخصية كوفال الحقيقية مصحوبًا ببعض التفاصيل التي زود بها الاستخبارات السوفيتية، واصفًا إسهاماته بأنها: «ساعدت في الإسراع في الوقت اللازم للاتحاد السوفيتي لتطوير قنبلة ذرية محلية».
بدأت الصحافة الأمريكية منذ ذلك الوقت في الحديث عن حياة كوفال، وسؤال أصدقائه ومعارفه عن السمات الشخصية التي يمكن أن تساهم في فهم شخصيته الفريدة. في الوقت نفسه، أعلنت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن مكتب الاستخبارات وقت الحرب كان على علم بخيانة كوفال وتجسسه لصالح الاتحاد السوفيتي منذ بداية الخمسينات، عندما كانت الاستخبارات الأمريكية تشك في أمره، وقامت بالفعل باستجواب زملائه والعديد من الأشخاص الذين كان على علاقة مباشرة وقريبة بهم.
على الرغم من وجود الأدلة التي كانت ستساعد الاستخبارات الأمريكية في الكشف عن كوفال في الوقت المناسب، مثل حقيقة سفره إلى موسكو والعودة إلى الولايات المتحدة، إلا أن شخصيته الاجتماعية وعلاقاته الجيدة مع رفاقه وزملائه في العمل كانت غطاءً كافيًا لبقائه متخفيًا لوقت كافٍ حتى تمكن من الخروج من الولايات المتحدة بأمان.
أوليج جورديفسكي.. رجل الخيارات الصعبة
في ثمانينيات القرن الماضي، كان أوليج جورديفسكي الجاسوس المقيم للمخابرات البريطانية داخل أروقة لجنة أمن الدولة للاتحاد السوفيتي. كان أوليج أحد الضباط الكبار داخل لجنة أمن الدولة، وهو الأمر الذي منحه صلاحيات مفتوحة للوصول إلى معلومات خطيرة عن الاستخبارات الروسية، وظلت الاستخبارات الروسية على غير دراية بما يقوم به أوليج لفترة قاربت 11 عامًا.
بعد سنوات قضاها بين أروقة لجنة أمن الدولة للاتحاد السوفيتي، تلقى أوليج خطابًا من الاستخبارات الروسية يحمل خبر ترقيته نظرًا إلى مجهوداته الكبيرة داخل اللجنة، ولكي يحصل على ترقيته، لا بد أن يحضر فورًا إلى موسكو من لندن. شعر أوليج بأن شيئًا ما ليس على ما يرام، يقول أوليج: «بدأ الخوف يتسلل إلى جسدي؛ لأنني علمت أن هذه الترقية هي حكم بالموت». كان أوليج يعلم بحكم عمله في اللجنة أن هناك الكثير من العملاء المزدوجين الذين يحتمل أن يكون أحدهم قد كشف هويته الحقيقية، في هذه الحالة ستكون عودته إلى موسكو هي حكم نهائي بالموت.
كان عليه أن يصنع خياره الخاص، هذا الخيار ربما يتكفل بمقتله؛ إذ كان عليه أن يختار رفض الترقية، وبالتالي تدمير مستقبله الوظيفي لأن المخابرات البريطانية لم تكن مقتنعة بأنه تم كشف أمره، وإن وافق وعاد إلى موسكو فربما يُقتل. ساعده المسؤولون عنه في الاستخبارات البريطانية على اتخاذ القرار، الذي كان في النهاية هو الموافقة على الترقية والذهاب إلى موسكو لملاقاة اثنين من أهم الشخصيات داخل لجنة أمن الدولة السوفيتية، على أنه لا يوجد أي دليل قوي على أن المخابرات السوفيتية قد كشفت أمره.
زودته الاستخبارات البريطانية بخطة للهروب حال اكتشافه لأي دلائل على أن أمره قد كُشف، وذهب أوليج بالفعل وقرر أن يتخذ القرار الأصعب. بعد وصوله إلى موسكو، استجوبه أحد الضباط في الاستخبارات السوفيتية لأربع ساعات متواصلة بعد أن جعله يتناول مشروب «كونياك» حتى الثمالة. بطريقة ما، نجح أوليج في الخروج من هذا الاستجواب متماسكًا دون أن يشي بأي من المعلومات التي يمكن أن تذهب به إلى المحاكمة.
في نهاية اليوم، ذهب أوليج إلى شقته يملؤه الرعب مما حدث، وأدرك حينها أن هناك من يشكون في هويته الحقيقية؛ فقرر استخدام خطة الهروب التي وفرتها له الاستخبارات البريطانية. كانت خطته للهروب مطبوعة داخل سونيتة لشكسبير، كان عليه أن ينقعها في الماء لكي تظهر تفاصيلها. كانت الخطة أن يقابل أوليج اثنين من عملاء الاستخبارات البريطانية على طريق قرب فنلندا، ومن هناك يتم نقله داخل شاحنة إلى الأراضي البريطانية.
ساسة
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73