نارام سرجون:بعد هزيمة حروب الجيل الرابع في سورية .. اطلاق حروب الجيل الخامس (الاستبقار)
نارام سرجون
اذا مات السلاح ماتت الأمم والأزمنة والحروب التي نهضت مستندة عليه .. وكلما انتهت حرب انتهى سلاحها ومات معها وانتظر التاريخ ميلاد سلاح جديد يحمل معه أمما أخرى وحروبا من نوع جديد ..
وعلينا لذلك ألا ننظر الى الحرب السورية العظمى على أنها مجرد مؤامرة دولية بل يجب النظر اليها على أنها ذروة عصر حروب الجيل الرابع التي وصلت الى نهايتها اليوم وانتهت باعلان نهاية هذا العصر الذي اعتمده الغرب سلاحا فعالا وفتاكا ضد الأمم منذ السبعينات .. بدأته أميريكا بمعارك أفغانستان ونقلته فرنسا الى الجزائر فيما عرف بالعشرية السوداء .. حيث يتحول السكان المحليون الى ثوار في الشوارع والى جيش يتطوع ليقاتل الجيوش الوطنية التي تعادي أميريكا او لاتوافق مشاريعها .. والتي تريد اميريكا ان تسفك دمها دون ان تغامر بجنودها وسلاحها .. وتبين أن الحرب في سورية قد كسرت سلاح أميريكا الرهيب وحطمت أسطورة حروب الجيل الرابع مفخرة الصناعات العسكرية الاميريكية التي فتحت لأميريكا عشرات البلدان وأعطتها انتصارات مذهلة بلا خسائر .. وهذا السلاح لم يمتلكه أحد من قبل في التاريخ .. سلاح يقتل عدوك .. دون أن تقاتله .. فهذا النوع من الحروب هو الذي اعتمد في اميريكا الوسطى وفي افريقيا والعالم الاسلامي ..
الربيع العربي كان نسخة مطورة عن حروب الجيل الرابع حيث تقوم التنظيمات الارهابية بعملها القذر الذي تتم تغطيته بأغلفة لماعة كأغلفة أنيقة للمتفجرات تصنعها وزارة الخارجية الاميريكية وتسميها “معارضة مدنية” مهمتها تغطية العنف والوحشية التي تمارسها التنظيمات المتوحشة .. فالتنظيمات الارهابية المحمولة عبر الحدود تشبه قوات مظلات تسقطها الطائرات خلف خطوط العدو وتتصرف المعارضات المصنعة في وزارة الخارجية الأميريكية كالقنابل الدخانية التي تحجب الرؤية عما يحدث خلفها من فظائع .. هذا السلاح المزدوج تعرض لضربة قصمت ظهره في الحرب السورية .. اذ قصم ظهر الجناح المسلح للقوى الارهابية المسلحة التي نقلتها أميريكا الى الاقليم .. وكشفت الحرب أن أعضاء المعارضات العربية ماهم الا موظفون مساكين ينتظرون رواتبهم وعلاواتهم وتقاعدهم من وزارة الخارجية الاميريكية .. وبذلك فان نهاية عصر حروب الجيل الرابع بنسختيه القديمة والمطورة أعلن على غير توقع وانتظار .. بسبب هجوم معاكس شنه محور المقاومة على السلاح الجهادي الاميريكي الذي تم تدميره بالسلاح الروسي والجيش السوري وحلفائه .. وهذا التعاون بين القوى الثلاثة كان عقارا جديدا وترياقا لمواجهة السلاح الاميريكي من نوع الجيل الرابع .. حيث تنخرط مجموعة قوى منسجمة في توزيع الأدوار لتفكيك السلاح الاميريكي .. بدل أن تنفرد دولة واحدة بالمواجهة ..
موت السلاح أو انكساره يخيف الامبراطوريات التي تعتمد عليه ولذلك فانها تسعى بسرعة الى البحث عن أسلحة جديدة فتاكة .. ومن هنا نستطيع أن نفهم سبب الاقتراح الاميريكي باحلال قوات عربية واسلامية في الشرق السوري .. انه أول اعتراف أن زمن حروب الجيل الرابع انتهى .. بوصول حروب الجيل الخامس .. وهو نسخة مشابهة للجيل الرابع ولكن بدل المنظمات الارهابية يتم تقليد التكتيك الروسي الذي نجح في سورية .. فالروس قدموا الغطاء الجوي والسوريون وحلفاؤهم تقدموا على الارض ..وتبحث اميريكا اليوم عن نفس الشراكة ولكن غياب الجيوش الوطنية يدفعها لاستئجار جيوش وتحويلها الى جيوش من المرتزقة ودعمها جويا ..
بعد تردد وعناد في كواليس البنتاغون والمخابرات وصلت أميريكا الى نتيجة واضحة وهي أن اللجوء الى قوى محلية فوضوية عنيفة تقود الفوضى الخلاقة لتنوب عنها في قتال الجيوش المعادية تلقى ضربة قاصمة .. فانتهى المد الجهادي الاسلامي .. كما أن القوى الكردية التي تبرعت للقيام بنفس الدور لحمل بقية حروب الجيل الرابع وباشرت عملية التطوع تآكلت وتعرضت لهزيمة غير متوقعة كما أنها اصطدمت بالحليف التركي .. مما جعل الحرب باستعمال السلاح الكردي غير مأمونة النتائج ..
ولذلك تم انتاج سلاح جديد على وجه السرعة سيكون سلاح حروب الجيل الخامس .. وهو استبقار الجيوش الحليفة وتحويلها الى قطعان بقر تنحر على الجبهات .. وهذه أول مرة يتم فيها استئجار جيوش بالكامل ونقلها كما قطعان البقر لتقاتل لصالح دولة أخرى .. وهي عملية خارج نطاق عمليات الاستئجار التي تنفذ عبر توكيل (الأمم المتحدة) كما يحدث مع الجيش الأردني الذي يشارك في كل عمليات قوات الأمم المتحدة التي تعمل كقوات حفظ سلام وهي في الحقيقة قوات تنوب عن الجيش الأميريكي والناتو الي يتركها في نقاط الحراسة ..
فقد طلب ترامب أن تنسحب قواته من البر السوري على أن تحل محلها قوى عربية واسلامية .. وهي عملية استبدال لداعش بقوى منظمة دولية لايمكن تغطيتها بقرار أمم متحدة – بسبب حتمية الفيتو الروسي – بل بقرارات الجامعة العربية .. بحيث أن عملية تحرير الجزء الشرقي السوري من قبل الجيش السوري يستدعي طرد القوى العربية من ارض عربية كي تعيد الصراع الى صراع قبائل عربية ويتحول الصراع من مذهبي الى صراع قبلي .. ويدير الامريكان الصراع من الخلف دون أن يكونوا في المواجهة .. وهنا يمكن لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ان تشكل الغطاء الدخاني وتحل محل المعارضة المحلية التي انتهى دورها ..
لكل رئيس أميريكي وسائله وحروبه ونظرياته .. وكما أطلق اوباما مشروعه الاسلامي الاخواني من استانبول والقاهرة كشكل متفدم من أشكال حروب الجيل الرابع .. فان ملامح حروب ترامب ونظرياته ظهرت منذ أن عبر عن رغبته في نحر الأبقار بعد حلبها .. وهاهو اليوم يسعى الى التضحية بالقرابين العربية أثناء الانسحاب بالجسم الأميريكي والنجاة من الصراعات واختبار نموذج صراع جديد يعنمد على نحر البقر .. ترامب بحدسه ومعطيات الصراع صار يدرك أن الدولة السورية ستتفرغ قريبا للتعامل مع قواته المحتلة بعد أن اقتربت كثيرا من انهاء معظم البؤر الارهابية .. وهو أذكى من أن يبقى يواجه هذه المحنة مع دولة خبيرة باصطياد الغرباء تواقة لتثأر منه .. وهو يستعد لذلك ويحزم حقائبه .. ولكنه يطرح في المعركة نظريته الجديدة وسلاحه الجديد .. وهو مرحلة الجيل الخامس من الحروب .. جيل الجيوش المستأجرة .. أو المستعبدة .. أو المستبقرة ..
قدرنا هو أن نصنع أقدار التاريخ .. وأقدار الحروب عندما تنزل في أرضنا .. ومايهمنا هو ان نظريات الحروب تتكسر على هذه الارض .. وأسلحتها تتكسر معها .. والجيل الجديد من الحروب سيدخل حقل الموت السوري .. راعي البقر سيهرب من المجزرة التي تنتظره .. وسيحاول أن يترك الأبقار والمباقر لمصيرها ومقابرها .. واذا مافعلها ترامب فاننا نكون قد انتقلنا اليوم من صيد الثعالب والأرانب الى صيد الأبقار .. وجيوش الاستبقار .. والاستقبار ..
Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73