يعالون وبولتون وحساباتهما الواهمة في سورية والعراق
تحسين الحلبي
كانت الدولة الاستعمارية في الماضي هي التي تتولى بقواتها الكبيرة احتلال أراضي دولة أخرى وتقسيمها إلى دويلات وكيانات لكننا بدأنا نشهد في هذه المرحلة التاريخية للألفية الثالثة تجربة استعمارية جديدة تقوم من خلال الدولة الاستعمارية بإرسال عدة آلاف من جنودها كقوة احتلال متقدمة منتهكة ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ثم تطلب من دول تابعة لها في المنطقة الإقليمية نفسها إرسال قواتها لتنفيذ خطة التقسيم لمصلحة الدولة الاستعمارية. وهذا ما تقوم به الولايات المتحدة في الوقت الراهن في الأراضي السورية حين تطلب من عدة دول عربية إرسال قواتها لتحل محل الوحدات الأميركية في شمالي شرقي سورية «بحجة» واهية تزعم فيها العمل على إعادة الاستقرار ومجابهة ما تطلق عليه «النفوذ الإيراني» في تلك المنطقة! على غرار ما قامت به السعودية والدول المتحالفة معها في إرسال القوات لمحاربة اليمن بهدف فرض تقسيمه بقوة الاحتلال.
ومع ذلك، الكل يرى أن القوات التركية هي التي قامت بغزو الأراضي السورية واحتلال عفرين ونشر وحداتها داخل حدود الأراضي السورية فهل ستقوم السعودية ومن يتشارك معها بإرسال القوات من الدول العربية بإخراج القوات التركية أم إنها ستنضم إليها في خطة التقسيم الأميركية الإسرائيلية؟
إن خطط التقسيم والتفتيت التي تريد واشنطن من أتباعها ووكلائها في المنطقة تنفيذها، غالباً ما نلاحظها في مختلف التصريحات الرسمية الإسرائيلية بشكل خاص وفي الأميركية بشكل عام، ففي 16 شباط 2016 استشهد موقع مجلة «دان سانشيز» الإلكترونية بتقرير نشرته صحيفة «ديلي ميل» البريطانية الشهيرة بما قاله لها وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون في ذلك الوقت: «كجزء من إستراتيجيتنا يجب علينا أن نتجنب الماضي وأن نتجنب القول إننا نريد وحدة الأراضي السورية فنحن نعرف كيف نصنع بيضة مخفوقة (عجة) لكنني لا أعرف كيف يمكن أن نصنع من خليط مخفوق على شكل عجة بيضة»؟
وأضاف بلغة مباشرة: «يجب أن ندرك أننا سنشهد خلق جيوب وكانتونات تقاتل بعضها أو تتعاون مع بعضها على شكل كانتونات»، ووصف مدير عام وزارة المخابرات الإسرائيلية، رام بن باراك، التقسيم بأنه «الحل الوحيد المطلوب»، وسلط الاثنان في عام 2016 اهتمامهما على أولوية تقسيم العراق وسورية.
يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسعى إلى إدارة حروب عربية عربية، وعربية داخلية عن طريق جيوش الدول التابعة لها على كل من يقاوم هذا المخطط دون أن تورط قواتها مباشرة في هذه الحروب، فهي تحتفظ بموجب ما نشره موقع «أي بي سي نيوز» الأميركي عن «دائرة القوة البشرية الأميركية في البنتاغون» بـ3500 جندي في العراق بينما يؤكد موقع «أي بي سي نيوز» أن العدد هو 9000، أما في سورية فالرقم الرسمي هو 503 على حين إنه 1720 أو أكثر.
فهذه الوحدات الأميركية ستشكل القيادة العليا الموجهة والآمرة لأي قوات عربية تقبل حكوماتها بنشرها في شمالي سورية وشمالي العراق بموجب خطة جون بولتون التي أعلن عنها في تشرين الثاني 2015 قبل استلامه مهمة «مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي ودعا فيها إلى «تشكيل دولة إسلامية سنية تمتد من شمالي شرقي سورية إلى غربي العراق بعد انتهاء وجود داعش في تلك المناطق»، وأضاف بموجب ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في 24 تشرين الثاني 2015: إن «عودة سورية والعراق موحدتين كما كانتا لن يخدم المصلحة الأميركية بل الروسية والإيرانية ولذلك يجب تفتيت الدولتين» وهي دعوة يعالون، وزير الدفاع الإسرائيلي نفسه في شباط 2016 إلى عدم «عودة سورية إلى الماضي» أي إلى ما كانت عليه قبل الحرب عليها في آذار 2011.
إن الحسابات الإسرائيلية الأميركية لن تكون سوى أوهام أمام الحقائق على الأرض السورية والعراقية، فمن هزم مئات الآلاف من أخطر الإرهابيين في العالم ودمر كل أسلحتهم فسيكون في مقدوره من دون أدنى شك إحباط أي خطة تستهدف سورية والعراق من قوات عربية يوجهها مخطط أميركي، وسيظل هذا المخطط في أغلب الاحتمالات «زوبعة في فنجان» لأن من تلق الهزيمة في اليمن لن يلقى سوى هزيمة أسرع في سورية والعراق وهذا ما يثبته ميزان القوى القائم في سورية والعراق والممتدة حتى إيران وروسيا الاتحادية، والزمن لا يعمل إلا لمصلحة المؤمنين بقوة هذه الأمة من أجل حماية استقلالها وسيادتها، ولن تجد واشنطن من سيخدم خطتها هذه.
الوطن