هل يقترن التملص الأمريكي من الاتفاق النووي بنشوب الحرب؟
إيهاب شوقي
ثلاثة مشاهد ترجح كفة التملص الأمريكي من الاتفاق النووي مع ايران، ومن بين ظلال المشاهد تتضح معادن الدول واخلاقياتها ومدى الرهانات المعقودة عليها سياسيا عند وضع الحسابات والتوازنات.
لكن قبل استعراض هذه المشاهد الثلاثة، ينبغي القول أن التملص من الاتفاق النووي مفصول عن نشوب حرب جديدة، وليس شرطا اقتران هذا بذاك.
صحيح، أن احتمالات الحرب والعدوان قائمة، وصحيح أن تراجع ترامب واحترام الاتفاق ممكن، إلا ان جميع الاحتمالات مفتوحة والأمكر بحاجة إلى مزيد من الرصد ومحاولة التحليل.
هذه المشاهد كانت كما يلي:
1. أعربت دولة قطر عن تضامنها العميق والكامل مع المملكة المغربية في “المحافظة على سلامة ووحدة أراضيها في وجه أية محاولات تستهدف تقويض هذه الوحدة، أو تستهدف أمنها وسلامة مواطنيها”.
وهو مشهد موجه كما نعلم ضد ايران وحزب الله بعد الاتهامات المغربية المزعومة.
2. مطالبة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بأن تسوي دول الخليج خلافاتهم، وخروج تحليل لفورين بوليسي مفاده، أنه لا معنى لها في هذا التوقيت الا الارتباط بخلفية 12 أيار/ مايو، وهو التاريخ الذي يحتاج فيه الرئيس إما إلى التنازل عن العقوبات على إيران أو إعادة تطبيقها، وهو ما يعني سحب الولايات المتحدة من الاتفاق الإيراني.
وهو ما يعطي وجاهة للتحليل القائل بأن إدارة ترامب أدركت أن علاقتها مع إيران قد وصلت إلى ذروتها، وترغب في وجود مجلس تعاون خليجي موحد إلى جانبها. من شبه المؤكد أن تغيير نغمة ترامب تجاه قطر يعني أنه اتخذ قراره بإفشال الاتفاق النووي الإيراني في الأسابيع المقبلة.
3. في يوم السبت، الخامس من أيار/ مايو، كشفت صحيفة بوسطن جلوب عن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري بأنه يقوم بحفر الاتصالات القديمة ويصطف معها لمواجهة رفض الرئيس دونالد ترامب للاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، وقد جلس كيري مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وفريدريكا موغيري من الاتحاد الأوروبي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما اجتمع كيري مرتين مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في نيويورك “لوضع استراتيجية” لإنقاذ صفقة قضوها سنوات في التفاوض خلال إدارة أوباما والتأكد من عدم الموافقة على “إصلاحات”.وفقا للصحيفة.
هذه المشاهد تقول أن أمريكا عازمة على ما يبدو على الخروج من الاتفاق ويعزز ذلك مؤتمرات ترامب الصحفية ولقاءه مع ماكرون، والمشهد الهزلي لنتنياهو وهو يستعرض الوثائق المزعومة، ويبدو أيضا أن هناك تحضير لاصطفاف خليجي مع أمريكا للضغط على أوربا التي تريد المضي قدما في الاتفاق وافشال محاولات دبلوماسية مثل التي يقودها كيري وغيره للتعقل وعدم جر المنطقة والعالم للتصعيد.
هل يعني ذلك اقتران افشال الاتفاق بنشوب حرب؟
في الحقيقة لا يوجد اقتران لأن الفوضى وحالة التصعيد وحافة الهاوية هي مطلب أمريكي صهيوني يحقق أهداف المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وإن كانت احتمالات الحرب قائمة لقطع الطريق على تشكل أوضاع لن يحتملها العدو الصهيوني!
ولمحاولة تفسير المشهد بشكل أوضح ينبغي إلقاء الضوء على بعض القضايا والحقائق:
منذ عام 1948، أعطت الولايات المتحدة كيان العدو الإسرائيلي 128 مليار دولار كمساعدات عسكرية، وفي عام 2016، منحت إدارة أوباما 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي يجب أن تغطي الفترة 2019-2028.
هذه الكمية من المساعدات العسكرية غير مسبوقة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ماهية الأهداف لقيام الولايات المتحدة بتسليحها لتقوية أسنان “إسرائيل”؟
يتساءل باحث أمريكي هذا السؤال ويحاول الإجابة عليه بالقول: حسنًا، قد ينظر المرء إلى عدة عوامل، أولها أن “إسرائيل” جغرافيًا هي الحليف المثالي للولايات المتحدة الأمريكية لإطعام المجمع الصناعي العسكري الأمريكي من خلال خلق عدم الاستقرار الإقليمي.
التقارير تفيد بأن تحالف الوحدة الوطنية لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، يجمع 200 منظمة صهيونية يهودية ومسيحية مختلفة ويعلن امتلاكه لقاعدة دعم تضم 40 مليون عضو.
المجمع الصناعي العسكري اليوم يختلف وفقا لأدق التحليلات، عن السابق في كونه يتعامل مع الحرب كعمل تجاري شخصي لنخبة حاكمة لا كعمل اقتصادي لدولة عظمى، وكما يرصد حسين زاده في كتابه الاقتصاد السياسي للنزعة العسكرية الأمريكية، فإن “هدف النخبة الحاكمة المتمثل في وجود مؤسسة عسكرية كبيرة ليس توسيع ثروة البلاد، بل الحصول على حصة الأسد من الثروة الموجودة للمؤسسة العسكرية” .
بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية الحرب الباردة، تشكلت أوضاع استقرت معها السياسة الخارجية الأمريكية لأكثر من أربعين سنة، ومع انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي، رصد المراقبون ظهور فراغ في المبادئ التنظيمية للحكومة الأمريكية.
لكن المجمع الصناعي العسكري كان متشبسا بمكتسباته وقابل دعاوى تقليص الميزانية العسكرية برفض شرس.
ووفقا لمراقبين أمريكيين، فإنه كان من الصعب القبول بتقليص النفقات العامة غير العسكرية في الوقت الذي يتم فيه الحفاظ على مؤسسة عسكرية مكلفة دون إيجاد عدو بعد فقدان التهديد السوفييتي.
استمرت أمريكا في خلق التهديدات المزعومة مبالغة بها تارة، كما حدث مع الإرهاب، ومعتدية تارات أخرى كما حدث بالمنطقة ويحدث حاليا مع ايران.
الذراع الأمريكي الرئيسي لخدمة المجمع الصناعي العسكري هو العدو الصهيوني، وشركات السلاح الأمريكية هي أكبر مدافع عن الكيان وأكبر مروج له.
تقول الاحصائيات، أن كل واحدة من أكبر خمس شركات أسلحة أمريكية تنفق ما بين ثلاثة وخمسة أضعاف ما ينفقه اللوبي الصهيوني “ايباك” على ممارسة الضغط في الولايات المتحدة لدعم الكيان الإسرائيلي.
وأكثر من 79 مليون دولار أنفقت من قبل صناعة الأسلحة في عام 2014 مقابل 3 ملايين دولار أنفقها اللوبي الصهيوني.
وفي رصد مثير للإعجاب وكاشف للكاتب ستيفن زونز، حاول تتبع نمط المساعدات الأمريكية للكيان الاسرائيلي، ليستكشف العلاقة ووجد ما يلي:
• ” بعد فوز إسرائيل في معركة عام 1967، عندما أظهرت تفوقها العسكري في المنطقة، ارتفعت المساعدات الأمريكية بنسبة 450٪. ويبدو أن جزءاً من هذه الزيادة، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، كان مرتبطاً على ما يبدو برغبة إسرائيل في تزويد الولايات المتحدة بأمثلة عن أسلحة سوفيتية جديدة تم الاستيلاء عليها خلال الحرب.
• وفي أعقاب الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1970 و 1971 في الأردن، عندما أصبحت قدرة إسرائيل على كبح الحركات الثورية خارج حدودها واضحة، ازدادت المعونة الأمريكية سبع مرات أخرى.
• مع إظهار إسرائيل قوتها لهزيمة القوات المدعومة من السوفيات بشكل مدهش، زادت المساعدات العسكرية بنسبة 800٪ أخرى.
• تضاعفت المساعدات مرة أخرى في عام 1979 بعد سقوط الشاه مباشرة، وانتخاب حكومة الليكود اليمينية، والتصديق على معاهدة كامب ديفيد.
• وزادت المساعدات مرة أخرى بعد فترة وجيزة من الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
• في عامي 1983 و 1984، عندما وقّعت الولايات المتحدة وإسرائيل مذكرات تفاهم حول التعاون الاستراتيجي والتخطيط العسكري وأجرتا التدريبات العسكرية والبحرية المشتركة الأولى، تمت مكافأة إسرائيل بمبلغ 1.5 مليار دولار إضافي من المساعدات الاقتصادية. كما تلقت نصف مليون دولار أخرى لتطوير طائرة مقاتلة جديدة.
• أثناء حرب الخليج وبعدها مباشرة، زادت المعونة الأمريكية 650 مليون دولار إضافية.
• عندما زادت إسرائيل بشكل كبير من قمعها في الأراضي المحتلة – بما في ذلك التوغلات في الأراضي الفلسطينية المستقلة المنصوص عليها في معاهدات مضمونة من قبل الحكومة الأمريكية – زادت المعونة الأمريكية أكثر. ”
وخلص ستيفن إلى أن العلاقة واضحة: “فكلما كانت “إسرائيل” أقوى وأكثر استعداداً للتعاون مع المصالح الأمريكية، كلما كان الدعم أقوى. ”
ماسبق يفسر لنا كيف يغامر الكيان الإسرائيلي بضربات غير محسوبة لإثبات قوة مزعومة تعتمد على خوف وعمالة أطراف عربية واستغلالا لتعقل أطراف إقليمية ودولية خشية الانجرار لحرب إقليمية أو ربما عالمية أو رفضا لتوقيت وظروف يحددها الكيان، وذلك بهدف حصول الكيان على دعم أكبر من أمريكا.
كما يفسر التصعيد والفوضى التي ينشرها العدو الاسرائيلي لتنشيط مبيعات السلاح.
نتنياهو المأزوم اقتصاديا والفاشل في توفير تنمية اقتصادية داخلية يعيش على تخويف المغتصبين الاسرائيليين في شعبه للحصول على دعم أمريكي يذهب عائده في النهاية للمجمع الصناعي العسكري الامريكي.
أي أن هناك عصابة مكونة من شركات السلاح الأمريكية الكبرى و”اسرائيل” تبتز دافع الضرائب الأمريكي لخلق مقررات مالية لدعم دولة الكيان، لتدور دورتها وتعود للصناعات العسكرية، وهو تحايل كبير على الميزانية الأمريكية، يفسر الدعم اللا متناهي للعدو، وبالطبع لا يستطيع الكونجرس المستفيد من هذه الدورة وقف هذه العملية الإجرامية!
هذا إضافة إلى الإسهام الصهيوني في هذا المجمع الصناعي العسكري والخدمات التي ذكرها رئيس مجلس المشاريع الخاصة في مركز آرييل لأبحاث السياسة، يورام إيتينغر، عندما قال أن العلاقة بين” إسرائيل والولايات المتحدة” لم تكن يومًا أحادية. فإسرائيل توفر الكثير من الخدمات الهامة.
ما ركز عليه إيتينغر بشكل رئيسي هو مساهمة “إسرائيل” في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، خصوصا فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات، وتكنولوجيا الروبوتات.
وتابع قائلا: “إن انتفاع “اسرائيل” بالسلاح الأمريكي يضمن وجودنا، لكنه في الوقت ذاته يمنح الجيش الأمريكي ميزة تنافسية مقارنة بالصناعات الأوروبية، في الوقت الذي سيعني فيه أيضا زيادة الانتاج العسكري الأمريكي، وتوفير وظائف للأمريكيين وتحسين الأمن القومي الأمريكي. فاليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال فضلتا طائرة Hawkeye هوك آي (عين الصقر) الجاسوسية و هيلوكبتر الـ MD-500 وكلاهُما طُلبتا وحُسِّنتا في اسرائيل،على طائرات مقاتلة فرنسية وبريطانية”.
تطمح السعودية في مكانة مشابهة للكيان الصهيوني بدعمها للمجمع الصناعي العسكري، ولكنها تفتقد الكفاءة للحفاظ على مصالح أمريكا، وتفتقد الإسهام التكنولوجي، ولهذا لا صفة لها أمريكيا سوى اللقب الذي منحها اياه ترامب عندما قال “البقرة الحلوب”!
العهد