الرؤية المصرية للأزمة في سوريا
محمود شومان
كان الغرب والولايات المتحدة بوجهة الخصوص يعوّلان علي القوّة العسكرية للجيش المصري لتكون القوام الرئيسي للقوات العربية المشتركة التى خطّطت واشنطن للدفع بها فى سوريا ، بعد أن أعلنت نيّتها سحب قواتها من الشمال السوري والتى تقدّر تقريباً بنحو ألفي عسكري بلا مهمات قتالية والتأييد الخليجي لهذا المُقترح وإن كان بشكلٍ علني من الجانب السعودي فقط.. القوة العسكرية للجيش المصري والتى تتفوّق على أغلب الأطراف المتواجدة على الساحة السورية لاسيما تركيا وإيران وإسرائيل ألمحت للغرب بضرورة تواجد مصري عسكري هناك مع عدم التعويل على القوة العربية من دون مصر.
لمصر حسابات خاصة على الساحة السورية مُغايرة تماماً لكافة الأطراف الأخرى:
رؤية القاهرة واضحة أن النظام السوري وبشّار الأسد هما القوى الشرعية الوحيدة والتى من المفترض أن تكون كذلك داخل سوريا ، حتى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي انتقل إلى دعم الجيش السوري علانية في الحرب الأهلية في البلاد، مخاطراً بتفاقم العلاقات مع أكثر من طرفٍ دولي وفي مقابلة بثّتها محطة RTP البرتغالية حول السيسي وموقف مصر من الدعم غير الرسمي لنظام الأسد إلى الدعم العلني الرسمي ما أدّى في الواقع إلى تقديم دفعة إضافية لدمشق.
لاتُحبّذ مصر دعم الجماعات المسلّحة المُناهضة لحكومة الأسد فى سوريا وهو ما لا توافقه المملكة العربية السعودية الحليفة الرئيسية لمصر ، والداعِم الرئيسي للمتمرّدين المعارضين لنظام الرئيس بشّار الأسد ومؤيّد المتمردين ، خاصة وأن الرياض هي الدعامة الأساسية لاقتصاد القاهرة المُتعثّر حيث ضخّت نحو 25 مليار دولار من المساعدات المالية إلى مصر منذ توليّ السيسي السلطة في انقلابٍ عسكري أو ثورة شعبية في عام 2013.
وفي المقابل لا يروق للإدارة المصرية التواجد العسكري للقوى الشيعية خاصة حزب الله اللبناني والتواجد الإيراني الواسع داخل الأراضي السورية ، وهو ما تُفصح عنه علناً لا سيما مع المعوقات والخلافات الواضحة بين القوى العربية والتي من بينها مصر مع تدخّل الطرف الإيراني فى الشؤون الداخلية للعرب، ودعم الجماعات الشيعية التى تعمل على الحد من الاستقرار فى المنطقة خاصة في ما يتعلق بدورها في مساندة جماعة أنصار الله الحوثي فى اليمن والتى يخوض التحالف حرباً واسعة النطاق معها براً وبحراً وجواً، كذلك لاترى القاهرة مُبرّراً للتدخّل التركي فى سوريا، رغم التأكيد التركي أنه جاء دفاعاً عن الأراضي التركية من الخطر المُحتَمل الذي تشكّله الوحدات الكردية على مواطنيها، موقف مصر من الجانب التركي يأتي مع علاقات ليست بالجيّدة بين الطرفين وأوضاع مُتأزمة في ما يتعلّق بإجراءات القاهرة ضد جماعة الإخوان المسلمين والرئيس السابق محمّد مرسي، والخلاف حول اتفاقية التعاون وترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص.
كما يحظى عبد الفتاح السيسي بعلاقات جيّدة مع موسكو وهي الطرف الأقوى هناك والداعم الرئيسي لنظام الأسد والتي عمل عمل تعميقها مُسبقاً بسبب تهدئة العلاقات مع إدارة أوباما التي كان يُنظَر إليها على نطاق واسع في مصر على أنها مُتعاطفة مع جماعة الإخوان المسلمين كما كانت موسكو داعماً قوياً للسيسي.
الرفض المصري للتواجد بأية قوى عسكري فى سوريا كانت تشير إليه كافة المُعطيات خاصة أن القاهرة لا تقبل التخلّي عن رويتها بدعم الحكومة الشرعية “نظام الأسد” ، والدخول في صِدام قد يكون مباشراً مع المليشيات الشيعية الموالية لإيران والرافِضة للتواجد العربي والسعودي في سوريا ، وكذلك عدم المجازفة بأخذ العلاقات مع موسكو على المحكّ خصوصاً مع موقف روسيا المُماثل لإيران من رفض القوى العربية..وبذلك سينبغي للسيسي أن يوضح للسعوديين لماذا اختار دعم الجيش السوري وبصورة غير مباشرة بشّار الأسد.
الرؤية المصرية للوضع السوري شهدت العديد من التقلّبات منذ اندلاع الثورة هناك والتى تزامنت مع إدارة المجلس العسكري لمصر ، والتى كان منشغلاً خلالها بشكل أساسي على الوضع الداخلي للبلاد من ترتيبات لإعادة الوضع لما كان عليه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، فلم يكن له شاغل بالوضع السوري ولم يوضح موقفاً منه ، وبعد فوز مرشّح جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الدكتور محمّد مرسي بالسباق الرئاسي شهد الموقف المصري تغيّراً جذرياً من الهدوء التام إلى قطع العلاقات مع النظام السوري ودعم الجماعات المسلحة والإعلان عن نيّة تدريب مُقاتلين مُعارضين للنظام.
وبعد ثورة يونيو والإطاحة بجماعة الإخوان أيضاً تغيّر الموقف كلياً ودعم الحكومة السورية التي يراها السيسي إنها القوة الشرعية الوحيدة ضد الجماعات والتنظيمات المسلحة، وشهدت أيضاً تغيّراً في اللهجة المصرية المتعلقة بالنظام وتطبيع جزئي للعلاقات بعد زيارة رئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك القاهرة، حيث أجرى مقابلة مع خالد فوزي رئيس جهاز المخابرات العامة المصري. واتفق الجانبان على تنسيق المواقف السياسية وتعزيز التعاون في “مُكافحة الإرهاب” ، بحسب وكالة الأنباء السورية “سانا”.
الميادين