سورية والبحث في التفاصيل
مازن بلال
يبحث معظم الأطراف الإقليمية والدولية عن معادلة مستحيلة داخل الأزمة السورية، فهم يحاولون التأثير في الحدث خارج السياق الخاص لنوعية الصراع الدائر، وهذا ما حدث خلال الشهرين الماضيين على الأقل، حيث شهدت الأزمة تحالفا دوليا مارس عملا عسكريا بحجة استخدام دمشق للسلاح الكيميائي، ثم أرست «إسرائيل» فرضيات بشأن إيران وقامت بالاعتداء من جديد على الأراضي السورية، وعبّر الاستخدام المفرط للقوة في كلتا الحالتين عن عدم اكتراث بالأبعاد العميقة لتفاصيل الأزمة السورية.
إن المسائل العسكرية التي مارستها الولايات المتحدة في سورية ابتداء من ظهور «التحالف الدولي»، وانتهاء بالعملية الأميركية الفرنسية البريطانية المشتركة تريد رسم هامش مختلف للشرق الأوسط من خلال الجغرافية السورية تحديدا، وهذا الأمر ظهر أيضا خلال الاعتداء الإسرائيلي الذي خلق حزمة مواقف عربية متضامنة مع «إسرائيل»، ولكن البحث في تفاصيل ما حدث يؤشر إلى أن التأثيرات العسكرية غير قادرة على خلق تحولات عميقة، فهي تكرس أمرين فقط:
الأول، تثبيت الافتراق في أساليب حل الأزمة، فواشنطن وحلفاؤها غير مقتنعين بإمكانية الاستقرار في شرق المتوسط من دون نسف ميزان القوى القائم حاليا، وهو أمر يبدو مستحيلاً من دون منازلة دولية مباشرة، وضرب الأطراف الإقليمية، أي إيران وسورية تحديداً، لن يغير الكثير، فالسياق السياسي العام دفع شكلاً من التحالفات القائمة اليوم التي يصعب تفكيكها عبر الأعمال العسكرية،
وعملية تفكيك المنطقة من خلال الاضطراب الداخلي لم تؤد إلى ظهور منظومة شرق أوسطية جديدة، وربما على العكس أدت لظهور تأثيرات عميقة ساعدت على الحضور الروسي وغيره من التوجهات الإقليمية، إلا أنها لم تستطع فرض بديل في سورية ولا في إيران، ولا حتى في تركيا التي كانت المحرك الأول في محاولات تغيير خرائط المنطقة، والاستخدام المتأخر للعمل العسكري سيكرس عمليا الترابط السياسي داخل التحالفات رغم كل عمليات التدمير الممنهج.
الأمر الثاني، تثبيت عناصر خصومة لإمكانيات ظهور أي تحالفات نوعية، فالولايات المتحدة ضمنت عدم ظهور محور عربي يساند سورية، وهذا ما نستطيع قراءته كنتيجة للعدوان الأخير من خلال الردود السياسية العربية أو عبر الكثير من وسائل الإعلام الخليجية تحديدا.
هناك حالة إستراتيجية مؤكدة متعلقة بالمنظومة العربية التي أصبحت خليجية بامتياز، والأعمال العسكرية الخارجية ضد سورية توضح أن التحول الحقيقي الذي حدث هو في مؤسسات الجامعة العربية التي منحت كل أدوارها لأشكال جديدة مثل «التحالف الإسلامي» ضد اليمن، وهذا الأمر تبلور مع الاحتلال الأميركي للعراق وهو لا يحتاج لمزيد من الاختبارات، والشرق الأوسط القادم يتجه نحو حالة مختلفة نوعيا عما حدث منذ منتصف القرن الماضي، فهناك حالة من «التجريب» في خلق التحالفات أو في طرق بناء «الكيانات السياسية»، وعملية التجريب هذه لا تشكل نسقا واحدا، فهي فقط تأثير سياسي عسكري مدعوم أميركياً كما يحدث في الشمال الشرقي لسورية.
السياق العام للصراع في سورية أصبح موسوماً بالتأثيرات الدولية القوية، والأعمال العسكرية العنيفة سواء من «إسرائيل» أو الولايات المتحدة، والتي لن تستطيع إزاحة أي عامل دولي للصراع، فلا روسيا ولا إيران يمكن أن تخضعا لعمليات عسكرية عنيفة وخاطفة، وكل ما يحدث هو تفاصيل بانتظار نزال دولي سياسي مسرحه العالم وليس الجغرافية السورية حصراً.
الوطن