عبد الباري عطوان: لماذا تراجعت روسيا عن تَسليمِ صواريخ “إس 300” لسورية ؟
عبد الباري عطوان
بعد العُدوان الثُّلاثيّ الأمريكيّ الفَرنسيّ البِريطانيّ على سورية يَوم 14 نيسان (إبريل) الماضي الذي استَهدف مواقِع عَسكريّة بأكثَر من 103 صواريخ، صَرَّح سيرغي لافروف، وزير خارجيّة روسيا، بأنّ بِلادَه لم تَعُد مُلزَمةً أخلاقيًّا بعَدم تسليم الجَيش السُّوريّ مَنظومة صَواريخ “إس 300” المُضادَّة للطَّائِرات، وأكَّد مَصدرٌ سوريٌّ عَسكريٌّ أنّ قَرارًا صَدر بِتَسليم هذهِ الصَّواريخ مَجًّانًا كَرَدٍّ على هذا العُدوان، وللتَّصدِّي لأيِّ عُدوانٍ قادِم.
أثار هذا المَوقِف الرُّوسيّ ارتياحَنا والكَثير من أمثالِنا الذين لا يَقبلون الظُّلم والعُدوان والإهانات لسُوريَة أو لأي بَلدٍ عَربيٍّ مُسلِم، ولكنّه أثارَ في الوَقتِ نَفسِه قَلَق القِيادة الإسرائيليّة بشَقَّيها السِّياسيّ والعَسكريّ، حتّى أنّ إفيغدور ليبرمان وزير الحَرب الإسرائيليّ هدًّد بأنّ سِلاح الجَو الإسرائيليّ وصَواريخِه ستَقصِف هذهِ المَنظومات في العُمق السُّوريّ مهما كانَت النَّتائِج.
جيش الاحتلال الإسرائيليّ شَنًّ ثلاثة اعتداءاتٍ بالصَّواريخ على سورية في أقل من عَشرةِ أيّامٍ، إحداها عندما كان بنيامن نتنياهو يَزور موسكو ويلتَقِي الرئيس فلاديمير بوتين مَساءَ الأربعاء الماضي، ولم نُشاهِد أيَّ أثَرٍ لمَنظومة “إس 300” تتصدَّى لهذا العُدوان الإسرائيليّ على أهدافٍ عَسكريّةٍ سُوريّةٍ وإيرانيّةٍ، الأمر الذي أثار العًديد من علاماتِ الاستفهام.
***
أمس تَطوَّع فلاديمير كوجين، مُساعد الرئيس الروسي لشُؤون التَّعاون العَسكريّ والتِّقنيّ، بالإجابةِ عن هذهِ التَّساؤلات وحَل هذا اللُّغز في تَصريحٍ لصحيفة “إيزفيستيا” الرُّوسيّة الرسميّة، عندما نَفى تَسليم روسيا لهَذا النَّوع من الصَّواريخ المُتقدِّمة إلى سورية، مُبرِّرًا هذهِ الخُطوَة بالقَول “أن لدى سورية مَنظوماتِ دِفاعٍ جَويٍّ مُختَلفة سوفيتيّة وروسيّة حَديثة مثل منظومة “بانتسير” أظهرت جَميعًا نجاعَتها من خِلال التَّصدِّي للهُجوم الصَّاروخي للعُدوان الثُّلاثي”.
هذا التَّصريح، ومِن مَسؤولٍ روسيٍّ في هذا المَنصِب الرَّفيع، وفي هذا التَّوقيت، يعني أنّ القِيادة الرُّوسيّة تراجَعت عن وُعودِها السَّابِقة في تَسليم صواريخ “إس 300” إلى الجيش السُّوري لأسبابٍ ما زالَت خافِيةً علينا، فهل نَجح نتنياهو في إقناعِ القِيادة الروسيّة بعَدم تقديم هذه الصَّواريخ لسورية عندما زار موسكو الأربعاء الماضي، أم أنّه وجَّه إليها تهديدات إسرائيليّة، وربّما أمريكيّة بقَصفِها، وجَر روسيا بالتَّالي إلى حَربٍ مع البَلدين على الأرضِ السُّوريّة؟
لا نَعرِف بالضَّبط ما حَدث، ولم تَصدُر أي تصريحات روسيّة حول البَديل الذي حَصلت عليه موسكو مُقابِل التراجع عن تَسليم هذا النُّوع المُتطوِّر من الصَّواريخ لروسيا، ولكنَّنا نَستبعِد في الوَقتِ نَفسِه أن يَتجرَّأ نتنياهو على تِكرار تهديدات وزير حَربِه ليبرمان لروسيا بقَصف بطَّاريّات صواريخها في سورية، فلُغَة التَّهديد ربّما لا تُجِدي نًفعًا مع الرئيس بوتين، المَعروف باعتدادِه بِنَفسِه، والتَّمَتُّع بأعلى دَرجاتِ الكَرامة.
سورية، وفي ظِل الغارات الصَّاروخيّة الإسرائيليّة المُتزايِدة على أراضيها، باتَت في حاجَةٍ ماسَّةٍ إلى هذهِ المَنظومات الدِّفاعيّة الرُّوسيّة المُتقدِّمة، للدِّفاع عن نَفسِها، وعدم استجابة القِيادة الرُّوسيّة لمَطالِبها المُلِحَّة في هذا الصَّدد يحتاج إلى تَفسيرٍ من قِبَل القِيادة الرُّوسيّة لقِطاعٍ عَريضٍ من “الرأي العام” العَربيّ الذي يرى فيها حَليفًا مَوثوقًا يُمكِن الاعتماد عليه، فسوريا أولى من تركيا، أو أي دَولةٍ أُخرى في المِنطَقة باتَت على وَشَك الحُصول على مَنظوماتِ صواريخ أكثر تَطوُّرًا، أي “إس 400”.
نُدرِك جيّدًا أنّ القِيادة الرُّوسيّة لا تُريد أن تَنجَر إلى حَربٍ عالميّةٍ ثالِثة مع أمريكا وإسرائيل وحِلف النِّاتو، مِثلَما نُدرِك أيضًا أنّ علاقاتِها مع دَولة الاحتلال الإسرائيلي قَويّة جِدًّا، وتُريد الحِفاظ عليها، ولكن ما نُحَذِّر مِنه في الوَقتِ نَفسِه، هو أنّ إسرائيل باتَت تَبتَز روسيا، وتتطاوَل عليها، وتَتجرَّأ على تَوجيهِ التَّهديدات المُهينة لها، وتُقدِم على غاراتٍ صاروخيّةٍ تَهدِف إلى إحراجِها، ونَسف إنجازاتِها في سورية على مَدى السَّنوات السَّبع الماضِية الأمر الذي يَتطلَّب مَوقِفًا حازِمًا يَرتَقِي إلى مَكانَة روسيا كدَولةٍ عُظمَى تستعيد مكانَتها في العالم بِشَكلٍ مُتسارِع.
***
هَذهِ العَربدة الإسرائيليّة يَجِب أن تتوقَّف، ويُوضَع لها حَد فَورًا، ومن القِيادة الرُّوسيّة على وَجه التَّحديد، وأوَّل خُطوَة في هذا المِضمار تَزويد سورية وإيران بِمَنظومة صواريخ “إس 300” لمَنع مِثل هذهِ الانتهاكات الإسرائيليّة لأجوائِها، االهم إلا إذا حَصلت القِيادة الرُّوسيّة على تَعهُّدٍ إسرائيليٍّ صُلب بِوَقف هَذهِ الانتهاكات، وهذا ما نَشُك فيه بِحُكم مَعرِفَتنا بالغَطرسةِ الإسرائيليّة، وعَدم التزامِها بأيِّ عُهودٍ مَدعومةٍ بالرَّئيس دونالد ترامب وصِهرُه جاريد كوشنر.
نأمَل أن نَسمَع في الأيّام المُقبِلة حلًّا رُوسيًّا مُقنِعًا لهذا اللُّغز الإسرائيليّ، ويُسعِدنا أكثَر أن تَفِي بِتَعهُّداتِها وتُسَلِّم هذهِ المَنظومة لسُوريَة في أسرعِ وَقتٍ مُمكن، في ظِل التَّوتُّرات الحاليّة في المِنطَقة والتَّوَقُّعات بِحُدوثِ عُدوانٍ إسرائيليٍّ وَشيك.
رأي اليوم