سوريا: ومن كرة القدم ما قتل !
لم تكد لعبة كرة القدم في قرية “غيضة نمرة” إلى الشرق من مدينة “شهبا” أن تبدأ، حتى تحولت إلى ساحة للعراك بين أولاد العمومة الذين نقلوا مشكلتهم إلى حكام ليس لديهم أي معرفة بالقوانين، فاستخدموا أسلحتهم المتنوعة، ليبدأ شوط المباراة الأول مليئاً بالصخب والرصاص الحي الذي ملأ صداه البيوت القليلة الرابضة بين الأشجار المثمرة، وسط خوف وصياح النسوة العارفات بما يمكن أن يحمله الحقد الأعمى، لبن أولاد العمومة الذين لم يحتملوا أن يطرد ابن أحدهم من الملعب.
جاء الليل ومعه أوشكت المباراة أن تنتهي بالتعادل السلبي فأطفأت الأنور من كل البيوت وربض كل من يحمل سلاح منهم حولها بانتظار تسجيل هدف واحد في الوقت المستقطع يريح الفريقين، وما هي إلا لحظات من السكون حتى انطلقت رصاصة من بندقية صيد ليستقر (خردقها) في قلب “كمال الأباضة” الرجل الذي عاد وسط الظلام الحالك إلى منزله، دون أن يعلم أن عودته في هذا التوقيت سوف تكون نهايته.
وفي الوقائع الحصرية التي حصلت عليها صاحبة الجلالة فقد قدمت شرطة مدينة “شهبا” مع قاضي التحقيق والطبيب الشرعي لمكان الجريمة، وعاينت الوضع عن كثب بعد أن أنار السكان بيوتهم، وبدأت التحقيقات الأولية التي بنى عليها المحققون الكثير بانتظار دفن المتوفى كما جرت العادة.
واتضح لشرطة المدينة أن تصرفات ابن المغدور تدعو للشك رغم كل الوجع الذي أصابه من رؤية والده غارقاً بدمه، وكل التهويل الذي رافق لحظة الموت حيث قال العقيد “وائل رشود” مدير منطقة شهبا لصاحبة الجلالة: «كانت الشكوك تحوم حول ابن المغدور المدعو “نجد الأباضة” مواليد 1980، بسبب تصرفاته وأقواله المتناقضة، وكذلك أقوال والدته وزوجته، ولكننا احترمنا العادات والتقاليد ولم نقم بالتحقيقات إلا بعد الدفن، حيث أفاد المتهم أنه ابتعد عن المنزل بعد أن أطفئ الأنوار تماماً واختبئ في بستانهم المحاذي للمنزل، وبدأ ينتظر حتى شاهد وسط الظلام خيال رجل قادم من بعيد باتجاه منزله، فسدد من بندقية الصيد التي اعتاد عليها جيداً، وضرب ضربته القاضية التي جاءت في القلب.
رئيس مخفر شرطة نمرة “علاء حمزة” أضاف: «عندما ألقينا القبض على المتهم (يوم الخميس 10 أيار) أنكر كل ما نسب إليه، ولكن عندما تمت مواجهته بالحقائق اعترف بأنه أقدم على قتل والده عن طريق الخطأ ظنا منه أن القادم من بعيد وسط الظلام هو أحد أبناء عمومته الذين يختلفون معهم منذ زمن طويل.
واضاف ابن الضحية أنه عندما علم بالكارثة التي حلت به حاول إخفاء جريمته وقام بدفن البندقية في مكان يبعد عن البيت مسافة 200 متر، والتي قام عناصر المخفر بجلبها مع أدواتها المخبأة في قن للدجاج.
اعتراف وحيد والده “نجد” جاء ليطفئ ناراً كادت أن تعصف بالجميع، خاصة أن أبناء العمومة كانوا على أهبة الاستعداد لمتابعة المعركة رغم علم كل واحد منهم أنه بريء من دم ابن عمه، علماً أن سكان هذه القرية الصغيرة الوادعة يشتغلون بالأرض، وينتجون الثمار الطيبة، ويشتهرون بالمحافظة بالود والطيبة، ولكن خلافاً تافهاً جعلهم يصلون إلى هذه الزاوية، لعل وعسى تكون آخر مباراة لهم كي ينعموا بالهدوء.
صاحبة الجلالة