مقتدى الصدر.. “صانع الملوك” و”حليف واشنطن الجديد” في العراق
يسير رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر قدماً نحو تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق، مع تقدم كتلة “سائرون نحو الإصلاح” التي يقودها، والمؤلفة من تحالف الصدريين مع الحزب الشيوعي للنتائج الجزئية الرسمية. تحالف سائرون يضم عدة أحزاب أبرزها التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي.
من كان يتوقع أن يدخل رجل دين بارز في العراق، مثل الصدر، تحالفاً من هذا النوع مع حزب شيوعي. المطّلع جيداً على مسيرة مقتدى الصدر خلال الأعوام الماضية لا يفاجئه أي قرار يصدر من جانب زعيم التيار الصدري؛ فلقد بدّل الرجل مواقفه أكثر من مرة بحسب مقتضيات المرحلة. ولكن ما الذي دفع به إلى الواجهة في هذه الانتخابات؟
العودة عبر شعار محاربة الفساد
ما ساعد مقتدى الصدر على تصدر الانتخابات هو استشعاره لاحتياجات الشارع، فالشعب العراقي بمختلف أطيافه ضاق ذرعاً بالفساد المستشري. والاحتجاجات الشعبية في 2015 جاءت في هذا الإطار. “خبز، حرية، دولة مدنية” كان شعار تلك التظاهرات التي أقلقت الحكومة العراقية. “الصدر دفع بأنصاره للمشاركة، رغم أن العلمانيين، والشيوعيين، والاشتراكيين ليسوا حلفاء للصدريين. بل كان الصدريون ينعتونهم بالكفار”، يقول تيم بيتشولات، المدير المقيم لمؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية في الأردن والعراق. ويضيف: “ولكن هذه القوى تقاطعت مطالبها مع ما يريده الصدريون”. أي تحسين الوضع الاقتصادي وإطلاق الحريات.
وأيضاً يأس الكثيرين من نظام المحاصصة الطائفية وتقسيم “الخريطة السياسية” بين الشيعة والسنة والأكراد. “إنهم يريدون دولة وطنية” يقول الخبير الألماني تيم بيتشولات. “هذا الأمر استشعره الصدر مبكراً. واندفع إلى مقدمة الاحتجاجات وصار موجهاً لها”.
كما يستند الصدر على الإرث النضالي الكبير لعائلته ضد النظام البعثي في العراق، والذي يُتهم باغتيال والده محمد صادق الصدر وعمه محمد باقر الصدر. ولذا يحظى الصدر باحترام وشعبية واسعين في الأوساط الشعبية.
الموقف من إيران
رغم التقارب الكبير بين الكثير من القوى الشيعية في العراق مع القيادة الإيرانية والنفوذ الكبير لهذه الأخيرة في بلاد الرافدين، إلا أن مقتدى الصدر يحاول أن يستقل بقراره عن طهران. ورفض التحالف مع حليف إيران في العراق نوري المالكي بعنف، عندما قال في: “بعض السياسيين الواهمين، يظنون أنهم يستطيعون تحصيلها (الأغلبية السياسية) لفرض فسادهم أكثر”.
وبرزت للصدر عدة مواقف مؤخراً، دعا فيها إيران إلى “ترك المهاترات السياسية” في المنطقة، كما أسماها. ودعا إيران للانفتاح على بعض القوى في المنطقة، قاصداً السعودية على وجه الخصوص.
الصدر طالب، بعد تحرير الموصل، بحل فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران، وأن يكون السلاح بيد الجيش العراقي فقط. كما انتقد مشاركة ميليشيات عراقية في القتال إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، داعياً الأسد إلى التنحي عن حكم سوريا.
في كل هذه المسائل اختار الوقوف في غير ضفة إيران، رغم أن ماضي الرجل كان يدور في الفلك الإيراني.
والتحدي الأكبر أمام الصدر سيكون: كيف ستتمكن كتلته من تشكيل الحكومة القادمة دون التحالف مع الكتلتين الأخريين المدعومتين من إيران؛ أي حزب الفتح (الممثل للحشد الشعبي) بزعامة هادي العامري، وكتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي.
الانفتاح باتجاه المحيط العربي “السني”
الزيارة المفاجئة لمقتدى الصدر إلى الإمارات وقبلها السعودية أظهرت تطوراً جديداً في المشهد السياسي. السعودية تحاول جذب العراق إليها، بعد أن صار تحت نفوذ قوي لإيران. وهكذا استقبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مقتدى الصدر في أغسطس/ آب 2011.
البعض اعتبر ذلك محاولة من الصدر للعودة إلى “الحضن العربي”. “وهو ما سيعني المشاركة العربية بشكل أكبر في إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية”، يقول المحلل السياسي العراقي أحمد الأبيض في حوار سابق مع DW عربية.
زيارة الصدر المفاجئة للرياض مثلت تحولا لافتا في العلاقة بين السعودية والعراق
وهذا أكثر ما يحتاجه العراقيون حالياً، أي الاستثمارات، كما يرى تيم بيتشولات، المدير المقيم لمؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية في الأردن والعراق. ولذلك فإن “الكثيرين ممتنون حالياً لإيران لأنها تستثمر اقتصادياً في العراق”. وهكذا تعهد السعوديون للصدر بضخ 10 ملايين دولار للمناطق الشيعية في وسط وجنوب العراق، ووعدوا بالعمل لمساعدة العراقيين في التخلص من دوامة العنف.
كما تعهد الملك سلمان ببناء ملعب رياضي كبير في بغداد تصل سعته إلى أكثر من 100 ألف متفرج.
ورغم ارتباط اسم الصدر بشكل أو بآخر بما تسمى “فرق الموت”، والتي تتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد السنة إبّان فترة الحرب الطائفية في العراق (2006 – 2008)، إلا أن السعودية تدعم في هذه الانتخابات مقتدى الصدر، كما ترى المحللة السياسية، إليزابيث ديكنسون، العاملة في مجموعة الأزمات في الولايات المتحدة.
وتقول ديكنسون إن السعودية فهمت ولو بوقت متأخر أن “الشيعة في العراق لا ينجذبون بالضرورة نحو إيران وشكل حكومتهم الديني، وأنهم بدلاً من ذلك يشعرون بالانتماء للعالم العربي”، كما صرحت لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
عدو أمريكا سابقاً صديقها اليوم؟
المرشح المفضل للولايات المتحدة في هذه الانتخابات هو بالتأكيد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي شكل تحالفاً عابراً للطائفية. إذ يضم شخصيات شيعية وسنية بارزة. تحالف النصر بقيادة العبادي يتجه لاحتلال المركز الثالث في الانتخابات، وفق نتائج جزئية رسمية، ويبدو أنه سيكون الأقرب للدخول في تحالف مع الصدريين.
وهذا ربما يناسب ما يجري في منطقة الشرق الأوسط عموماً، مع التغيرات الكبيرة في سياسة العربية السعودية وحلفائها الإقليميين، والذي يدور كله في فلك الدعم الأمريكي لهذا الكتلة الإقليمية التي تريد مواجهة النفوذ الإيراني الكبير في المنطقة.
وهكذا فإن الصدر بصدد التحول من موقع العدو الأول لأمريكا في العراق خلال العقد الأول من هذا القرن إلى شريك سياسي يعتمد عليه، سواء إذا تم اختيار رئيس الوزراء من كتلته “سائرون”، أو إذا لعب الصدر دور صانع الملوك ودعم احتفاظ حيدر العبادي بمنصبه كرئيس للوزراء، مقابل تلبية شروط معينة يطالب بها التيار الصدري.
DW