تهيئوا… نذير شؤم في الأفق.
سمير الفزاع
منذ العام 2013، وكيان العدو الصهيوني ينفذ سلسلة من الإعتداءات الجوية دون أن يعلن عن مسؤوليته عن تلك الإعتداءات، والكل يعرف بأنه يقف خلفها، وعندما ردّ الجيش العربي السوري بقصف عدد من مواقع العدو في الجولان المحتل لم يعلن مسؤوليته عن ذلك، ما أثار التساؤلات، ليحرف البعض شرف هذا العمل عن خانة الجيش العربي السوري ونسبه لإيران، وصولاً إلى التخوين بالحديث عن مؤامرة تقودها روسيا بالتفاهم مع واشنطن وتل أبيب لإخراج إيران من سورية بإعطاء الضوء الأخضر لكيان العدو بقصف مواقعها وقتل مستشاريها، كما أوردت “الإندبندنت” البريطانية. ما هي حقيقة العدوان الصهيوني الأخير، وكيف وقع؟. هل حقاً كيان العدو من بادر لهذه المعركة أم سوريّة وحلفائها، ولماذا؟.
* البيان الملتبس، دلالات ومعان:
لم يُشر بيان قيادة الجيش والقوات المسلحة السورية إلى مسؤولية الجيش العربي السوري عن إطلاق عشرات الصواريخ على مواقع منتقاة بعناية في الجولان السوري المحتل خوفاً أو تنصلاً من المسؤولية، لأن من يخاف لا يرد بإسقاط طائرات العدو الصهيوني، ويتصدى للعدوان الأطلسي-الصهيو-وهابي الأخير، ويدعم حركات المقاومة حتى اللحظة… من جهة، ولأن العدو يعرف جيداً من قصفه، ومن أين قصفه، وبأي صواريخ وعددها، وماذا أصابت… من جهة ثانية. أمّا كلام جيش العدو، وإعلاناته المتضاربة بشكل واضح، فليصدقه من يشاء، فقد تعودنا على وجود من يعتنق الكذبة الصهيونية والغربية عموماً، مهما كانت ملفقة ومخادعة وبعيدة عن الواقع… ويكفي أن يقال عن هؤلاء بأنهم يصدقون كياناً قام على العدوان والكذب والخداع، وعاش به في كل تفاصيل حياته، وأن “حريّة” إعلامه تنتهي بأمر من سطر من الرقابة العسكريّة، حيث وكر الكذب والتضليل، وبيت الحرب الإعلامية والنفسية.
وأما “البيان الملتبس” فقد حقق جملة أهداف، وبعث بمجموعة من الرسائل، ومنها:
1- بادل العدو بنفس سياسته، حيث لم يعلن مسؤوليته عن تنفيذ تلك الضربة. ينفذ الكيان الصهيوني إعتداءاته ويلتزم الصمت ويكتفي بالتلميحات، ويترك لنا إصدار البيانات التي تصف طبيعة العدوان، والخسائر التي خلّفَها، وشكل ردنا عليه… فلماذا لا تترك سورية العدو الصهيوني يتحدث عن ردّ سورية وحلفائها، وطبيعة هذا الردّ، خسائره -إن تجرأ-؟. وحتما تمتلك سورية وحلفائها، الأدلة على طبيعة المواقع التي قصفت، ومدى إصابتها، والأضرار التي لحقت بها… فما الضير في “تبادل الأدوار”؟.
2- عندما تكون ضمن محور يدعمك ويحارب معك على الأرض لن يكون مهماً عندها من يستهدف العدو، لأن العدو مشترك، ووسائل وسياسات الردع متفق عليها، وبالتالي سيكون الرد على الرد -لو توسعت المواجهة- ضمن المحور لا محصوراً بدولة بعينها.
3- عندما تريد توجيه الرسائل بالنار، وخصوصاً في مشهد سياسي وأمني وعسكري معقد مثل المشهد السوري؛ تعمد الدول إلى التدرج في شدة ونوعية هذه الرسائل، سورية وحلفائها قصفوا مواقع العدو بأكثر من خمسين صاروخاً متعدد الأحجام، وأدعى كيان العدو بأن سورية أطلقت عشرين صاروخاً، وتمكنت منظومات العدو المتعددة والمتأهبة من إسقاط أربعة منها فقط، والبقية لم تصب أهدافها!؟ لنجاريه في كذبه، سورية إستخدمت أقدم وأبسط منظوماتها الصاروخية بمواجهة أحدث ما لدى العدو من منظومات دفاع جوي، وهكذا كانت النتيجة: إعتراض 20% فقط من رشقة صاروخية مكونة من عشرين صاروخاً: ماذا لو كانت هذه الرشقة مكونة من مئات الصواريخ؟ ماذا لو كانت هذه الصواريخ أكبر وأعقد؟ ماذا لو تم إستهداف منظومات الدفاع الجوي الصهيوني ذاتها -خصوصاً وأنها معظمها من النوع الثابت- برشقات صاروخية كثيفة تترك كيان العدو عارياً أمام صواريخ سورية وحلفائها؟.
4- تُرك العدو حائراً يتخبط في رواية يعرف زيفها هو وصحافته وكل من يراقب الميدان، وعندما إعتقدوا بأن روايتهم باتت الوحيدة في الساحة الإعلامية والشعبية، جاء خطاب السيد حسن نصر الله ليهشم هذه الرواية، ويثبت زيفها… ما دفع وسائل إعلام العدو للحديث عن بعض التفاصيل الحقيقية لما جرى، فاعترفوا بأن عدد الصواريخ كان ضعف ما أعلنت عنه المؤسسة العسكرية، وفي هذا نسف لمصداقية المؤسسة العسكرية والتي هي عماد كيان العدو، وتأكيد على أهمية الهجوم وخطورته، وفداحة الإصابات والخسائر… ولنتذكر، حتى اللحظة لم تسمح رقابة العدو العسكرية بنشر أي صورة من المواقع المستهدفة ليثبت عدم صحة رواية السيد حسن، والتي هي ذاتها رواية سورية ومحور المقاومة.
5- قرار إطلاق الصواريخ مهما كان عددها ونوعها- يبدو بأنه مقدمة لإنهاء إتفاق فك الإشتباك بين سورية والعدو الصهيوني الموقع عام 1974، ووضع ملف الجولان السوري المحتل على الطاولة، وقبل أن تنهي سورية حربها مع أدوات الغزو الخارجي… ولأن سورية باتت ضمن حلف توحدت فيه الجبهات، لن يكون مهماً جداً إعلان الفاعل، وإن كان وقوف الجيش العربي السوري خلفها يحمل رمزية خاصة وضرورية.
6- ماذا لو أرادت القيادة السورية من “تجهيل الفاعل” إرسال إشارة للعدو بأن هناك مقاومة شعبية باتت قادرة على ممارسة الردّ على أي عدوان صهيوني، وهدفها تحرير الجولان، تماماً مثل الحالة اللبنانية؟!.
* ميسلون وفاتح-101، زيارة خاطفة إلى الجولان:
بعد إعتراف كيان العدو بإسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة أف-16، كان يدرك بأن هناك نقلة جديدة في قواعد الإشتباك أسست لها سورية وحلفائها، فانكفأت طائراته خلف الحدود وتقيدت حركتها بشكل واضح، فحلقت خارج المدى المؤثرة للدفاعات الجوية السورية، وحاولت قصف أهدافها من وراء الحدود بمسافة تسمح للطائرات بالمناورة أمام الصواريخ المضادة أولاً، وحتى تكون ضمن مدى “الحماية المثالي” الذي توفره شبكة الدفاعات الجوية الصهيونية… لكنه كان يدرك أيضاً بأن هذا “الهامش” في الحركة سيضيع من بين يديه وقريباً جداً… والإشارة لتآكل هامش الحركة هذا ستتزامن مع ساعة إعلان روسيا عن توريدها صواريخ أس-300 إلى سورية. على الرغم من ترويج الكيان الصهيوني عن ردّ إيراني وشيك على غارة مطار (t-4)، طار نتنياهو إلى موسكو الأربعاء 9/5/2018، والتقى الرئيس الروسي المنتخب فلادمير بوتين في يوم إعلان النصر على النازية، وحتماً على رأس جدول إعماله تجميد توريد هذه الصواريخ مجدداً. وهذا ما أكده تصريح مساعد الرئيس الروسي للتعاون العسكري التقني “فلاديمير كوجين” لصحيفة “إيزفيستيا”، بأنه لا تدار في الوقت الراهن مع سورية أي مفاوضات لتزويدها بمنظومات الصواريخ الروسية المضادة للطائرات “إس-300″… وأن القوات المسلحة السورية تملك كل ما تحتاجه. إعتقد نتنياهو أن في ذلك “مهلة” كي يُنفذ ما يريد، أو أن ضوءً أصفر روسي منح له كي ينفذ عملية تقلص منسوب مخاوفه من القدرات العسكرية السورية المتنامية، والتي أسقطت أكثر من 70% من صواريخ ومقذوفات العدوان الأمريكي-البريطاني-الفرنسي، وليستعيد هيبة سلاح جوّه، ويزيد من حرية حركة ومناورة هذا السلاح… بحجة مقاومة الدور الإيراني ومحاربة نفوذها في سورية. بدأ بعدوانه على مواقع حدودية بمشاركة أدواته الإرهابية، وخصوصاً على مدينتي البعث وحضر السوريتين، وتوسع إلى عدوان جوي… لكن ما فاته وفات آخرين، بالرغم من بداهة الأمر ووضوحه؛ بأن سورية عازمة على دحر الأدوات الإرهابية، وإستعادة أراضيها، بصرف النظر عن موقف أعدائها في الإقليم والعالم… وأن كل قاعدة إشتباك ترتقي إليها سورية وحلفائها في الصراع مع هؤلاء لم توضع للتخلي عنها؛ بل للبناء والمراكمة عليها، فكانت المفاجئة: بما نمتلك من وسائل دفاع جوي، وسواء إمتلكنا أس-300 أم لا، سنحافظ على ردع سلاح جو العدو، وسنرسي لبنة أو مدماك جديد في جدار الردع وقواعد النار: صحيح بأننا لا نملك سلاح جو مكافئ لسلاح جو العدو، ولكننا نملك دفاعاتنا الجوية وسلاح الصواريخ، فكل عدوان جوي ستحبطه دفاعاتنا الجويّة، وكل قصف بري سيقابل بقصف مضاد… وربما كل غارة قادمة أيضاً سنواجهها بما لدينا من وسائط دفاع جوي ومن قدرات صاروخية معاً… وإن تماديتم بالعدوان سنضربكم في العمق، وبصواريخ لم تعهدوها من قبل. الأوامر صدرت كما صدرت من قبل أوامر تفيد، بأن يكون ردّ الدفاعات الجوية على أي إعتداء جوي صهيوني ميداني ومباشر، ودون الرجوع إلى القيادة للحصول على التوجيهات.
* كلمة أخيرة:
لنتذكر، بأن العدو خلال إغارته الأخيرة على سوريّة إستخدم عشرة صواريخ أرض-أرض على الأقل، فردت سورية بإطلاق خمسة وخمسين صاروخاً على أهداف بالغة الحساسية والخطورة، وكان عشرة منها على الأقل، ذات رأس حربي يزن “150” كغم وأكثر من المتفجرات. صحيح أن العدو أغار على أهداف في ريفي حلب وحمص قبل أسبوعين تقريباً، ولكنه كان مضطراً للتسلل عبر الأجواء الأردنية والعراقية، وضمن تشكيلات تحالف واشنطن، وبإستخدام ندائه وبصمته الراداريّة، وفي منطقة تعاني أصلاً من ضعف في التغطية الرادارية وشبكة الدفاع الجوي… واليوم، حتى مثل هذه العمليات المراوغة والجبانة لن تمر بسلام، العيون ترقبكم واليد على الزناد… تهيئوا، إنه نذير الشؤم القادم من الشرق.