من بينها طائفة إسرائيلية قديمة.. 5 حضارات ضحت بالأطفال لإرضاء الرب
في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، أعلن أثريون، الكشف عن رفات ما يُعتقد أنه أكبر عملية تضحية بالأطفال عبر تاريخ البشرية؛ إذ عُثر قُرب مدينة تروخيو بالمنطقة الشمالية الساحلية في بيرو، والتي كانت تقع في قلب حضارة تشيمو القديمة، على رفات أكثر من 140 طفلًا، بالإضافة إلى بقايا 200 من حيوان اللاما، أُجريت عليهم جميعًا الطقوس نفسها، قبل 550 سنة.
كانوا يقدمون للآلهة أغلى ما يمتلكون؛ الأطفال.. الذين يُمثلون المستقبل * جابرييل برييتو، أستاذ علم الآثار في جامعة تروخيو الوطنية في بيرو
وتتراوح أعمار الأطفال المعثور على رفاتهم في مواجهة البحر، بين خمسة و15 عامًا، ويستدل الباحثون، بالكسور الموجودة في عظام القفص الصدري والضلوع، والتي تعني أن قلوبهم قد تم انتزاعها، على أن هؤلاء الأطفال، قُدموا باعتبارهم أضاحي بشرية، في حين تعرضت حيوانات اللاما للطقوس ذاتها، وتشير الدلائل إلى أن أعمار الحيوانات أقل من 18 شهرًا، ودُفنت باتجاه جبال الإنديز ناحية الشرق. ويعتقد الباحثون، أن هؤلاء الأطفال قُدموا قرابين للآلهة كي يتدخلوا لوقف الأمطار الغزيرة والفيضانات التي أحدثتها ظاهرة النينو، التي تحدث على هيئة دورة مناخية في المحيط الهادي وتؤثر على درجات الحرارة في العالم كله، والتي أدت في الأخير عبر الظواهر المصاحبة لها إلى إغراق المنطقة.
وبالبحث في تاريخ البشرية، نجد أن التضحية بالأطفال وتقديمهم قرابين، أمر شائع، تكرر في العديد من الحضارات السابقة، في السطور القادمة؛ نتعرف إلى أشهر الحضارات القديمة، التي قدمت الأطفال قرابين من أجل نيل رضا الرب.
1- حضارة الإنكا وطقس «الكاباكوشا».. لا يحق لأسرة الطفل الحزن عليه
الأطفال أنقى البشر
قبل 500 عام، في الأرجنتين، خرج بعض كهنة حضارة الإنكا، بصحبة ثلاثة أطفال أصحاء (فتاتين وصبيّ) وبعض كنوز شعب الإنكا من أوان فخارية وتماثيل ذهبية وأقمشة مزخرفة، وتجولوا بهم مسافة بلغت مئات الأميال، حتى وصلوا إلى قمة جبل «لولايلاكو» حيث البركان النائم، وهناك؛ على قمة الجبل، أعطوا هؤلاء الأطفال شراب «الشيشا» المخمر والمُستخرج من الذرة، حتى غابوا عن الوعي، ثم وضعوهم في حفرة، وتركوهم ليتجمدوا حتى الموت، على أمل أن تمنع تلك التضحية الهائلة (أو ما يعرف بطقس الكاباكوشا الديني) غضب الآلهة الجبلية، وأن يبقى هؤلاء الأطفال فوق قمة جبل لولايلاكو إلى الأبد، كي يُراقبوا قُراهم في صمتٍ أزلي، ويحرسونها كالملائكة من غضب البركان.
اكتشفت جثث أو مومياوات هؤلاء الأطفال في عام 1999، وتبين بتحليل البصمة الكيمائية والحمض النووي، أنه قد تم تغذيتهم لشهور طويلة، على أوراق الكوكا المخدرة قبل التضحية بهم، وأظهرت البيانات الأثرية والإشعاعية أيضًا، أن الفتاة الكبيرة التي كانت عذراء، عوملت على نحو مختلف وراقٍ، وبالرغم من أنها أتت من أصول ريفية هي والطفلان الآخران، إلا أنهم قد عوملوا في العام الأخير قبل طقس التضحية، على نحوٍ آخر، يليق بأبناء النخبة، إذ تم تغذيتهم على اللحم والذرة، مما يشير إلى أن التضحية بالأطفال كان أمرًا مهمًا لإمبراطورية الإنكا، إذ تم استخدام الأطفال باعتبارهم قرابين طوال الوقت وفي كل الظروف؛ في الكوارث الطبيعية، وفي أوقات الحرب، ومن أجل التقرب إلى الآلهة ونيل رضاها، وكان يُعد هذا الطقس العنيف، طبقًا لمعتقداتهم، تشريفًا وتكريًما، إذ لا يحق لأُسر الأطفال المختارين لهذا الطقس المُشرّف، أن يُظهروا جزعهم وحزنهم، وذلك بحسب أستاذة علوم الآثار في جامعة برادفورد، الدكتورة إيما براون.
2- الصين القديمة.. تقطيع الأوصال من أجل التنبؤ بالمستقبل
في الإمبراطورية الصينية القديمة، وبالتحديد قبل 4 آلاف سنة، خلال عهد أسرة شانج، الذي استمر 500 عام، انتشر طقس التضحية بالبشر لثلاثة أسباب؛ إحكام السيطرة على البلاد وإظهار القوة وبث الرعب في قلوب الأعداء، ومن أجل التقرب إلى الآلهة.
كشفت المقابر الأثرية التي عُثر عليها في الفترة من 2008 وحتى 2015 في شمال غرب الصين، عن مدافن جماعية، لأشخاص غير محليين، يُعتقد أنهم أسرى حرب، استُخدموا باعتبارهم عبيدًا، ثم قُتلوا، ومدافن أخرى تحتوي على بقايا أضاحي وقرابين بشرية، لأطفال تبلغ أعمارهم 13 عامًا، قُطّعت أوصالهم وأطرافهم، ووضعت بجوارهم جزءًا من طقس التنبؤ بالمستقبل الذي شاع في العديد من الحضارات السابقة ومن بينها الصين القديمة.
جماجم بشرية وُجدت في مقبرة جماعية
ويقول علماء الآثار أن القرابين البشرية في الصين القديمة، انقسمت إلى ثلاثة أنواع؛ الأولى، كانت لشبان، قُطعت أوصالهم وشُوهت أجسادهم، وتم دفنهم في حُفر، دون ممتلكاتهم أو أشيائهم الشخصية، والثانية كانت لأطفال ورضع، استُخدِم في قتلهم، طرق قاسية وعنيفة، ودفنوا أيضًا دون ممتلكات أو أي شيء يشير إلى هوياتهم، أما النوع الثالث، فكان للفتيات الصغيرات والشابات، وعلى عكس النوعين الأوليين، خلت أجسادهن من أي آثار قتل وحشية أو تمثيل بجثثهن، دون أن يُعرف السبب وراء ذلك.
3- الإسرائيليون القدماء.. قصص عن هولوكوست الأطفال إرضاءً لـ«مولوخ»
مولوخ، أو موردوخ، أو موردوك، أسماء متعددة، لإله سامي قديم، قيل مرة إنه كنعاني وقيل أخرى إنه فينيقي ومرة إنه بابلي، عُرف بأنه إله الشر الذي ينتشي لرائحة اللحم المحترق، ولا يرضى بغير القرابين البشرية، وتحديدًا الأطفال منها. وتقول الدراسات، إن الإسرائيليين القدماء الذين عبدوا الإله مولوخ، قدموا مواليدهم البكر، وهم رُضع إلى هذا الإله القاسي، من أجل أن يُنعم على أُسرهم بالرخاء والازدهار ويمنح أطفالهم المستقبليين حمايته ورضاه.
ويُعتقد أن تماثيل مولوخ، كانت عبارة عن تماثيل ضخمة لرجل له رأس ثور، لكل منها فتحة في البطن وذراعان ممدودتان، يصلان إلى هذه الفتحة، إذ كان يتم إشعال النار في التمثال أو حوله، ويوضع الأطفال على ذراعي التمثال أو داخل الفتحة، لتلتهمهم النيران المشتعلة، وهم أحياء.
رسم تخيلي يتضمن طقس تقديم الأطفال قرابين للإله مولوخ وحرقهم في النار – مصدر الصورة ويكيبيديا
ويرى بعض العلماء، أن هذه التضحية، لم تُمارس إلا من قِبل طائفة إسرائيلية واحدة، كرست حياتها لعبادة مولوخ، وأن هذه الطقوس ذات أصل كنعاني وثني، فيما يُنكر آخرون وقوع مثل هذه الطقوس وأنها مُختلقة وملفقة، أما من يؤكدون وقوعها؛ فيستدلون بقصة تضحية النبي إبراهيم، بابنه إسماعيل، وكيف افتداه الله بحسب الروايات الدينية فيما بعد بكبشٍ عظيم، في إشارة لرفضه، لمثل هذه الطقوس الوثنية التي تقر التضحية بالأبناء، وأن رسالة النبي إبراهيم جاءت لهدم مثل هذه المعتقدات.
4- حضارة الأزتك: دموع الأطفال أثناء الذبح تجلب المطر
تمركزت حضارة الأزتك التي ازدهرت خلال القرنين الـرابع عشر، والخامس عشر الميلادي في المكسيك، وبالتحديد في مدينة تينوختيتلان القديمة، أو ما يعرف الآن بمكسيكو سيتي، وتشير السجلات الفنية والأثرية والنصية، العائدة لهذه الحقبة التاريخية، إلى أن التضحيات البشرية كانت تحدث بصورة منتظمة في تينوختيتلان، وخاصة في تيمبلو مايور، أحد أكبر المعابد في المدينة، حيث عُثر على أرفف مكدسة ببقايا جماجم الأضاحي البشرية.
طقس تقديم الأطفال قربانا للإله الغاضب لوقف فيضان نهر تينوختيتلان – مصدر الصورة: ويكيبديا
وعثر علماء الآثار أيضًا على رفات 42 طفلاً، يُعتقد أنه تم تقديمهم في عام 1499 إلى تلالوك، إله المطر، من أجل وقف فيضانات نهر تينوختيتلان، فيما يرى مؤرخون أن التضحية البشرية كانت ممارسة شبه يومية في المدينة الأزتكية، إذ كان يُعتقد أن دموع الأطفال عند التضحية بهم، ستجلب المطر.
وقد ترك الكاهن برناردينو دي ساهاجون، كتابات تصف مثل هذه الطقوس القاسية، التي جُمعت من روايات السكان الأصليين، الذين عاشوا في تينوختيتلان في الأوقات التي سبقت سقوطها، وذكر هيرنان كورتيز أيضًا تضحيات الأطفال في رسائله إلى الملك كارلوس الأول ملك إسبانيا، ويروي الإسبان روايتهم التاريخية الخاصة بهم عن استعمار القارة، فيقولون إن غزوهم للأزتك في القرن الـسادس عشر، كان لوقف هذه الممارسات الوحشية والطقوس الوثنية التي يقيمها شعب الأزتك، بحسبهم.
5- قرطاج القديمة.. الأطفال هدايا العباد للرب
إن الآلهة قد سمعت صوتي وباركتني. *العبارة التي كان ينقشها ذوي هؤلاء الأطفال على ألواح حجرية فوق رفات الأطفال المحروقة.
كانت دولة قرطاج القديمة التي تعرف اليوم بـتونس، مستعمرة فينيقية، امتد تاريخها ما بين عامي 800 و 146 قبل الميلاد، وانتهت على يد الرومان. وبحسب الروايات التاريخية والأدلة القطعية التي وجدها العلماء، فقد كان يتم تقديم الأطفال الرضع في الأسابيع الأولى من حياتهم، قرابين بشرية في مكان يعرف بـ«توفة»، وكانت تتم ممارسة هذا الطقس أيضًا في دولٍ مجاورةٍ وتحديدًا في صقلية وساردينيا ومالطا.
منطقة توفة، حيث عُثر على رفات الأطفال – تصوير البروفسيور جوزفين كوين من جامعة أوكسفورد
وفي محاولة لطمس هذه الوقائع التاريخية، قال البعض إن توفة كانت مقبرة للأطفال، وأن البقايا التي عُثر عليها في جرار فخارية، كانت لأطفال مرضى أو لأجنة مجهضة،ثم عادوا واعترفوا أنها كانت قرابين قُدمت بالفعل للآلهة، لكن ذلك حدث بعد وفاة هؤلاء الأطفال بفعل المرض أو الضعف، فيما قال البعض أن القول بوقوع هذه الطقوس، محض افتراء، وادّعاء عنصري، أطلقه أعداء قرطاجة القديمة من الرومان واليونانيين، غير أن دراسة جديدة اشترك فيها العديد من الأكاديمين، من بينهم أساتذة في جامعة أكسفورد، أكدوا حقيقة هذا الجرم البشع، وأشاروا إلى أنه نابع عن عقيدة دينية، وإيمان قوي، يدفعهم إلى تقديم أطفالهم إلى الآلهة دون أن يرتد لهم طرف، و دون أية أسباب.
ساسة بوست