سيناريوهات مفتوحة
عمار عبد الغني
لا شك أن تطورات المشهد السياسي والعسكري تؤشر إلى ترجيح اندلاع حرب، أكثر من التهدئة والتعقل، وهذا ما يسعى إليه قادة الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية من خلال التهديد والوعيد تارة، وتارة أخرى عبر القيام باعتداءات متكررة أو الإقدام على خطوات غير مسؤولة من شأنها تعقيد المشهد المعقد أصلاً عبر توسيع دائرة الاشتباك لتشمل المنطقة والعالم وذلك في محاولة أخيرة لإبقاء الوضع كما كان عليه قبل سنوات أي للأحادية القطبية وعدم السماح لقوى صاعدة بتقاسم النفوذ وإرساء مفاهيم جديدة على الساحة العالمية وذلك من خلال توفير أجواء الحرب عبر نفخ العضلات بالانسحاب من اتفاقيات دولية للإيحاء بأنهم لا يزالون على قوتهم التي تحولت ومن خلال التجربة إلى هزيمة عسكرية وسياسية.
في هذا الإطار، جاء إقدام ترامب على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران والذي اعتبر حين التوقيع عليه إنجازاً تاريخياً للبشرية جمعاء، ليأتي رئيس «أحمق» ويمسح بجرة قلم جهود سنوات من المفاوضات المضنية ضارباً عرض الحائط بالمواثيق والأعراف والدولية ووضع العالم في حال انقسام بين مؤيد ومعارض ومن يقف في المنطقة الرمادية، تاركاً لتطورات الأحداث تحديد موقفه النهائي، وأتبعها بخطوة رعناء إضافية عندما نقل سفارته إلى القدس المحتلة في انتهاك صارخ للأعراف والقوانين الدولية والإنسانية.
منذ لحظة إعلان ترامب إلغاء الاتفاق ونقل السفارة، بدأ يتضح شكل التحالفات للمرحلة القادمة، حيث إن بعض أنظمة الخليج وضعت بيضها في سلة ترامب والكيان الصهيوني وأكدت مباركتها هذه الخطوة، وإذا كانت «إسرائيل» ترى بأن من مصلحتها اختلاق بؤر توتر جديدة من شأنها حرف بوصلة الصراع من عربي إسرائيلي إلى صراعات جانبية بدعم من أميركا، فأي مصلحة لأنظمة الخليج في ذلك غير وضع المنطقة في حال من سباق التسلح ستكلف خزائن آل سعود ومن يسير في ركبهم رهن ثرواتهم النفطية لعقود قادمة، وإبقاء المنطقة في حال من انعدام الأمن والاستقرار وستزيد أجواء العلاقات العربية المتلبدة مع الجوار مزيداً من التوتر والعداء.
كعادتهم، فإن حكام القارة العجوز الذين أوحوا قبيل إعلان الرئيس الأميركي بأنهم مصممون على إنقاذ الاتفاق ونددوا بنقل السفارة الأميركية حتى لو كلفهم ذلك القطيعة مع أميركا، وجدناهم قبل مرور أسبوع على الخطوة الأميركية، يخفضون حدة خطابهم وكاد يتماهى موقفهم مع الموقف الأميركي، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على عدم قدرة أوروبا على الخروج من تحت العباءة الأميركية حتى لو كان ذلك يضر بمصالحهم الوطنية ومصالح شعوبهم، حيث إن ترامب لم يكتف بالاستخفاف باستجداءاتهم بل فرض على الشركات الأوروبية التي عقدت صفقات تجارية مع إيران الالتزام بالعقوبات الأميركية وهذا يعني خسائر بمليارات الدولارات لتلك الشركات.
قد لا يجرؤ ترامب على فتح حرب مع إيران لعلمه أن ذلك سيكلفه كثيراً، حيث ستكون قواعده ومصالحه في الخليج أهدافاً سهلة لطهران، وكذلك فإن القوة الأميركية المتواجدة في منطقتنا غير قادرة بالفعل على مواجهة إيران، ونتيجة أي حرب ستكون محسومة لصالح الأخيرة، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية ستحاول إبقاء المنطقة في حال من اللاسلم واللاحرب وهذا ما يريده التاجر ترامب لابتزاز الخليج وإبقاء إيران تحت الضغط إرضاء لرئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وآل سعود، وذلك رغم تسريب معلومات عن خطط لـجون بولتون وكبار مسؤولي الأمن القومي في البيت الأبيض الذين يعيدون تشكيل السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران من خلال «تغيير النظام» إلا أن ذلك لا يعدو عن كونه بروباغاندا للحصول على مكاسب إضافية.
بالنتيجة فإن الحرب ليست قراراً عقلانياً بالضرورة، وقد حدث كثيراً أن أدى الحمق وسوء التقدير إلى اندلاع مواجهات كبرى، وأما الحرب مع إيران فتُدرك أميركا ومعها «إسرائيل» أنها ليست خياراً هيناً، وتتطلب منهما ومن حلفائها تدبيراً طويل الأمد، دونه صعوبات وإكراهات كبيرة، وهكذا فإن الخطوة الترامبية وضعت أميركا والكيان الصهيوني أمام مأزق معقد للغاية، فلا الحرب المباشرة والمفتوحة ممكنة ولا الانسحاب أيضاً، وبالتالي فإن المشهد في المنطقة لا يزال ضبابياً ويبقى مفتوحاً على جميع الاحتمالات.
الوطن