مفاجآت بالدولار واليورو..السوريون يتلقون يومياً حوالي 5 مليون دولار حوالات خارجية
باتت حوالات المغتربين السوريين إلى ذويهم أحد أبرز موارد الأسر السورية خلال فترة الأزمة، ولاسيما في ظل ارتفاع مستوى التضخم إلى مستويات قياسية، حيث بات مبلغ الـ100 دولار والذي ربما لا يشكل أي عبء للسواد الأكبر من المغتربين رقماً مهماً في حياة السوريين المعيشية كون تقويمه بموجب سعر الصرف الحالي يلامس حاجز الـ50 ألف ليرة، ما يعني أنه أكثر من متوسط دخل موظفي الفئة الأولى البالغ نحو 30 ألف ليرة..!.
وفي ظل عدم الإفصاح الرسمي عن حجم هذه الحوالات يؤكد عدد من الخبراء الذين التقيناهم أن متوسط قيمة الحوالات يتراوح ما بين 3 إلى 4 ملايين دولار يومياً، وقد تصل إلى 9 ملايين أيام المناسبات والأعياد الاجتماعية، وقد تنخفض إلى 1 مليون دولار. وخارج إطار الإفصاح الرسمي أيضاً قدرت بعض مصادر سوق القطع أن قيمة الحوالات الواردة من المغتربين خلال شهر رمضان الماضي والمخصصة حصراً لـ”زكاة الفطر” ضمن سورية نحو 24 يورو، مشيرة إلى أن قيمة زكاة الفطر في أوروبا حددت العام الماضي ما بين 6– 7 يورو عن الشخص، يدفعها نحو 8 ملايين سوري في أوروبا فقط، وبالتالي فإن قيمة زكاة الفطر هي 48 مليون يورو في حال زكى كل شخص بمقدار 6 يورو.
وقدرت المصادر أن نسبة ما تم تحويله من هذه القيمة بالحد الأدنى هي 50%، على اعتبار أن البعض قد يقوم بتوزيع الزكاة في نفس البلد الذي يقيم فيه، وبالتالي فإن قيمة ما تم تحويله من زكاة الفطر من قبل المغتربين إلى ذوي قرباهم والفقراء هو 24 مليون يورو كحد أدنى.. إذاً نحن أمام تدفقات مالية تستحق الدراسة الرسمية من جهة، والمتابعة الدقيقة، خاصة للأقنية المعنية بإيصالها إلى أصحابها من جهة أخرى، وذلك لما لهذه التدفقات من أهمية كبيرة لجهة تحسين الوضع المعيشي للمواطن..!.
لا نتهم
لن نخوض بإشكالية عمل هذه الأقنية والمقصود بها هنا “شركات ومكاتب الصرافة”، ولن نتهمها بارتكابات لا نملك وثائق تؤكدها، ولكن سنتناول شكوى وردت إلىّ من مواطن يدّعي أنه تعرض للغبن لدى استلامه حوالة مالية شخصية قادمة من إحدى الدول الخليجية، إذ استلمها بواقع سعر ناقص 12% تقريباً من قيمتها المرسلة، ولدى محاولته التأكد من أن الرقم الوارد في الإشعار هو الذي سيستلمه أم سيستلم المبلغ حسب سعر تسليم الحوالات الشخصية في المركزي، أكد له مدير صالة الحوالات في الشركة أن المبلغ سيتم تسليمه حسبما جاء في الإشعار فرفض عندها استلامه وتواصل مع مصرف سورية المركزي وتحديداً قسم المؤسسات، ليؤكدوا له أن المبلغ الذي يجب أن يتم تسليمه هو أكبر مما تدعيه الشركة، ليعاود صاحب الشكوى الاتصال بمدير عام شركة الصرافة المعنية ليضعه بصورة ما حصل فأجابه الأخير: إن الشركة التي تم تحويل المبلغ عن طريقها لها قوانينها الخاصة، فهي محظور عليها أن تعمل داخل القطر، لذلك فهي تقوم بإرسال الحوالة عن طريق وسيط مالي في دبي، وبالتالي فإن القضية لا تتعلق مطلقاً بشركة الصرافة المحلية، وإنما بالشركة الأجنبية “ويسترن يونيون” المحظورة في سورية بسبب العقوبات الأمريكية على سورية.
قضية عامة
تعاملنا مع هذه الشكوى كقضية عامة وليست شخصية، إذ يمكن أن يكون هناك عدد من الحالات المشابهة لهذه القضية، وتواصلنا بداية مع مدير شركة الصرافة لمعرفة طبيعة التعاقد مع ويسترن يونيون، وحيثيات هذه المشكلة بالذات، وما إذا كانت هناك حالات مشابهة لها..؟ حيث أكد أنه لا يوجد عقد مباشر مع شركة ويسترن يونيون نتيجة العقوبات المفروضة على سورية أولاً، ولعدم وجود منظومة برامج المايكروسوفت لتحميل برامجها عليها الخاصة بالحوالات ثانياً، موضحاً أن الحوالة عندما تخرج من الدولة الخليجية –وهي مثالنا– تذهب إلى ويسترن يونيون، ومن ثم تحوّل إلى شركة صرافة في دبي “وكيل ويسترن يونيون” التي تحولها بدورها إلى الشركة المحلية، مبيّناً أن الحوالة تصل إلى الأخيرة بالدولار وليس بعملة الدولة التي صدرت منها الحوالة، إذ تقوم ويسترن بتحويل المبلغ إلى دولار وترسله إلى سورية، أي أن عملية التقاص تتم في شركة ويسترن يونيون.
ولدى تواصلنا مع المعنيين في مصرف سورية المركزي بينوا لنا أنه تم الطلب من صاحب الشكوى أن يتقدم بشكوى رسمية إلى المركزي للنظر بها ومعالجتها، وعندما بينّا لهم أننا لا نتواصل معهم بغية معالجة هذه الشكوى بالذات، وإنما نصبو لتناولها كمشكلة عامة وكيفية تعاطي المركزي معها، لم يوضحوا إن كان هناك شكاوى بهذا الخصوص، لكنهم أكدوا أن المركزي يتابع الحوالات الداخلة إلى شركات الصرافة السورية، وأن الأخيرة ملزمة بتصريفها وفق سعر الصرف الصادر عن المركزي.
ختاماً
نود الإشارة إلى أننا لا نشك بكفاءة إدارة مصرف سورية المركزي، سواء ما تقوم به لجهة إدارة حركة الليرة السورية التي دأبت عليها خلال السنوات الأخيرة وساهمت بشكل كبير باستقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أم لجهة متابعتها لحركة السوق ومحاصرة المرتكبين المتاجرين بسعر الصرف، أم لجهة متابعتها لعمل مكاتب وشركات الصرافة، ولكن حساسية الموضوع فرضت نفسها ونأمل أن تتم معالجة مثل هذه الحالات بشكل فوري والتي نعتقد أنها لا تزال بسيطة وربما لا تذكر.
حسن النابلسي- الخبير السوري