رغم حاجتهم لتعلم اللغة لـ لم الشمل.. لماذا يرسب سوريون في اختبارات الاندماج بألمانيا؟
متأسفةً على اعتبارها من بين الراسبين في اختبار الاندماج اللغوي، العام الماضي، تقول سارة (سورية) ومقيمة في برلين، إنها كانت من المتفوقات في تعلم اللغة في البداية، لكن ظروفاً كانت أكبر من اجتهادها في المذاكرة أدت لرسوبها في اختبار الفحص النهائي.
كيف لي أن أجتاز الاختبار وأنا أقضي وقتي بين الاعتناء بطفلي الذي يذهب للمدرسة والتفكير طوال الوقت في طرق لجلب زوجي، الصحفي الملاحق في سوريا، والمهدد من العديد من الجهات، إلى ألمانيا، ومنحي إقامة “الحماية الفرعية” التي تحرمني من ذلك، والتركيز على دراسة اللغة “تتساءل”.
ظروف صعبة تمر بها سارة، دفعتها إلى الاستعجال بالعمل بشكل تطوعي مع برنامج حكومي لمساعدة اللاجئين على الاندماج في سوق العمل والدراسة، تزامن هذا مع انطلاق دروس المرحلة الأخيرة من دورة الاندماج “B1″ في المعهد، ما أدى إلى إصابتها بالإرهاق جراء الدوام في المعهد والعمل التطوعي، وإهمالها الدراسة، وعليه رسبت في الاختبار.
كانت تتمنَّى لو استطاعت الدخول إلى سوق العمل سريعاً، معتقدة أن هذا سيسهل عليها إرسال دعوة لزوجها، الذي لا يزال يقيم في سوريا، الأمر الذي لم يحدث، لاسيما أن الحكومة الألمانية قد منعت لم شمل للحاصلين على هذا النوع من الإقامة، حتى مطلع شهر أغسطس/آب القادم، على أن يتم السماح لـ1000 من الحالات الإنسانية الصعبة بالقدوم شهرياً بعد ذلك.
كانت بحاجة لعلامتين للنجاح
نجحت سارة في الجزء المتعلق بالحوار في الاختبار، وحصلت فيه على (86 علامة من 100)، وكانت بحاجة للنجاح في جزء الكتابة أيضاً، للنجاح في الفحص بأكمله (حققت 14 علامة وكانت بحاجة لعلامتين)، مضيفة أنها تتحدث بشكل جيد الألمانية، لكنها بطيئة بعض الشيء في الكتابة.
خاضت سارة الاختبار لعام الماضي، لكنها لم توفق فيه أيضاً، ما جعل تصنيفها بالرسوب مرتين أمراً صعباً عليها، لافتة إلى أن مديرتها في عملها التطوعي أخبرتها أنها تتحدث الألمانية بشكل جيد، وتقوم بالمراسلات دون أخطاء قواعدية.
إلا أنها تستدرك بالقول إنها على الرغم مما حدث، لم تندم لاحقاً في حضور 300 ساعة إضافية، لأنها عوضت ما فاتها خلال الشهرين الذين عملت فيهما من دروس وتدريب على طريقة تقديم الفحص، ناصحة من هم في مثل ظروفها بعدم التعجل والبحث عن العمل، بل الانتهاء من دورات اللغة في البداية، مشيرة إلى أنها ستقوم بإنهاء المرحلة التالية أيضاً “B2″ قبل البحث عن العمل. ولفتت إلى أن البعض من معارفها لاقى صعوبات كبيرة وفشل في تجاوز فحص المرحلة التالية “B2″ بعد نجاحهم في فحص الاندماج “B1″.
يأتي فحص الاندماج في جانبه اللغوي في نهاية دورة الاندماج (الممتدة لقرابة 600 ساعة دراسية لغوية و100 ساعة دورة توجيهية)، بمثابة اختبار للاجئين القادمين للبلاد، الذين يُتوقع بقاؤهم فترة طويلة فيها، للنظر فيما إذا ما باتوا قادرين على تدبر أمورهم الحياتية باللغة الجديدة التي تعلموها، وقطعوا خطوة أولى نحو العثور على عمل ومكان لهم في المجتمع.
نصف المتقدمين العام الماضي رسبوا في الفحص!
ولا يعد الوضع الذي مرت به سارة استثنائياً، إذ عجز أكثر من نصف المتقدمين في العام 2017 عن الوصول إلى مستوى “B1″ (الثالث من بين 6 مستويات)” والنجاح في الفحص، بحسب إحصائية نشرتها صحيفة “فرانكفورتر ألغماينه زونتاغتسايتونغ”، نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، معتمدة على بيانات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.
وبحسب الصحيفة، شارك 339.578 شخصاً العام الماضي في دورات الاندماج، لكن 157.289 فقط منهم تقدموا للفحص اللغوي لاحقاً
المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين أورد عدداً من الأسباب لعدم استطاعة البعض تجاوز الاختبارات، من بينها مرض الممتحنين، أو جهودهم في العثور على عمل، أو الانتقال إلى مكان آخر.
أما النسبة البسيطة لعدد الناجحين، فأعاده مدرسو اللغة إلى غياب ثقافة التعلم عند البعض، وإلى كون الكثير من اللاجئين ما زالوا في حالة صدمة، إلى جانب تغيب عدد كبير منهم حضور دروس تعلم اللغة.
ظروف صعبة تعوق تعلم اللاجئين.. خاصة النساء
شاركت عدة سيدات وجهات نظرهن في المشكلات التي يعاني منها اللاجئون في تعلم الألمانية، من خلال تجاربهن في مساعدة اللاجئين، وذلك على منشور للمصور الصحفي لوتز جيكل، الذي عبر عن قلقه من نسبة الرسوب تلك، رغم الانطباع الإيجابي الذي تكون لديه عن الأمر، جراء مشاهدته سوريين يتحدثون الألمانية بشكل جيد بعد مرور عام أو عامين من وصولهم لألمانيا.
فقالت بيترا بيكر، المترجمة الألمانية ومديرة مشروع “باك أون تراك” الهادف لمساعدة الأطفال واليافعين المنقطعين عن الدراسة لفترات طويلة بسبب الحرب والنزوح، إنها تعمل مع الكثير من السوريين الفارين من بلادهم، وتعرف البعض من الذين لا يحرزون تقدماً رغم أنهم يرغبون بشدة في التعلم، فيجلسون في قاعات دراسة اللغة ولا يفهمون شيئاً، لأن أموراً أخرى تدور باستمرار في مخيلتهم، مثل “كيف يمكنني لم شمل أسرتي بشكل أسرع؟”، “كيف يمكنني جني المال، لأن عائلتي في سوريا أو في مكان آخر بحاجة للنفقات؟ كيف أجد شقة؟ حصلت على الحماية الفرعية فحسب، هل سيتم ترحيلي؟”.
وأرجعت بعض المعلقات على المنشور ذلك إلى ضعف في التواصل بين الألمان واللاجئين، وندرة الوقت التي يقضيه المتعلمون مع السكان المحليين، مشيرين إلى أن الكثيرين يجلسون في غرفهم في البيت أو مراكز إيواء اللاجئين دون تواصل مع محيطهم.
وقالت كلاوديا (إحدى المعلقات) إنها تتواصل على نطاق واسع بحكم عملها مع اللاجئين السوريين، وأن الكثيرين منهم تعلم اللغة بسرعة وهذا أمر رائع، فيما يجد آخرون صعوبة، لأن الجميع ليس لديه الموهبة في تعلم لغة جديدة، مضيفة أن ما لفت نظرها كيف أن الكثير من السيدات لا يستطعن حتى بعد مرور عدة أعوام من وجودهن في ألمانيا التفاهم بلغة البلد، لذا يجلبون معهن أولادهن للترجمة، ما تراه أمراً مؤسفاً ومحزناً.
وتحدثت أخرى، عن الصعوبات التي تواجه السيدات اللواتي لديهن أطفال على نحو خاص، كحاجتهن لتأمين مَن يتكفل برعاية الأطفال في الوقت الذي تكون فيه في مدرسة اللغة.
“قلة الحصص الدرسية سبب رئيسي للرسوب”
الدكتور أودو هوزمان المدير في معهد “بيلدونغسفيرآين”، أحد أكبر مؤسسات تعليم اللغة في مدينة هانوفر الألمانية، اعتبر من جانبه لدى سؤال عربي بوست عن أهم مسببات الرسوب، أن المشكلة الأساسية تكمن في أن 600 ساعة دراسية تعد بالنسبة لقسم كبير من المشاركين في القسم اللغوي من دورات الاندماج قليلاً، لذا لا ينجح البعض في تجاوز فحص “B1″ في المرة الأولى، مشيراً إلى أنه وحتى بعد حضور الـ300 ساعة إضافية التي يوفرها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين لا ينجح البعض في الفحص.
واعتبر أن العامل الثاني الذي يلعب دوراً بارزاً في عدم تحقيق النتيجة المطلوبة يتمثل في إمكانات المتعلمين، فقال إن هناك أشخاصاً من بين المشاركين في الدورات غير معتادين على التعلم، أما الأكثر تعقيداً بحسب تقديره فهم الأشخاص الأميون، الذين قد يستغرب المرء في حال تمكنهم من بلوغ مستوى “B1″ بعد إنهائهم حضور 1200 ساعة دراسية مخصصة لهم.
وأوضح أنه إذا ما تصورنا أن الألمان أرادوا تعلم العربية، فإنه يضمن بأن أقلية منهم فقط ستتمكن من تحقيق المستوى الثالث من اللغة “B1″ بعد هذا العدد من الساعات الدراسية، في إشارة إلى اختلاف الكتابة بين اللغتين.
ولم يتفق “هوزمان” في حديثه مع عربي بوست مع قول متخصصين لغويين، بأن عدم وجود حافز يلعب دوراً بارزاً في رسوب المتقدمين أيضاً، مؤكداً أنه لا يرغب في إطلاق تعميمات، رغم تأكيده، وفقاً لتجربته، وجود بعض الحالات الفردية التي يغيب فيها المشاركون عن الحضور أو لا يؤدون واجباتهم البيتية.
وفيما إذا كان الناطقون بالعربية يلاقون صعوبات أكبر في التعلم من نظرائهم في أوروبا مثلاً، رد “هوزمان” بتأكيد ذلك، لكنه استدرك قائلاً إنهم ليسوا الوحيدين، فالناطقون بالصينية أو الروسية لديهم الصعوبات ذاتها، في وقت يُرجح نجاح المتحدثين بالإنكليزية في التعلّم.
نسبة الرسوب غير مفاجئة
وفيما إذا كان رسوب نصف المتقدمين تقريباً العام الماضي على صعيد ألمانيا أمراً مفاجئاً له، قال هوزمان إن ذلك لم يفاجئه، مضيفاً أن نسبة النجاح في مؤسستهم وإن كانت مقبولة تتراوح بين 60% إلى 65%، إلا أن النسبة أقل في مناطق أخرى.
وأشار إلى أنه ينبغي الانتباه إلى أن فحص الاندماج اللغوي المسمى “الألمانية للمهاجرين B1″ أسهل من امتحان مؤسسات كـ”غوته”. وأوضح أن الفحص يضم عدة عناصر هي (الاستماع والقراءة) والكتابة والحوار، وأنه يشترط الوصول إلى مستوى “B1” في الحوار فقط، وهكذا قد يحصل أحدهم على مستوى “B1” في الحوار فقط ومستوى أقل من A2 (المستوى الثاني) في أحد القسمين الباقيين، ومع ذلك يعتبر من الناجحين في فحص الاندماج اللغوي، في حين تشترط “غوته” النجاح في كافة العناصر المذكورة.
ويُرجع الاعتماد على هذا الفحص السهل نسبياً، إلى عدم رغبة المكتب الاتحادي للاجئين في إنفاق المزيد من المال على دروس اللغة، مبيّنين أن هناك أعداد كبيرة تستطيع تجاوز الاختبارات دون جهد أكبر.
عربي بوست