حكاية نصر من الغوطة الشرقية، الجندي أحمد
محمد كحيلة
مضى أكثر شهر على تحرير الجيش السوري لكامل الغوطة الشرقية من أخطر التنظيمات الإرهابية التي هددت وقصفت العاصمة وارتكبت أبشع الجرائم بحق المواطنين على مدار سبع سنوات متتالية.
لهذا الإنجاز العظيم رجالٌ أشداء وضعوا تحرير الغوطة وتأمين العاصمة والقضاء على الإرهاب أهدافاً ثابتة لا يمكن تبديلها مهما اشتدت الظروف، وهو ما كان فالغوطة الشرقية حررت بدماء الشهداء والجرحى وعزم رفاقهم من جنود الجيش السوري.
الجندي “أحمد” أحد مقاتلي قوات الحرس الجمهوري الذي رابط وحارب لـ 5 سنوات على أرض الغوطة الشرقية، روى لـ دمشق الآن بعض الأحداث التي مر بها في فترة تواجده على خطوط التماس، يقول أحمد: “بعد انقضاء فترة “النقاهة” إثر إصابتي بمعارك مدينة حلب توجهت من بلدتي في محافظة اللاذقية إلى مقر كتيبتي في جبل قاسيون بدمشق بالشهر الأول من عام 2013 م، وماهي إلا أيام قليلة حتى كلفت كتيبتي بمهمة لصد الجماعات الإرهابية التي سيطرت بشكل مفاجئ على حي جوبر شرق دمشق، وتمكنا من صد الإرهابيين وإخراجهم من ساحة العباسيين والكتل المحيطة بها ونقلنا المعركة إلى وسط حي جوبر، لأتلقى طلقاً نارياً في جسدي أبعدني عن الميدان لأربعة أشهر قضيتها في منزلي بريف اللاذقية”.
وكانت المعارك على أشدها آنذاك بين الجيش السوري والجماعات الإرهابية في مدينة “داريا” بالغوطة الغربية ونقل أحمد ورفاقه بعد تماثله للشفاء وعودته للقتال إلى جبهة الفصول الأربعة ليخوضوا أشرس المعارك لمدة خمسة أشهر قبل نقلهم إلى “ساتر العتيبة” في الغوطة الشرقية بعد صد الجيش السوري لهجوم موسع من الإرهابيين القادمين من الحدود الإردنية- السورية في العام 2014 وأنشأ ساتر ترابي كبير على حدود الغوطة الشرقية مع البادية الشامية.
يقول أحمد “قضينا سنة ونصف على ذلك الساتر اللعين، هنا لا يوجد خضار ولا ماء ولا كهرباء ولا حتى شبكة للهاتف النقال، أنا ابن ريف اللاذقية يجب أن أرى أشجاراً وعشباً وماءً، خضنا عدة معارك مع الإرهابيين ونفذنا بهم عدة كمائن ومن لم يسمع بكمين العتيبة الشهير، قتلناهم جميعهم نعم جميعهم”.
نقل الجيش السوري في صيف العام 2016 عملياته العسكرية إلى القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية وكان أحمد ورفاقه أحد التشكيلات التي نقلت لخوض المعركة وسيطر حينها الجيش السوري على كامل القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية محرراً 14 بلدة وقرية في وقت قياسي، يقول أحمد “ثبتنا في بلدة دير سلمان لفترة قصيرة لتوكل لنا بعدها مهمة مهاجمة الإرهابيين في بلدة البلالية وتطهيرها وتمكنا من السيطرة عليها خلال ثلاث ساعات بمعركة ليلية خاطفة انكسر الإرهابيون على إثرها واندحروا إلى بلدة النشابية”
وتقدم الجيش السوري في المزارع المحيطة لبلدة البلالية وحرر بعدها القسم الشرقي من الغوطة الشرقية وسيطر على أخر مناطق الدعم اللوجستي للجماعات الإرهابية وهي بلدة “ميدعا” إذ كان الإرهابيون يستخدمونها لتهريب الأسلحة والذخيرة والإمداد من القلمون الشرقي حينها، وكان لأحمد وزملائه شرف المشاركة في هذه المعركة قبل إرجاعهم إلى نقاطهم في بلدة محيط بلدة النشابية.
يقول أحمد “كنت أنا ورفاقي نرابط في المزارع المشتركة بين بلدتي النشابية والبلالية على مدار سنتين خضنا خلالها عشرات المعارك مع الإرهابيين وتصدينا لجميع تسللاتهم وقتلنا العشرات منهم وصادرنا أسلحتهم ولم نتزحزح متراً واحداً بل كنا نتقدم كلما سنحت لنا الفرصة، حتى بدون الرجوع إلى القيادة ونعلم أنها مخالفة للتعليمات العسكرية”.
عند بدء الجيش السوري لعملية الغوطة الشرقية الأخيرة (الكبرى) كان أحمد ورفاقه مازالوا يرابطون في المزارع المشتركة بين البلالية والنشابية وأوكلت لهم مهمة التقدم ومهاجمة الإرهابيين في النشابية، وبالفعل تم اقتحام خطوط الإرهابيين والسيطرة على البلدة والمتابعة إلى البلدات المجاورة وصولاً إلى بلدة المحمدية، وتحدث أحمد “هذه المرة لم يكن التمهيد الجوي والمدفعي والصاروخي كما عهدناه سابقاً، إنها جهنم فتحت أبوابها على الإرهابيين، لم أرَ مثل هذه القوة والدقة في ضرب نقاط الإرهابيين سابقاً، تقدمنا من المزارع وسيطرنا على بلدة النشابية، نعم إنها بلدة النشابية التي رابطنا على تخومها لسنوات، أين المسلحين؟ (وين العاملين حالن زلم؟)، لقد فروا لم يقاوموا، لم يتمكنوا من المقاومة، الشيء الوحيد الجيد هو التقاط صورة تذكارية أمام جامع النشابية الكبير وهذا ما فعلناه”.
وتابع حينها الجيش السوري عملياته الهجومية على مواقع الإرهابيين وسيطر على بلدات حزرما والزريقة وحوش الفضائية وبيت نايم وكانت وحدات أخرى من الجيش السوري قد وصلت من المحور الشرقي للغوطة الشرقية إلى بلدة أوتايا وحررتها انطلاقاً من كتيبة البيتشورة بعد سيطرتها على بلدات حوش الضواهرة والرحبة 274، وتوجهت وحدات من الجيش السوري من بينها كتيبة الجندي أحمد ورفاقه لتحرير بلدة ومزارع المحمدية، يقول أحمد “تحركنا فجراً في المزارع ووصلنا إلى أطراف بلدة المحمدية لنخوض أشرس المعارك مع الإرهابيين، ونتمكن من دحرهم والقضاء على العشرات منهم في شوارع البلدة، وبعد إنجاز المهمة لم يتبقَ سوى تدخين سيجارة النصر والصورة التذكارية مع الرفاق أمام أحد معالم البلدة وهي مدرسة المحمدية للتعليم الأساسي”.
وأثناء تقدم القوات في المزارع المحيطة ببلدة المحمدية باتجاه بلدة الأفتريس أصيب الجندي أحمد بشظية هاون أطلقها الإرهابيون لتنهي مسيرته القتالية على أرض الغوطة الشرقية وتم نقله إلى المستشفى ومنها إلى قريته في ريف اللاذقية وليتولى رفاقه في الجيش السوري إتمام المهمة وتحرير مزارع المحمدية والأفتريس وجسرين وحمورية وكفربطنا وعين ترما وكامل القطاع الأوسط والغوطة الشرقية، يقول أحمد “أصبت بشظية هاون في ظهري أثناء التقدم بعد معركة كبيرة مع الإرهابيين، قتلنا يومها مجموعة كاملة للإرهابيين واحتفظت بمسبحة قائدهم وخاطبته وهو ميت: هذه المسبحة ليس مكانها بين يديك، والآن شفيت بشكل كامل والحمد لله والتحقت برفاقي وأصدقائي ونحن في مقر كتيبتنا نتدرب ونتجهز للمهمة القادمة”.
عندما نتكلم عن جندي أو مجموعة من رجال الجيش السوري وماقدموه في أرض المعركة كأننا تكلمنا عن جميع جنود الجيش السوري ولكن لكل منهم قصته ومسيرته القتالية والبطولية، فطوبى لرجال الجيش العربي السوري.
المصدر: دمشق الآن