الخدعة الكبرى.. هكذا خدع زعيم كوريا الشمالية ترامب و مرغ أنفه بالتراب
لا نَعتقِد أنّ كيم جونغ أون سَيكون حَزينًا بعد تَلقِّيه أنباء إلغاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للِقاء القِمَّة الذي كان سَيَجمعُهما في سنغافورة يوم 12 حزيران (يونيو) المُقبِل، بَل في قِمَّة السَّعادة، لسَببٍ بسيط لأنّه لا يُريد أن يَركَع، ويتنازَل، عن ترسانَتِه النوويّة وِفق الشُّروط الأمريكيّة، ويَجعَل من نِظامِه، وبِلادِه، لُقمَةً سائِغة لأي عُدوانٍ أمريكيّ.
ترامب قال مُخاطِبًا الرئيس الكوريّ الشِّماليّ أنّ الإلغاء “جاءَ بسبب الغَضَب الهائِل، والعُدوانيّة الصَّريحة التي ظَهرت في آخر تصريحاتِكُم، وأشعر أنّه من غير المُلائِم عَقد هذا اللِّقاء”، فهل يُريد الرئيس كيم سَبَبًا آخَر أفضَل من هذا؟
الرئيس كيم هو الذي بادَر باستفزاز الرئيس الأمريكي لإلغاء هذا اللِّقاء عندما أبدى غَضبًا شديدُا من جرّاء المُناورات العسكريّة الأمريكيّة الكوريّة الجنوبيّة المُشتَركة التي اعتبرها تَعكِس نوايا عُدوانيّة أمريكيّة.
نَجزِم بأنّ الرئيس كيم لم يُرِد هذهِ القِمّة مع الرئيس ترامب في الأساس، ومارَس كل أنواع “المُناوَرة” عندما أوعَز برغبَتِه في لقاء نَظيره الأمريكيّ، من زاويةِ اللَّعِب بأعصابِه، وإظهارِه، أي ترامب، بالرَّجُل الضَّعيف الذي يَسعى للقاءِ نَظيره الكُوريّ وليس العَكس.
مُحلِّلة وكاتِبة بريطانيّة استراتيجيّة يمينيّة التقت بها “رأي اليوم” قبل أُسبوعَين في برنامَجٍ تلفزيونيّ، أبدَت إعجابًا لافِتًا بِدَهاء الرئيس الكوري، وتَوقَّعت إلغاء هذهِ القِمّة، وقالت أنّه استطاع أن يُوقِع الرئيس ترامب في مِصيَدة دَهائِه ببراعةٍ لافِتة، وأثْبَتت الأيّام صِدق تَوقُّعاتِها وتَوقُّعاتِنا أيضًا.
الرئيس كيم دعا صحافيين ومُراقبين من روسيا والصين وكوريا الجنوبيّة وبِريطانيا وفرنسا إلى حُضور “حفل” تَفكيك موقِع بلادِه للتَّجارِب النوويّة الذي أقامه اليوم الخميس، كبادِرَة حُسن نيّة، ولكن المُراقبين والخُبراء قالوا أنّ هذا المَوقِع أصبَح غير صالِح للعمل بعد استخدامِه في سِت تجارِب نوويّة، ويُمكِن إعادة بنائِه مُجدَّدًا في فَترةٍ قصيرة إذا تطلَّب الأمْر، ولم يَتعَدَّ الأمر مُظاهَرةً إعلاميّةً حَصَدَ ثِمارها في نِهايَة المَطاف.
مايك بومبيو علَّل أسباب إلغاء رئيسه لللِّقاء بأنّه يعود إلى عدم إجابة حكومة كوريا الشِّماليّة لعَددٍ من الأسئلة حول برنامَجِها النَّووي، وهذا الأُسلوب، أي طَرح أسئلة وانتظار إجابات عليها، يَعكِس كل أنواع الغَطرسة والاستعلاء الأمريكيين، وعَدم المَعرفة بالخُصوم والتَّقليل من قِيمَتهم وها هُم يَحصِدون ثَمن هذا الغَباء.
كيم جونغ أون “أذلَّ” الرئيس الأمريكي وصَغَّر من حَجمِه ومَكانَتِه، ودفعه إلى اتِّخاذ قرارِ الإلغاء الذي كان يَتطلَّع إليه، لأنّه وبكُل بساطة لم يَكُن ينوي مُطلًقًا تسليم أسلحته النوويّة وصواريخِه الباليستيّة، ويَقِف عارِيًا في مُواجَهة أمريكا مُقابَل رفع العُقوبات، وحِفنَةً من الأرز.
فكيف يُمكِن أن يَثِق الرئيس كيم بالرئيس ترامب وهو لم يحترِم توقيع بلاده على الاتِّفاق النووي مع إيران، تمامًا مِثلما فعل رؤساء أمريكان قبله، مِثل جورج بوش الابن، عندما غزا العِراق واحتلَّه رغم فتح خزائِن بلاده وقُصورِها أمام المُفتِّشين الدَّوليين، والثاني، باراك أوباما عندما نَقَض العهد وأعطى الضُّوء الأخضَر لتَدمير ليبيا وتغيير نِظامِها، ثم نَدِم في آخر أيّام وِلايَته ولكن بعد فَوات الأوان.
ترامب يُريد نَزع كامِل الأسلحة النوويّة الكُوريّة الشِّماليّة بشكل يُمكن التَّحقق منه، والتَّأكُّد من عدم العَودةِ إليها، وهذا ما لم يَكُن أن يقبل به الرئيس كيم، لأنّه يَحترِم نفسه ويتمسَّك بكرامَتِه وكرامَة بلاده، فإذا كانت مُفاوضات إيران مع الدُّول السِّت الكُبرى حول تَخصيب محدود لليورانيوم وليس الرؤوس النوويّة استغرقت خمس سنوات، فهل يعتقد ترامب أنّه سيَنجَح في نزع الأسلحة النوويّة الكوريّة الشِّماليّة في قِمّة تَسْتَغرِق ساعةً أو إثنَتين؟
إلغاء اللِّقاء سيُعيد لكوريا الشِّماليّة كِبريائها، وسيُحافِظ على دِرعها النَّوويّ الصَّاروخيّ، ويُقَزِّم في الوقت نفسه الرئيس ترامب ويُمَرمِغ أنفه في التُّراب خاصَّةً في هذا الوَقت الذي اعتقد أنّه سيُرسِل من خِلالِه، أي اللقاء، رسالةَ تحذيرٍ إلى إيران، فارتدَّ مَكرهُ عَليه.
كثيرون يَشكُرون للرئيس الكوري الشِّمالي، وفي أكثر من مكانٍ في العالم، على هذهِ المَواقِف الرُّجوليّة التي أذلَّت ترامب، وأكَّدت أنّ هُناك من يقول “لا” كبيرة لغُرورِه وغَطرسَتِه، ونحن أوَّلُهُم.
“رأي اليوم”