الأربعاء , نوفمبر 27 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

تميمة تدمريّة على عرف ديك الحبشي الرومي

تميمة تدمريّة على عرف ديك الحبشي الرومي

أسد زيتون

في دراسته القيّمة : ( مقاربة فكرية – تاريخية لروحية وخصائص حضارة المشرق العربي القديم – تدمر نموذجاً ) كتب الدكتور بشار خليف :
عام 129م يزور تدمر الامبراطور أدريان ويمنح تدمر لقب : (المدينة الحرّة ) وهذا ما أعفاها من دفع الضرائب للخزينة الامبراطورية وبالتالي شكّل دفعاً قويّاً لاقتصاد تدمر التجاري .
ويذكر هنا أنّ أدريان وضع حاكماً تدمرياً على البحرين , وسلّمَ مُدنا أخرى ليحكمها تدمريون , وهذا يدلّ على سعة الحيوية والانتشار التدمري والإثبات الحضاري لتدمر .)
وينقل الدكتور خليف عن الدكتور الشهيد خالد الأسعد في الدراسة ذاتها : ( أصبحت تدمر مركزاً تجاريا هامّاً , لا بل عاصمة التجارة الدولية في العالم كلّه بين الشرق الذي كان صناعياً , والغرب الذي كان زراعيّاً . )
والتحليل الصحيح والسليم لهذه المعلومات المستقاة من النقوش الأثرية له معنى واحد فقط , وهو أنّ تدمر في ذلك العصر كانت العاصمة السياسية والعسكرية لروما التي كانت عاصمتها الدينية في أنطاكيا حيث كنيسة بطرس وجبل الحجّ والنهر المقدس (العاصي) الذي يتحدّث الشاعر الروماني الشهير في ذلك العصر : جوفينال ( ديسيموس يونيوس يوفيناليوس ) عن فيضانه الذي غمر نهر التيبر (نهر روما المقدسة ) , وما تزال مقولة هذا الشاعر (لقد فاض نهر العاصي وغمر نهر التيبر) مثلا يتداوله أهل روما ويقتبسه الأدباء في أعمالهم حتى اليوم …
والحديث عن تدمر وأنطاكيا التي ما تزال تنتسب إليها كنائس المشرق القديم على اختلافها منذ ما قبل نشوء الامبراطورية الرومانية , فإنّه كالحديث عن آشور العظيمة وبابل المقدسة في عصور آشوريا العظمى …
وكالمناذرة للفرثيين والغساسنة للرومان كذلك كان من قبلهم أهل الحضر (عربايا) للفرثيين وأهل تدمر (مدينة النخيل) للرومان …
وتغيير العواصم أمر معروف ومشهور ومثبت تاريخيا , فالعباسيون مثلا تنقلوا بين عاصم عدة منها سامراء والرقة ودمشق والقاهرة …
بهذا المعنى فإنه يبدو أمرا طبيعياً أن يقوم الامبراطور أدريان ولاة تدمريين على المدن , وكذلك فإنه من الطبيعي أن يكون لتدمر موانئ في الخليج وفي أسوان بمصر وأن يكون لها قلاع وحصون عسكرية كحلبية وزلبية على الفرات , وأن يكون لها مراكز تجارية في شتى أرجاء العالم ويكون تجارها هم تجار الهند كما هو مذكور في الدراسة آنفة الذكر …
ومن الطبيعي والبديهي أيضاً أنّ هذه العاصمة العالمية قد اتخذت اسم المدينة الحرّة وأن لا تدفع الضرائب لأحد وإنما أن تجبي الضرائب إليها في عصر الامبراطور أدريان , سيّما إذا علمنا أن صفة (الحرّة) التي توشحت بها هذه المدينة تسمّى في اليونانية ( Δωρεάν : دوريان : Doreán ) فهي مدينة أدوريان : المدينة الحرّة …
فما بالكم بمشاعر ومناسك ديك الحبش الرومي ليلة الميلاد إذا كان ما بين أذينة وأورليان كما هو الحال ما بين صفة الحرة وأدريان , وأن منصب الحاجب الذي اتخذه الخلفاء الأمويون والعباسيون دون قصورهم لم يكن سوى تعريب لاسم أذينة اشتقاقا من الأذن (إعطاء الأذن) والذي يعبر اللاتينة بهيئة (auris : آوريس) ويدخل بلاد الفرنجة بهيئة ( Oreille : أوريلي ) ومنه اسم الفاعل بإضافة (an) ليغدو (أورليان) …
لا ريب في أنها ستكون تميمة تدمريّة مقدسة على عرف ديك الميلاد , سيّما وأنّ إله الشمس الحمصي هو من كان وراء فيضان العاصي الذي غمر تيبر روما المقدسة ووهبها الرحم الذي أنجب أباطرتها العظماء , ولكن يبقى أن نتمعن جيّدا وطويلاً بحقيقة أن يكون الشرق صناعيا والغرب زراعيا في تلك العصور التي كانت فيها تدمر درّة تاج العالم وسيدته الحرّة وواحة نخيله المقدس ؟!!!