القانون رقم 10 شغل العالم: أوهام وحقائق هامة
فراس الشوفي
حوّلت المعارضة السورية في الخارج القانون رقم 10 الذي أصدره الرئيس بشار الأسد لتنظيم المناطق العشوائية إلى شرٍّ مطلق، في محاولة لتحريض دول أوروبا الغربية على سوريا بعد تحوّلات بدأت تطرأ على علاقة هذه الدول بسوريا وهزيمة المعارضة المسلحة. القانون لا يصادر أراضي السوريين بل يحفظ حقوقهم
كعادتها، شنّت المعارضة السورية ووسائل الإعلام الغربية والعربية الداعمة لها، حملة تشويه ممنهجة للقانون رقم 10، الذي أصدره الرئيس بشار الأسد مطلع شهر نيسان الماضي، بعد إقراره في مجلس الشعب السوري منتصف آذار. ويقضي القانون بجواز «إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، وذلك بمرسوم بناء على اقتراح وزير الإدارة المحلية وتعديل بعض مواد المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012».
ولم يكن لبنان استثناءً في حملة التشويه. إذ سرعان ما حوّل حزب القوات اللبنانية القانون المذكور إلى فزّاعةً للنازحين السوريين في لبنان وللبنانيين خلال الأسبوعين الأخيرين، قبل أن يدخل القانون في البازار الداخلي، بين حزبي القوات والتيار الوطني الحر.
في دمشق، يستغرب أكثر من مسؤول سوري، كيف يمكن للبنانيين أن يُنَظِّروا حول قانون داخلي يخصّ السوريين والدولة السورية وحدها، وله جذور قانونية تعود إلى العام 1931، من دون دراسة قانونية علمية تسمح بتقييم انعكاسه على النازحين السوريين في لبنان والخارج؟
لكن هؤلاء، وفي ظلّ التعافي الذي بدأ ينعكس على دمشق مع خروج آخر الإرهابيين من محيطها القريب في الحجر الأسود ومخيّم اليرموك، يدركون خلفية الحملة الممنهجة التي تشنها المعارضة وداعميها.
أوّلاً، تزامن صدور القانون مع وصول عمليات الجيش إلى ذروتها في الغوطة وإلحاق الهزيمة بمسلّحي الريف الدمشقي. إنها المرّة الأولى التي يسلّم فيها الغرب لحتميّة الخسارة، فحوّل «كيميائي دوما» المختلق إلى قضيّة، بدل التركيز على تقدّم الجيش العسكري، ما أوقع المعارضين في إحباط ليس له مثيل منذ بدء الأزمة السورية. ثانياً، يلمس معارضو الخارج التحوّل بالمزاج الأوروبي تحديداً، حيال الدولة السورية والأسد، وارتفاع الأصوات داخل إدارات دول أوروبا الغربية تحديداً، المطالِبة بإعادة فتح خطوط الاتصال مع دمشق بعد المكاسب الميدانية للجيش وسقوط الرهانات العسكرية نهائياً، والاستفاقة المتأخرة لانعكاس أزمات اللجوء على هذه الدول. فما إن صدر القانون، حتّى انبرت مجموعة من محرّكي المعارضة إلى «دبّ الصوت» في بعض دوائر قرار أوروبا الغربية، وتصوير القانون على أنه «سرقة لممتلكات اللاجئين وخطة لتغيير ديموغرافي»، ستكون سبباً لبقاء مئات آلاف اللاجئين السوريين في أوروبا. في ألمانيا مثلاً، التي تفكر بجديّة حول كيفية إعادة حوالى 200 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم، على الأقل في مرحلة أولى، خاض المعارضون فيها حملة تحريض هائلة ضد الحكومة السورية، ما دفع بالمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل إلى إطلاق تصريحات ضد الحكومة السورية على خلفية القانون. ولدى استفسار الجانب الألماني عبر الخطوط الخلفية عن حقيقة ما تروّجه المعارضة السورية حيال القانون، أوضح السوريون حقيقة الأمر، ثم عاد الأسد وأوضح في مقابلته مع جريدة «كاثيمرني» اليونانية، بأن القانون «يهدف إلى المساعدة في إعادة تنظيم المناطق المدمرة والمناطق العشوائية»، وأن ذلك يكون عبر «الإدارة المحلية والهيئات المنتخبة في المناطق».
وأمام الضّجة التي يثيرها القانون، ينبغي إيضاح عددٍ من النقاط التي تساعد في فهمه وخلفياته، والأهم نيّة الدولة السورية حيال النازحين السوريين في لبنان، واللاجئين في الدول الأخرى.
لا تبقى الدولة حين تسقط في امتحان الحفاظ على الملكيات الفردية وعلى الملك العام. وهذا الصراع بالذات، كان جزءاً أساسياً من الحرب بين الجيش والمسلّحين الذي عملوا على التهجير الممنهج وإحداث شرخ ديموغرافي مذهبي في البلاد، ومصادرة أملاك معارضيهم والتدمير الممنهج لأملاك الدولة والملك العام والخاص، من الحقول والمصانع والإدارات الرسمية، فضلاً عن تنفيذ أعمال سرقة معامل ومصانع حلب لمصلحة الاحتلال التركي في الشمال السوري.
وفيما عمل المسلحون على قطع الخدمات العامة عن السكان وتخريب شبكات الكهرباء والمياه والهاتف، حرصت الدولة طوال فترة الحرب على الإبقاء على خدماتها الأساسية في المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين، وبدأت ورشات تأهيل المناطق المحرّرة حديثاً بما تيسّر للحفاظ على حاجات السّكان، وما ورشات إعادة الكهرباء إلى الغوطة سوى دليل على ذلك. وهذا يتواءم مع المساعي التي بذلها المفاوضون السوريون مع أهالي المناطق التي كان يحتلها المسلحون، بحيث سعوا إلى إبقاء العدد الأكبر من الأهالي في بيوتهم، ولم توفّر جهداً في الحوار مع المسلحين وعائلاتهم بغية التقليل من أعداد الخارجين إلى إدلب والمناطق الأخرى في الشمال السوري، بينما سعى المسلحون إلى إجبار البعض على الخروج معهم عنوةً.
وطوال فترة الأزمة، لم تلجأ الدولة إلى سياسة «المصادرة القانونية» لأملاك المعارضين، وما حصل من مصادرة بعض الأملاك لمصلحة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لم يتحوّل إلى مصادرة رسمية على الورق، ولا يزال المعارضون المسلحون، حتى أولئك الذين أدينوا في محكمة الإرهاب، يملكون ممتلكاتهم في السجلات العقارية، والدستور كفيل بحفظ حقوقهم، مع أن القانون يخوّل الدولة حرمان هؤلاء من هذا النوع من الحقوق إذا أدينوا بجرائم الإرهاب وجرائم أخرى. وعلى سبيل المثال، لم تضع الدولة يدها على منزل الإرهابي أحمد الشرع، (أبو محمد الجولاني) أمير «جبهة النصرة» في منطقة المزة، ولا على بقالة والده هناك. ويمكن القول إن مصادرة الدولة لمنزل الرئيس سعد الحريري، كان استثناءً، والسبب هو قانون تملّك الأجانب، إذ إن الرئيس رفيق الحريري اشترى المنزل بصفته مواطناً سعودياً، ولم يقم الورثة طوال 12 عاماً بالحضور لاتمام إجراءات الميراث، علماً بأنه جرى إبلاغ الحريري الابن قانونياً بذلك. حتى منزل نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدّام، لم تقم الحكومة السورية بمصادرته، إنّما وضعت المصارف يدها عليه، مع تراكم فواتير الكهرباء والضرائب، وهو الآن يخضع لحراسة الحارس القضائي.
مهل طويلة أمام أصحاب الحقوق
وبالعودة إلى نص القانون، لم ترد ولو لمرّة واحدة كلمتا استملاك أو استيلاء في نص القانون رقم 10. وإن كان ثمّة التباس في القانون، فهو عدم نشر الأسباب الموجبة لإصداره، والتي تعمل الجهات المعنية على نشرها قريباً. وتتمحور روح القانون حول المرسوم التشريعي رقم 66 الصادر في العام 2012، والذي خصص لحلّ أزمة المناطق العشوائية في ما يعرف بـ«خلف مستشفى الرازي». وفيما تتنوّع أزمة المناطق العشوائية بين البناء غير المرخّص والبناء على أراضي الغير والبناء في المشاعات، يساعد القانون رقم 10 على حلّ هذه الأزمات على كامل الأراضي السورية، بما يحفظ حقوق السّكان، التي كفلها الدستور.
وما جرى ترويجه حول ضرورة قيام السوريين بإثبات ملكيتهم لعقاراتهم وإلّا فقدوها خلال مهلة شهر من إصدار القانون، هو محض تلفيق.
ويمكن تلخيص خطوات القانون، الذي لم تصدر بعد قراراته التنفيذية، بالآتي: تنشأ في المناطق مجالس محلية منتخبة من قبل السّكان المحليين، وهذه المجالس يحقّ لها إعداد مخططات تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي العام، بما يسمح للمجلس المحلي بالتعبير عن حاجات السكان ودراسة واقعهم والحفاظ على حقوقهم في الممتلكات والعقارات. وبعد أن يرفع المجلس المحلي خطته إلى وزارة الإدارة المحلية، تقوم الوزارة بعد الدراسة برفع المشاريع إلى مجلس الشعب، الذي يصوّت عليها. وفي هذه الأثناء، يقوم السكان الذين تشمل المخططات التنظيمية عقاراتهم، والذين هم ممثلون أصلاً في المجالس المحليّة، بإثبات ملكيتهم لعقاراتهم، وهذا لا يعني حقّ المجالس المحلية التصرّف بها. والقانون رقم 10، لم يحصر إثبات الملكية بوثائق معيّنة، إنّما ترك الباب واسعاً أمام الاثباتات، في إدراك لواقع فقدان بعض السوريين أوراقهم الثبوتية وأوراق ملكيتهم، التي بالمناسبة، يمكنهم الحصول على نسخٍ منها من الدوائر العقارية في حال كانت مسجّلة باسمهم. حتى أن عدم إثبات الملكية خلال المهل، لا يسقط ملكية الأشخاص لممتلكاتهم. وفي حالة وجود السوريين خارج بلادهم لأسباب اللجوء أو النزوح أو السفر، يترك القانون أيضاً هامشاً واسعاً أمام هؤلاء، أوّلاً للاعتراض أمام عدة مراجع: المجلس المحلي، مجلس الشعب، ثم «مجلس الدولة» فضلاً عن القضاء العادي، وهو يسمح للأقارب حتى من الدرجة الرابعة بمتابعة ملفات أقاربهم، ولم يحصر الأمر بحضور هؤلاء شخصيّاً.
أما الحديث عن مهلة الشهر، فهي تبدأ من تاريخ صدور المخطط التنظيمي، أي بعد مسار طويل من العمل، يسمح للمتضررين بالمتابعة منذ المراحل الأولى للحفاظ على حقوقهم.
أمّا بالنسبة للمحامي حازم عشي، فإن القانون رقم عشرة، رفع الغبن الذي لحق بأصحاب العقارات المستملكة، على اعتبار «أنه يتم اقتطاع 20 في المئة من مجموع مساحة العقارات لمصلحة الجهات العامة والخدمية وليس من عقار معين، فالعبء توزع على جميع العقارات ووفق نسبة عادلة»، و«خفف أعباء تكاليف الاستملاكات اللازمة لأبنية الخدمات والمشيدات العامة»، كما نص القانون على «انتخاب ممثلين من أصحاب العقارات في لجنة تحديد القيم». ويؤكّد عشي أن «الدولة في حال كانت تفكّر في مصادرة أراضٍ أو ممتلكات، فإنها لا تحتاج إلى قانون من هذا النوع للقيام بهذا الإجراء، بل القانون يمنح الرئيس السوري وحتى الرئيس الأميركي سلطة مصادرة أملاك لمصلحة الشأن العام، مقابل بدل عادل وسريع».
الاخبار