الأكراد: وجوب استخدام كاميرا «زووم»
عبد المنعم علي عيسى
على امتداد الأسبوع الماضي طغت على وسائل الإعلام الروسية والغربية تقارير كانت متقاربة في رؤاها فيما يخص الخلاف الروسي الإيراني في سورية، وفيها جهدت الكثير من التحليلات للوصول إلى الدرجة التي وصل إليها ذلك الخلاف، أو على أي درجة من درجات السلم يقف؟ ففي ظل إصرار موسكو على انسحاب كل القوات الأجنبية من الجنوب الغربي السوري خرجت إلى العلن العديد من الأصوات التي كانت تعارض ذلك الإصرار الروسي حتى إن البعض منها أعلن عن تحديه لها وبنبرة عالية الحدة.
يبدو أن خروج ذلك الخلاف إلى العلن كان مقصوداً، فموسكو الجاهدة نحو إطلاق حقيقي وفاعل للتسوية السورية تدرك أن كل التحركات التي تجري بما فيها التقارب مع فرنسا الذي تمظهر من خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى روسيا مؤخراً وفيها جرى الإعلان عن إطلاق آليات جديدة للتنسيق «المجموعة المصغرة» التي تضم أميركا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن، وبين موسكو، كل تلك التحركات لا تبدو ذات فاعلية كما هو مطلوب منها أن تكون، وهي بأي حال من الأحوال لا يمكن لها أن تكون بديلاً لقيام حوار روسي أميركي منفرد، وهذا الأخير فقط هو الوحيد الذي يمكن أن يعطي كلمة السر لانطلاق حقيقي للتسوية السياسية، خصوصاً في ظل ما يطفو على السطح من خلافات أميركية- أوروبية ذات منشأ اقتصادي وبعضها ذات منشأ «إيراني» على خلفية التباين في الرؤى فيما يخص اتفاق فيينا النووي الموقع مع طهران صيف العام 2015.
وفي ضوء هذا السرد السابق يمكن القول إن خروج الخلاف الروسي الإيراني وتعمد تضخيمه يهدف إلى لفت الانتباه الأميركي أو تحفيز واشنطن على القيام بفتح قنوات اتصال مباشرة مع موسكو، فانقطاع الحوار طال وهو يرخي بظلاله الثقيلة على ساحتي الأزمة السورية الداخلية والخارجية.
وفي الغضون بدا و كأن ثمة ملمحاً لإطلاق جولة جديدة من أستانا لكنها موسعة، فقد أعلن نائب وزير الخارجية الكازاخستاني مختار تليوبيردي يوم الثلاثاء الماضي عن أن بلاده مستعدة لعقد لقاءات دولية حول تسوية الأزمة السورية، ثم أضاف أن محادثات أستانا قد أثبتت نجاعتها وهو ما يجري الحديث عنه اليوم في الأمم المتحدة وجنيف أيضاً، لكن وعلى الرغم من تكاثف الضغوط على دمشق ممثلة بتحذيرات أميركية مع تلميحات بالعودة إلى «كيميائي دوما»، وبالرغم من تعاظم الدعوات إلى إطلاق جولات جديدة من أستانا أو حتى جنيف، إلا أن ذلك كله لم يحل بين دمشق وبين استكمال تحضيراتها لإطلاق معركة الجنوب، وإن كان من الجائز القول إنها بدأت، فقبيل أيام صرح قائد عسكري أن تلك المعركة ستنطلق بعد القضاء على جيب لداعش يمتد في بادية السويداء، الأمر الجاري حالياً، حيث تقول تقارير إن الجيش قد سجل تقدماً على محاور المعركة الثلاثة ففي الأول من جهة تل الأصفر باتجاه خربة الإمباشي استطاع أن يحرز تقدماً و إن كان طفيفاً، وفي الثاني من جهة القصر- الساقية حقق الجيش تقدماً مابين 9-10 كم، أما في الثالث من جهة الزلف باتجاه تلول الصفا فقد كان التقدم أفضل بكثير من المحورين السابقين، وفيه وصل إلى منطقة «الصورة» أي بتقدم يزيد على 13- 14 كم، وعند هذه النقطة قرر داعش أنها تمثل خط دفاع أول عن معقله في منطقة «الوعرة» فقام بهجوم انغماسي نفذه عشرات المقاتلين الانتحاريين يوم الثلاثاء الماضي الأمر الذي فرض حالاً من المراوحة مؤقتاً، إلا أن ذلك كله لم يمنع من استهداف مواقع هامة لفصائل المعارضة في ريف درعا، وهو ما دفع بواشنطن يوم الخميس الماضي إلى تحذير دمشق بأن توسيع الجيش للمعارك يهدد باتساع الصراع، والمؤكد هنا أن واشنطن تستند في تهديدها إلى إمكان الضرب بالسيف الإسرائيلي، وهو أمر يمكن أن يحصل فيما لو لم يكن التنسيق الروسي الإسرائيلي كما يجب، والراجح هو أن موسكو تتقن حساباتها جيداً.
تشير التحركات على جانبي الجبهة السورية مع فلسطين المحتلة إلى أن كلاً من دمشق وتل أبيب تتحسبان لاحتمال أن تتسع دائرة النار فتشعل حرباً سورية – إسرائيلية، فمن الجهة السورية قامت دمشق على امتداد الأيام الماضية بتعزيز دفاعاتها الجوية وترميم نظامها الدفاعي في مواجهة الجبهة مع إسرائيل، بعد أن شهدت الجهة المقابلة قيام الجيش الإسرائيلي بمناورات واسعة في هضبة الجولان المحتلة بدأت يوم الأحد قبل الماضي، وهي تهدف كما أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إلى فحص جاهزية الجيش لخوض معارك فورية ومفاجئة على الجبهة السورية واختبار مقدرته على الانتقال من الوضع التدريبي إلى الوضع القتالي، وتراجم هذه التحركات والتصريحات هي أن تل أبيب ترى إن كان اندلاع حرب في الجولان أمراً وارداً وإن كان مستبعداً إلا أن الحسابات دائماً قد لا تكون دقيقة خصوصاً في ظل واقع شديد التعقيد.
وفي الشرق لم ينجح هجوم داعش على البوكمال في كبح جماح الجيش باتجاه الجنوب الغربي من البلاد ولذا فقد أضحت المناوشات بسيطة وبعيدة عن الأضواء، أما الأحداث التي شهدها فقد حملت الأيام الماضية وتحديداً يوم العاشر من الشهر الجاري تطوراً مهماً إلا أنه كان متوقعاً فقد أصدر «مجلس سورية الديمقراطي» بياناً عبّر فيه عن استعداده للتفاوض مع دمشق دون شروط مسبقة، والبيان يمثل دليلاً قاطعاً على أن الأكراد قد أيقنوا أن شهر عسلهم مع الأميركيين قد أزف ولم يبق فيه أكثر من الحلو «البايت»، وما بعد لقاء وزيري الدفاع الأميركي والتركي في ألمانيا يوم الثلاثاء الماضي اتضحت الصورة أكثر، فالاتفاق الذي تم التوصل إليه ما بين الطرفين حول منبج جرى التأكيد عليه بين الوزيرين ما يؤكد حالة الانزياح الأميركية الراهنة نحو أنقرة والراجح هو أن ذلك المسار سيشهد في المرحلة المقبلة مزيداً من الانزياح الأمر الذي يفرض تلقائياً وبالضرورة تباعداً مع الأكراد، في حين وجد هؤلاء أن ما تحمله المرحلة المقبلة سيكون شديد الخطورة ليس على حالهم السياسي بل على حالهم الأمني إن لم يكن الوجودي، فما بعد إعلان العشائر السورية للبيان الذي دعت فيه عن انطلاق المقاومة ضد كل القوات الأجنبية الموجودة على كامل الأراضي السورية، بات الأمر مختلفاً، فاجتماع «دير حافر» في الثاني من حزيران الجاري ضم 70 عشيرة على الرغم من أن الأكراد كانوا قد منعوا عشائر الحسكة من حضور ذلك الاجتماع وهذا الأخير يحظى بالتأكيد بدعم الحكومة السورية ورضاها ما يعطيه عمقاً استراتيجياً مهماً ومدعماً بواقع ديموغرافي ترجح كفة العرب فيه على كفة الأكراد، وما هو مطلوب من هؤلاء الأخيرين هو التحلي بالواقعية وابتعاد صانع القرار السياسي لديهم بمنظاره الذي ينظر فيه إلى الوراء لكي تتسع الصورة أكثر وعندها سيرى ما جرى في العراق، وما جرى كان مؤشراً مهماً على بدء انحسار المد الكردي في كامل المنطقة وفي ضوء هذه الحقيقة يجب أن تبنى الاستراتيجيات الكردية الجديدة، وفيما عدا ذلك فإن الصراع إذا ما نشب فإنه سريعاً سيتحول إلى صراع عرقي من المستحيل للأكراد أن يكونوا من الرابحين فيه ونتيجته الحتمية ستكون على حسابهم.
الوطن
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73