واشنطن تتخلى عن أمضى أسلحتها الناعمة
يوسف الشيخ
عانت مصداقية وصورة الولايات المتحدة في العالم من عملية المحافظة على سطوتها في وجه القوى المنافسة ومن حماية وتغطية (الكيان الصهيوني والخليج طوال العقود الماضية ونتيجة لطبيعة هذه الانظمة والكيانات ومخالفتها للانظمة للقوانين الدولية ولحقوق الانسان فقد شكل ذلك مصدر ازعاج دائم لواشنطن خاصة وأن هذه الدول والكيانات المدعومة منها تقع في منطقة الشرق الاوسط الساخنة والتي تضطرم فيها الحروب والاحداث ومع استعصاء الانتصار الامريكي أو الحل الذي يؤمن مصالحها وهيمنتها الكاملة وصل انزعاج واشنطن إلى ذروته في ظرف كانت فيه قوتها تتضاءل في الشرق الأوسط .
إلا أنه ومع وصول إدارة جديدة إلى الحكم ونتيجة لطبيعة رئيسها ترامب وبرنامجه وفريق عمله والذي وصفه المراقبون بمجموعة المجانين والصقور تغيرت السياسة الناعمة إلى محاولة استخدام السياسة الخشنة من جديد ذاتياً من خلال القدرات الصاروخية الامريكية أو عبر الوكلاء الاقليميين ولكن ذلك لم يحقق أي نتيجة بل أدخل المعسكر الامريكي في حرب استنزاف طويلة ومكلفة استراتيجياً .
وتكشف التقارير الموثقة أن انتهاكات حقوق الانسان في أراضي الولايات المتحدة الأمريكية بلغت خلال ادارة ترامب منسوباً مضاعفاً بعدة مرات عن أسلافه وخصوصاً إدارة جورج بوش الابن التي شهدت بدورها بعد أحداث 11 أيلول 2001 ارتفاعاً كبيراً في الانتهاكات ولكنها لم ترق في 8 سنوات من عمر الادارة ” البوشية “إلى 10% مما اقترفته ادارة ترامب في 18 شهراً .
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها العالمي الذي صدر في نيسان 2018، إن السنة الأولى لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تميزت بانحدار حاد في جهود الحكومة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وفي رصدنا لهذه المخالفات اعتمدنا على تقارير موثقة صادرة عن مصادر معتبرة كالأمم المتحدة ومنظمتي الامنيستي والهيومان رايتس واتش ومصادر إخبارية في أمريكا نفسها حيث أمكننا تصنيف وتسجيل(*) الانتهاكات التالية :
أولاً : مخالفات ترامب الشخصية لحقوق الانسان
ثانياً : التعذيب الممنهج والمس بالحريات الفردية
ثالثاً : التمييز بكافة أشكاله
رابعاً : اشاعة السلاح وتفلته
خامساً : التنصت
سادساً : إشاعة الفقر والبطالة
سابعاً : سوء الرعاية الصحية والتعليم
ثامناً : الإهمال المتعمد لاجهزة الأمن
تاسعاً : سياسات الاضرار بالمهاجرين
ختاماً :
يمكننا اعتبار انسحاب ادارة ترامب من مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة الاسبوع الماضي نهاية مسار لاسترتيجية الابتزاز بعنوان حقوق الانسان كأهم عناصر الإيديولوجيا السياسية التي بشرت بها أمريكا لنفسها باعتبارها زعيمة ما يسمى بالعالم الحر والتي اعتمدتها الادارات الاميركية المتعاقبة منذ بداية القرن العشرين داخلياً وخارجياً كذريعة في تدخلها بشؤون الدول.
وقد نتج القرار الأمريكي الجديد وبشكلٍ مباشر من عدم قدرة واشنطن على الإجابة عن أسئلة دوليّة حول الإجراءات التي اتخذتها مؤخراً في مجال حقوق الانسان إن بحق اللاجئين أو فيما يخصّ سياستها المرتبطة بفصل أطفال المهاجرين المخالفين عن ذويهم عند الحدود مع المكسيك.
أما كلمة السر والسبب الرئيسي والمباشر للخروج من مجلس حقوق الانسان فكان “إسرائيل”، وينوه ماكس فيشر في صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن “ترامب استغل حالة الاستقطاب بشأن إسرائيل لتحفيز مؤيديه ، فقام باتخاذ خطوات أحادية الجانب بهذا الشأن “.
خُلاصة القول إنّ أمريكا كانت تعمد إلى الفيتو في مجلس الأمن عندما يتعارض أيُّ قرارٍ مع مواقفها، أما في بقية المجالس التابعة للأمم المتحدة فكانت تتجاهل تلك القرارات طالما أنها غير مصيرية بالنسبة لها أو لـ “إسرائيل”، أما اليوم وبعد تزايد الضغوط الدولية والنفوذ الدولي وعدم استطاعتها فعل شيء فؤثر لمصالحها فقد قررت واشنطن الانسحاب من تلك المجالس، لتصبح أيُّ قرارات تُتخذ فيها غير ملزمةٍ لها، وعلى هذا الأساس من المتوقع أن يواصل ترامب الخروج من بقية مجالس الأمم المتحدة خصوصاً بعد سياساته التي أراد لها أن تجعل أمريكا تعيش مكتفية بنفسها، راميةً بمصالح العالم أجمع عرض الحائط.
العهد
Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73