قمة التفاهم على سوريا بين بوتين وترامب؟
أخشى ما تخشاه الدول الأوروبية أن يقدم ترامب على الإعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم. ففي هذه الحالة يكون الرئيس الأميركي قد وجه ضربة لا يمكن إصلاح أضرارها بسهولة للعلاقات الأميركية-الأوروبية. ومن هنا بدأت الهواجس الأوروبية بالتعبير عن نفسها علناً منذ اللحظة الأولى للإعلان عن قمة هلسنكي التي يمكن أن تنتهي بـ”بسيناريو كارثي” بالنسبة لأوروبا وفق ما كتبت صحيفة “دي فيلت” الألمانية.
تنطلق قمة هلسنكي بجدول أعمال مثقل بالقضايا، من ترميم العلاقات الثنائية التي بلغت أدنى مستوى لها منذ انتهاء الحرب الباردة، إلى القضايا الدولية وفي مقدمها سوريا وأوكرانيا. ولم يخفِ بولتون خلال زيارته لموسكو ولقائه بوتين أواخر حزيران/يونيو الماضي، أن القمة ستتناول “كل القضايا” التي تهم الأمن القومي الأميركي. وكان ترامب سبقه في التغريد أن القمة ستتناول الوضع السوري “بشكل شامل ومفصل”. وإذا كانت أوكرانيا لن تغيب عن جدول الأعمال، فإن الأولوية معطاة لسوريا.
يعزز من هذا الإعتقاد وجود رغبة لدى ترامب شخصياً للإنسحاب العسكري من سوريا وعدم التورط في الرمال السورية المتحركة طالما أن الحرب على “داعش” قد قطعت شوطاً طويلاً وبات التنظيم المتطرف محاصراً في جيوب صغيرة لا أهمية عسكرية كبيرة لها. وفي ضوء التطورات العسكرية الجارية في محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب غرب سوريا وإبلاغ الولايات المتحدة بشكل صريح الفصائل السورية المسلحة في المنطقة بأنها لن تتدخل عسكرياً في هذه المنطقة لمنع الجيش السوري من التقدم نحو استعادة هاتين المحافظتين، على رغم شمولهما باتفاق “خفض التصعيد” الذي كان ترامب وبوتين أعلنا عنه بالاشتراك مع الأردن خلال لقاء جانبي في قمة العشرين في تموز من العام الماضي.
لكن بعد عام على اتفاق “خفض التصعيد” في هذه المنطقة، جرت مياه كثيرة تحت جسور الوضع السوري، أبرزها استعادة الحكومة السورية السيطرة على الغوطة الشرقية لدمشق وعلى أحيائها الجنوبية، بما أتاح تأمين طوق آمان للعاصمة السورية، لم يكن متوافراً على مدى السنين السبع الماضية. كما تمكنت الدولة السورية من بسط السيطرة على شمال حمص الذي لا يقل أهمية بالمعنى الإستراتيجي عن تأمين العاصمة، وها هو فصل آخر يبدأ في درعا والقنيطرة بما يسمح بفرض سيطرة الدولة على مناطق كانت لها رمزيتها بالنسبة إلى المعارضة. وفي موازاة العمليات الجارية في درعا والقنيطرة، تجري الحكومة السورية مفاوضات على نار هادئة مع “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) التي يشكل المكون الكردي غالبية فيها والمدعومة أميركياً، وذلك من أجل عودة الجيش السوري إلى شرق الفرات وإلى حقول النفط الرئيسية في دير الزور.
وإنطلاقاً من هذه التطورات، تبدو قمة هلسنكي معنية بالاتفاق على خريطة طريق تؤكد الإعتراف الأميركي بأولوية الدور الروسي في سوريا. وفي الوقت نفسه سيسعى ترامب إلى طرح معادلة الإستعداد لسحب 2000 جندي أميركي من سوريا يتوزعون بين قاعدة التنف على مثلث الحدود السورية – الأردنية – العراقية وفي شمال شرق سوريا، وذلك مقابل موافقة روسيا بممارسة ضغوط على إيران لسحب قواتها من سوريا. لكن الجواب الروسي على لسان أكثر من مسؤول في الكرملين، أن إيران لا تملك قوات نظامية على الأراضي السورية وأن المستشارين الموجودين في هذا البلد إنما جاءوا بطلب من الحكومة الشرعية، كما هو حال القوات الروسية. بينما قال الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلتن تلفزيونيتين مؤخراً أنه لا تزال ثمة حاجة إلى إيران و”حزب الله” لأن الحرب على الإرهاب لم تنتهِ بعد.
وبما أن بوتين ذاهب إلى القمة من موقع القوة في الملف السوري، فإنه هو الذي سيطالب ترامب بتسليم أميركي كامل في الملف السوري، في الوقت الذي يسعى الكرملين إلى حلّ سياسي بالتنسيق مع كل اللاعبين الإقليميين، من إيران إلى تركيا والسعودية. وعنوان الحل السياسي يبدأ من سوتشي وينتهي في جنيف برعاية أممية.
وفي مقابل التسليم الأميركي بالدور الريادي الروسي في سوريا، سيحاول ترامب انتزاع تأييد روسي لـ”صفقة القرن” التي يحاول فرضها على الفلسطينيين في سياق مسار بدأ بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية ومحاصرتها مالياً وسياسياً للقبول بما يعرض عليها في “الصفقة” التي لا تحمل الحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
وفي وقت تتريث روسيا في إعلان موقف من “الصفقة” التي لم يتم الإعلان عنها رسمياً بعد، فإن الكرملين الذي يتمتع بعلاقات تقليدية مع الفلسطينيين، لن يذهب في مغامرة تأييد أي تسوية للصراع في الشرق الأوسط لا يوافق عليها الفلسطينيون أولاً.
وفي البعد الأوروبي، لقمة هلسنكي هناك خشية على خلفية توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب “الحرب التجارية” والشرخ المتسع في العلاقات بين ضفتي الأطلسي عقب قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في كندا الشهر الماضي، أن يذهب ترامب بعيداً في تقديم التنازلات لبوتين، ولا سيما لجهة خفض الوجود العسكري الأميركي في أوروبا أو وقف المناورات على حدود روسيا، على غرار القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي بوقف المناورات المشتركة مع كوريا الجنوبية على أثر قمة سنغافورة مع كيم جونغ-أون.
وأخشى ما تخشاه الدول الأوروبية أن يقدم ترامب على الإعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم. ففي هذه الحالة يكون الرئيس الأميركي قد وجه ضربة لا يمكن إصلاح أضرارها بسهولة للعلاقات الأميركية-الأوروبية. ومن هنا بدأت الهواجس الأوروبية بالتعبير عن نفسها علناً منذ اللحظة الأولى للإعلان عن قمة هلسنكي التي يمكن أن تنتهي بـ”بسيناريو كارثي” بالنسبة لأوروبا وفق ما كتبت صحيفة “دي فيلت” الألمانية.
المصدر : سميح صعب – الميادين