الشرق السوري: موعدٌ مع مفاجآت كبيرة؟
كلّما بسط الجيش السوري سيطرته على رقعةٍ جديدة من الأراضي السورية اقتربت أكثر «الساعة الصفر» لوضع «الحل السوريّ» على السكّة. ثمّة تزامنٌ لافتٌ بين «إنجازات» المسارين العسكري والسياسي بدأت ملامحه بالاتّضاح مع عودة غوطة دمشق إلى كنف الدولة السوريّة، قبل أن يتكرّر الأمر مع تطوّرات درعا الأخيرة. فيما يبرز مسار ثالث «خفي» يحظى بالقدرة على تشبيك العسكري بالسياسي، وهو المسار الاقتصادي بما ينطوي عليه من منافع مشتركة قادرة على تدوير كثير من الزوايا بين مختلف الفرقاء. ومن المنتظر أن يشكّل «الحل الاقتصادي» بمختلف تفاصيله حاملاً أساسيّاً من حوامل إعادة الثقة بين دمشق وجيرانها من جهة، وبينها وبين بعض الأطراف السوريّة من جهة أخرى. وشكّل عامل «فقدان الثقة» باستمرار عقبةً رئيسيّة في طريق إنجاز «الحل بالتقسيط» الذي عملت موسكو على تكريسه مفتاحاً لحلحلة عُقد المسألة السوريّة برمّتها. وضمِن «التقسيط» تجزئة جبهات النزاع الأساسيّة في سوريا إلى ثلاث: الشمال، والشّرق، والجنوب. وفيما تكفّل مسار «أستانة» ملفّ الشمال، عملت موسكو على هندسة ملف الجنوب عبر مسارين: أوّلهما المسار مع واشنطن (بشقيّه المُعلن وغير المُعلن)، وثانيهما المسار مع الكيان الإسرائيلي. ويبدو لافتاً أنّ ملفّ الجنوب كان أوّل الملفّات الثلاث طوياً في شكل شبه نهائي، فيما ينتظر ملف الشمال استحقاقات كثيرة قادمة نظراً للدور الذي لعبه بصفته «حاضناً لكل رافضي المصالحات». أمّا الشرق، وعلى رغم ما توحي به الصورة العامّة من تعقيدات يختصّ بها هذا الملفّ، فإنّه يبدو مؤهّلاً ليشهد مفاجآت قريبة تُرسّخ أسساً لـ«اتفاقات تاريخيّة» بين دمشق و«وحدات حماية الشعب» الكرديّة بصفتها عمود «قوّات سوريا الديموقراطيّة».
حصلت توافقات بين دمشق و«الإدارة الذاتيّة» بشأن إدارة بعض المنشآت النفطيّة
وتعدُ تلك «المفاجآت» بتكرار مشهد عودة الجنوب إلى مظلّة الدولة السوريّة، لكن مع اختلاف التفاصيل من حيث انعدام الحاجة إلى تحريك وحدات عسكريّة، والتلويح بشن معارك وفتح جبهات. وتؤكّد معلومات «الأخبار» أن كثيراً من التفاصيل قد نوقشت في شكل موسّع بين دمشق و«الإدارة الذاتيّة»، وأنّ النقاشات أثمرت بالفعل توافقاتٍ على نقاطٍ عدّة. وتأتي على رأس هذه التوافقات مسائل اقتصاديّة تتعلّق بإدارة بعض المنشآت النفطيّة، وأخرى تتعلّق بـ«مظاهر سياديّة» مثل عودة العلم السوري إلى مؤسسات الدولة وساحات المدن، وإزالة أي رموز أخرى. وتؤكّد مصادر مطّلعة على تفاصيل التوافقات لـ«الأخبار» أنّ «استحقاق انتخابات المجالس المحليّة قد يُشكّل مقدّمة مناسبة لإعادة تأطير ملف أكراد سوريا في إطار سوري بحت». وكان الرئيس السوري قد أصدر مرسوماً يحدّد تاريخ 16 أيلول موعداً لإجراء تلك الانتخابات. وإذا ما صحّت هذه المعلومات فإنها تعني تذليلّ عقبةً كبرى من عقبات «الحل السياسي». ولا يمكن في حال من الأحوال فصل أي إنجاز يتمّ تحقيقه على هذا الصعيد عن مسار أشمل عنوانه التوافقات الروسيّة- الأميركيّة. ومن المنتظر أن تُضع النقاط على «حروف الشرق» في خلال اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأميركي دونالد ترامب منتصف الشهر الجاري في هلسنكي. ويبدو مرجّحاً أنّ حلحلة عُقد مناطق سيطرة «قسد» ستقوم على قسم الملف إلى شقّين أساسيين: الأوّل يختصّ بالعلاقة بين دمشق و«قسد»، والثاني يختصّ بمسألة القواعد العسكريّة الأميركيّة والقوات البريّة المختلفة التابعة لـ«التحالف الدولي». ويبدو ملف الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي السوريّة أعقد الملفّات وأكثرها حاجةً إلى «غطاء دولي»، لا سيّما مع إصرار واشنطن على حسم مسألة النشاط العسكري الإيراني، ومع حاجة دمشق إلى حلّ قضيّة الوجود العسكري الأميركي، وبدرجة قد تكون أكثر إلحاحاً الاحتلال العسكري التركي لمساحات واسعة من الشمال. وليس من المُنتظر أن تتكفّل قمّة بوتين – ترامب بحلّ هذا الملف في شكل نهائي، بقدر ما يُتوقّع أن يؤسّس لهذا الحل الذي قد يتطلّب الاتفاق على كل تفاصيله شهوراً طويلة، وإنجاز ذلك الاتفاق (في حال إبرامه) شهوراً أطول.
صهيب عنجريني – الأخبار