فلك أم تنجيم وخرافات؟.. هذا ما يقوله العلم عن أبراج ماغي فرح أو توقعات ميشال حايك
منذ أن انتقلت إلى بيروت للالتحاق بالجامعة عام 2009، وأنا أذكر الأيام الأولى من شهر أكتوبر/تشرين الأول في تلك السنة، كيف كانت شديدة البرودة والأمطار على غير عادة.
وكيف كان الصباح في منزل جدتي -التي أقمت عندها- يبدأ على أنغام صوتها وهي تغني، فيستيقظ من في المنزل تباعاً، إلا خالتي التي سبقتها وجهزّت قهوتها وجلست على كرسيها الخشبي في الشرفة، وفي يدها جريدة «النهار» تطالع صفحة الأبراج.
خالتي الخمسينية المقيمة مع جدتي منذ وفاة زوجها، لا تبدأ يومها دون أن تقرأ ما يحمله برجها من أخبار قبل أن تتوجه إلى عملها في مكتبة قريبة من المنزل.
لم أعد أذكر كيف كانت تستميلني لأجلس معها قبل أن أذهب للجامعة، مع أني لا شاربة قهوة ولا أتابع الأبراج، فأجدها تحدثني أولاً عن برجها ولِما عليها «ألاّ تسمح اليوم لزميلها في العمل بأن يتدخل بشؤونها، وأن لا تستمع لما يقوله الغير وتتبع حدسها فقط»، فهذا ما ذكرته الصحيفة عن «الحوت»!.
تنتهي من برجها وتنتقل لـ»الحمل»، برجي الذي كان أكثر ما يشوقها به خانة «العاطفة».
كان كل ما يشغل بالها أن تراني أعيش حالة حب كالتي عاشتها، تُتوّج بزواج سعيد في النهاية. فأذكر كلماتها جيداًَ: «ستبدأين علاقة عاطفية مثيرة، تغرقين فيها دون تخطيط، وستدخل لقلبك الفرح، برجك هيك عم (هكذا) يقول».
وتتابع بحماس فارط يهتز كرسيها من شدته: «رح يسعد قلبك، سمعتي؟ أوعك (إياكي) تسكري قلبك».
علم الفلك أم التنجيم؟
كنت أبتسم لها وأقبلّ وجنتها ثمّ أغادر، وبقينا على هذه الحالة لشهرين كاملين إلى أن قرأت مرة مقالاً يهاجم الأبراج والباحثين فيه الذين أغرقوا الشاشات والمواقع والصحف بكثرتهم، فقررت أن أبحث أكثر، وأرى إن كان هناك علاقة بين الأبراج والفلك كما تقول خالتي وغيرها كثيرون، وهل هي حقاً خرافة أم علم؟
حسب ما تقول الموسوعة الحرة، الفلك علم يدرس الأجرام السماوية مثل النجوم، والكواكب والمذنبات والنيازك والمجرات والظواهر التي تحدث خارج نطاق الغلاف الجوي، ويعتبر من أقدم العلوم.
لم أجد في بحثي على الانترنت ما يشير لأي علاقة بين علم الفلك Astronomy وما يُشاع عن تأثير الكواكب والنجوم على حياة الإنسان وشخصيته.
ولكن ما وجدته حقاً أن التنجيم Astrology والذي يختلف البعض حول تسميته علماً أم لا، هو المختص بدراسة هذه الأجرام السماوية وتأثيرها على تصرفات الناس وطريقة حياتهم.
الأبراج بين الفلك والتنجيم
في الجامعات العالمية مثل هارفرد وستنافورد وأوكسفورد، الفلك هو علم يُدرس وله قسم خاص مع الفيزياء، ولا علاقة له بالأبراج، أما التنجيم فهو مجموعة من الأنظمة والتقاليد والاعتقادات حول الأوضاع النسبية للأجرام السماوية، والتي يربطها الباحثون في الأبراج بصورة مباشرة.
ما يعني أن التنجيم هو الذي يدرس حالة الكواكب والشمس والقمر والنجوم ويعكسها على شخصية الفرد وشؤونه الإنسانية وغيرها من الأمور الحياتية.
ولعلّ ما كان يقنعني بالجلوس مع خالتي وسماع ما يحمله البرج، هو نفس ما يدفع الكثيرين إلى قراءة الأبراج يومياً: لرفع معنوياتهم أو للبحث عن أمل قد يجدونه ما بين «سطور الحظ» في الصحف أو المواقع الالكترونية.
فالناس بفطرتها ترغب بسماع المجهول عن حياتها وعمّا تحمله لها الأيام.
الخرافات
يسمى من يعمل في علم التنجيم بالمُنجّم، ولكن يعتبره العلماء من العلوم الزائفة أو الخرافات.
طُوِّرت النظم الفلكية بشكل مستقل في كل ثقافة حول العالم. كل منها كان فريداً في مجتمعه. وبعيداً عن الحاجة إلى التقويم، فإنَّ النظم الفلكية المصرية والفارسية والصينية والمايوية لا تشترك في الكثير من الأشياء. فكل منها تتسع في أساطيرها الخاصة للآلهة والكيمياء، وفق ما ذكر موقع Sangupta.
يرث عالم الأبراج العربي والغربي اليوم معظم اعتقاداته من بلاد ما بين النهرين القديمة (بلاد فارس)، ونُقِّحت من خلال الأساطير اليونانية الرومانية مع دفعة من خيمياء القرون الوسطى.
إذاً هذا الاختلاف هو القائم؛ العلماء يؤكدون أن الأبراج ليست علماً يندرج تحت الفلك وهي خرافات، فيما يدافع من نراهم على شاشات التلفاز أو في المواقع والصحف عن الأبراج بأنها علم وليست تنجيماً وتعتمد على الفلك.
وفيما يلي ثلاث عوامل، حاول من خلالها العلماء إثبات أن الأبراج والتنجيم والتنبؤات لا علاقة لها بعلم الفلك.
1- الجاذبية
ويقول عالم الفلك الأميركي فيل بليت في مقال له إن سَحب الجاذبية بين جسمين يتناسب عكسياً مع المسافة بين الجسمين. ولقد ثبت دون أدنى شك أنَّ هناك بالفعل جاذبية بين أي جسمين معينين. وهذا يطرح سؤالاً آخر: الجاذبية بين الكوكب والإنسان أصغر بكثير من جاذبية شخصان مقابل بعضهما البعض. إذاً لماذا لا تندرج قوة الجاذبية بين البشر من حولنا ضمن فلسفة الأبراج؟.
2- الأجرام السماوية
ويدَّعي علماء الأبراج أن الأجسام السماوية لها تأثير علينا. ويتساءل الخبراء عن سبب عدم حساب الأجسام السماوية الأخرى، أو النجوم الزائفة أو الثقوب السوداء، أو المواد المظلمة في النظام. هذه الأجسام تكونت من نفس المصدر، وتتكوَّن من المواد الأساسية ذاتها من خمسة عناصر أساسية، وهي جزء من نفس الكون.
3- دراسة توأم الوقت
أجرت صحيفة The Telegraph ذات مرة دراسة عن توائم الوقت. تم رصد اثنين من توائم الوقت (الذين ولدوا في نفس الوقت)، وبطبيعة الحال في نفس المكان، في إطار زمني معين. كانت بيانات الميلاد الخاصة بهم متطابقة (مثلاً من حيث الوزن والطول، الصحة البدنية، وهكذا) وطُلب من المنجمين التنبؤ بمستقبلهم. وجمعت الدراسة بيانات حول مدى تشابه أو اختلاف أيامهم (مستقبلهم) بعد ذلك.
وقال جيوفري دين، وهو عالم سابق في علم الفلك، إنَّ النتائج قوضت ادعاءات المنجمين، الذين يعملون عادة في ظل وجود بيانات ولادة أقل دقة بكثير من تلك المستخدمة في الدراسة، إذ قال «إنَّهم يجادلون في بعض الأحيان بأنَّ فرق دقيقة واحدة بين مولودين يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً عن طريق تغيير ما يسمونه» أعتاب البرج»، لكن في عملهم، يسعدهم أخذ أي وقت يمكنهم الحصول عليه من العميل».
وأضاف دين إنَّ اتساق النتائج تبرز بشدة التناقض مع علم التنجيم. وأضاف: «ليس لديه آلية مقبولة، ومبادئه باطلة، وقد فشل في مئات الاختبارات. ولكن لن نجد أي تلميحات لهذه المشاكل في كتب التنجيم والأبراج، والتي هي في الواقع ممارسة للخداع».
رأي «عالمي الأبراج»
ورغم هذه الحجج العلمية التي تبعد عالم الأبراج والتنجيم والتوقعات عن علم الفلك الواسع، لكن يواصل الكثير من العاملين في هذا المجال (الأبراج والتنجيم) والذين أصبحوا كثر اليوم في حياتنا، على ما يعتقدون به.
ولا يرون أن دوافع قارئي الأبراج هو رفع المعنويات، بل يعتبرونه علم وأنه قائم على دراسات كثيرة.
ويقول الباحث اللبناني في علم الأبراج زياد الخالدي، في حديثه مع «عربي بوست» بأن ما يُنشر في الصحف هو تعد على عمل باحثي الفلك والأبراج، لأن الأبراج حسب قوله «ليست من صنع الإعلام وأنها قائمة على دراسة الفلك للكواكب والنجوم وليست عبثاً».
ومثل الخالدي الكثيرين، أمثال ليلى عبد اللطيف وسمير طنب وميشال حايك الذين اشتهروا بظهورهم على الشاشات العربية وعلى المواقع الإلكترونية، لا سيما في ليلة رأس السنة الميلادية، حيث يقدّمون للناس ما يحمله البرج وما عليهم فعله في كل يوم من العام الجديد، مستندين بذلك على «علم الفلك» كما يقولون ودراسة النجوم والكواكب.
واتجه بعضهم مثل اللبنانية ماغي فرح، لإصدار كتب سنوية عن الأبراج الـ12، يسردون فيها للناس بالتفاصيل كيف سيكون كل شهر في العام على أصعدة مختلفة أبرزها المهنية والعاطفية اللتين تشغلان بال الكثيرين. فتلاقي مثل هذه الكتب مبيعات كثيرة خصوصاً مع بداية كل عام.
وفيما يتنافسون بين بعضهم للظهور على الشاشات اليوم، يختلف «مختصو الأبراج» في توقعاتهم أحياناً وربما هي وسيلة لترك مساحة من الشكّ في عقولنا، وطرح السؤال التالي: من منهم هو الأقوى؟ أم أن كل ما يقولونه هو حقاً خرافات؟
كذلك باتت توقعاتهم تطال الزعماء والسياسيين العرب والأجانب، فيتحدثون عن حالاتهم الصحية وقراراتهم المستقبلية التي سيتخذونها، مثيرين في أوقات كثيرة مشاعر متابعيهم، بمن فيهم خالتي التي لم تشبعها ما ذكرته الصحف عن برجها طوال العقود الماضية، فباتت التوقعات عن الحروب القادمة أو الكوارث المقبلة تشغل بالها أيضاً، فتنتظرها كل عام، وفي كل مناسبة يطلّون بها في مكان ما.