قمة هلسنكي.. حالة من الذعر في أوروبا وتوتر بين أعضاء حلف الناتو
تعتبر العلاقات الأوروبية الأمريكية من العلاقات الاستراتيجية التي ساهمت في بناء النظام العالمي في العقد الماضي، ومنذ بداية عام 2017 وبعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، شهدت هذه العلاقات توترات كبيرة بين الجانبين وبلغت ذروتها في الأشهر القليلة الماضية، هذه التوترات يرى من خلالها المحللون أنها ترسم حقبة جديدة في تاريخ العلاقات بين الحليفين التقليديين، وإن قام أحد المسؤولين من الطرفين بتقييم الأوضاع الحالية والسبب الذي أدى بالأمور إلى هذا المستوى المتدني في العلاقات، سيقول من دون أي تردد إن المسؤول هو “دونالد ترامب”.
فترامب، وخلال حملته الرئاسية تحدى جميع الأطراف بمن فيهم الحلفاء التقليديين لأمريكا، خاصة عندما رفع شعار “أمريكا أولاً”، وعندما تعهد بمراجعة جميع العلاقات السياسية والاقتصادية الأمريكية مع جميع الأطراف الدولية وخاصة مع الحلفاء الأمريكيين التقليديين، وبعد فوزه بالانتخابات ودخوله البيت الأبيض في 20 يناير 2017، شهدنا بداية جهود ترامب لتنفيذ وعوده الانتخابية، ومن بين هذه الوعود دعوته إلى مراجعة الإنفاق الدفاعي للناتو ومستوى العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وتدريجياً، أدّت السياسات التحويلية الجديدة التي انتهجها ترامب في مجال العلاقات الأمريكية الأوروبية إلى زيادة التوتر بين القوى الأوروبية وأمريكا.
ودعا ترامب مراراً وتكراراً القادة الأوروبيين، وخاصة ألمانيا وفرنسا، كزعماء للبلدان الأوروبية إلى رفع التزاماتهم المالية لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هذه الدعوات زادت في الأشهر الأخيرة، وبعد إعلان ترامب حربه التجارية على أوروبا عبر فرض ضرائب جمركية على البضاعة المستوردة من الاتحاد ازداد عمق الفجوة بين الطرفين، وفي ظل هذه الظروف المعقّدة، سيعقد الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قمة في 16 يوليو الحالي في مدينة هلنسكي الفنلندية، هذه القمة المرتقبة شكّلت مصدر قلق حقيقي لدى القادة الأوروبيين خاصة بعد زيادة الضغوط الترامبية على دول الناتو الأخرى لزيادة الإنفاق العسكري وبسبب الاتفاقيات التي سترافق هذه القمة والتي من الممكن أن تضع مصالح أوروبا وأمنها في خطر حقيقي، ومقابل هذه القمة من المقرر أن تعقد قمة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 11 و12 يوليو 2018 في بروكسل، وفي المحصلة يمكن اعتبار الأسبوعين المقبلين حاسمين لمستقبل العلاقات بين أمريكا وأوروبا.
الفجوة العميقة بين أمريكا أوروبا مع تركيز الضغوط على برلين
في الأيام القليلة الماضية، انتقد ترامب بشكل علني أعضاء حلف الناتو المكوّن من 29 دولة على الإنفاق على نحو محدود للغاية في شؤون الدفاع، مهدداً بإمكانية خروج أمريكا من هذا التحالف إن لم ترضخ أوروبا لقرارته، كما انتقد بشكل علني ألمانيا قائلاً «ألمانيا تنفق 1% من ناتجها المحلي الإجمالي (ببطء) للناتو، بينما ننفق نحن 4% من الناتج المحلي الإجمالي أي أكبر بكثير من ألمانيا، هل يعتقد أحد أن هذا منطقي؟”.
وكشف تقرير صحافي أعدته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذكّر ألمانيا وبعض شركائه الآخرين في حلف شمال الأطلسي “ناتو” بالتزاماتهم فيما يتعلق بزيادة نفقات الدفاع مستخدماً عبارات حادة، وذلك قبل انطلاق قمة حلف الأطلسي الأسبوع المقبل في بروكسل، وأوضحت الصحيفة أن ترامب كتب خطابات لحلفاء ينتقدهم فيها بشدة على الإنفاق على نحو محدود للغاية في شؤون الدفاع، وأضافت الصحيفة إن ترامب حذّر أيضاً من أن أمريكا قد تفقد صبرها في ظلّ الإخفاقات بتحقيق الالتزامات الأمنية التي تمّ التعهد بها.
وبحسب تقرير الصحيفة الأمريكية كتب ترامب للمستشارة الألمانية أن هناك إحباطاً متزايداً في أمريكا بسبب أن بعض الحلفاء لم يرفعوا نفقاتهم كما وعدوا، ونقلت الصحيفة عن خطاب ترامب لميركل: “استمرار نقص الإنفاق الألماني في الميزانية لمصلحة شؤون الدفاع يضعف أمن الحلف ويمنح حلفاء آخرين مبرراً لعدم الاضطرار للوفاء بالتزاماتهم في نفقات الدفاع لأنهم يعتبرونكم قدوة”.
ويرى الأوروبيون في خطوات ترامب وتقرّبه من روسيا محاولة منه لفرض الواقع عليهم كما هو، وقد توصلوا إلى استنتاج أنه يجب فصل مصالح الأوروبيين عن أمريكا إلى درجة أنه يجب الوقوف في وجه واشنطن من أجل الحفاظ على مصالحهم، ويمكن القول أنه حتى لو حصل اتفاق بين روسيا وأمريكا في القمة المرتقبة فإن أوروبا وخصوصاً ألمانيا لن تستسلم لمطالب ترامب.
الاستغلال الأمريكي للروس لضغط على أوروبا
ويرى محللون أوروبيون أن ترامب يحاول استغلال الروس من أجل زيادة الضغط عليهم للقبول بالمطالب الأمريكية، وإن لم تستجب أوروبا له فإنه سيحاول عزلها عن التطورات العالمية عبر عقد اتفاقيات كبيرة مع الروس تبعدهم عن الواجهة، ويمكن رؤية علامة واضحة على ذلك في قضية نزع السلاح الكوري الشمالي وقمة ترامب وبوتين في هلسنكي، والتي استبعد فيها بشكل صريح الأوروبيين من بؤرة الاهتمام وتجاهل دور القوى الأوروبية في إدارة التغيير العالمي.
ختاماً، لا يمكن اعتبار سياسة البيت الأبيض الجديدة بشأن حلّ الخلافات مع موسكو استراتيجية، خاصة وأن موسكو تسعى إلى تشكيل ائتلاف من الدول لمواجهة المطامع الأمريكية في المنطقة والتوسّع الذي يقوم به الناتو شرقاً، ويمكن القول إن الأيام القادمة تشير إلى تفاقم المواجهة بين روسيا وأمريكا، ولذلك قلنا وسنقول إن أمريكا تستخدم تكتيكياً (تستغل) روسيا من أجل الضغط على حلفائها التقليديين.
الوقت