الكيان الصهيوني وأمنه ومحور المقاومة
سركيس ابو زيد
دخلت الحرب في سوريا مرحلة التصفيات النهائية وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وفي الكيان الصهيوني حدث تغير جذري في موقفه بما يتعلق بالمواجهة العسكرية على حدوده الشمالية، حيث يرى أن خطر إقامة إيران قواعد عسكرية في سوريا أمر جدي وتبعاته كارثية عليها، وستحاول منعه، وإذا أدى ذلك إلى الحرب، فليكن.
خوف “تل أبيب” من “التمدد” الإيراني لم يتوقف عند الحدود السورية
خوف “تل أبيب” من “التمدد” الإيراني لم يتوقف عند الحدود السورية، وإنما خوفهم وصل إلى اليمن. وتجلى ذلك في طلب “معهد أبحاث الأمن القومي” في “تل أبيب” من القيادة الإسرائيلية إلى تركيز جهودها على منطقة البحر الأحمر وزيادة معرفتهم بهذه الساحة ودراسة كيفية استثمار الموارد العسكرية والسياسية لمنع تحقق التهديدات المحتملة على كيان العدو في هذه المنطقة، التي مصدرها إيران وحلفائها، من خلال الدور الذي يمكن لليمن أن يؤديه في دعم المقاومة والقضية الفلسطينية، مشيراً إلى تحويل اليمن إلى محطة ترانزيت للتهريب إلى حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، بدل السودان. ورأى “المعهد” أيضاً في القراءة التي قدمها الباحثان يوآل غوجنسكي وعوديد عيران، أنه من زاوية إسرائيلية، “الخطر المحتمل والمقلق جداً هو إيران.
لا يبالي الصهاينة بالاتفاق النووي، فإذا ظلت إيران متوقفة عن تخصيب اليورانيوم فهذا يرضيهم، لكن إذا عادت إلى التخصيب على مستوى عالٍ، فإن أميركا ستتصرف!. أيضاً ليس المطلوب احتلال إيران أو الإتيان بالديمقراطية إلى طهران، بل ضربها في المكان المؤذي، والقوى الغربية لن تقتل مدنيين لكن يمكن قصف المنشآت النفطية وجعل الحياة صعبة. لذلك يواصل الكيان حملته ضد المشروع النووي الإيراني، ومواصلة العمل الاستخباراتي والعسكري للحد من “التموضع” الإيراني في سوريا، و”لجم” نفوذه في الشرق الأوسط.
وضمن هذا السياق، يتحدث مسؤولون صهاينة عن وجود استعداد لدى نتنياهو لإبرام اتفاق مع بوتين قوامه إلتزام “إسرائيل” عدم تهديد النظام السوري والرئيس بشار الأسد مقابل إلتزام موسكو بإخراج إيران من سوريا، كذلك تتحدث أوساط أميركية عن استعداد لدى ترامب لإبرام اتفاق مع بوتين حول سوريا ليس بعيد في جوهره عما يبحث عنه نتنياهو ويسعى إليه.
محرر الشؤون السياسية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم برنياع، كتب، أن نتنياهو “مهتم جداً بقمة ترامب ـ بوتين، وهذه ليست الصفقة الممجوجة المتعلقة بحل القضية الفلسطينية، إنما هي الصفقة التي يأمل بها نتنياهو، وبموجبها سيتقبل ترامب “الاحتلال” الروسي لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، ويرفع العقوبات المفروضة على بوتين ويسمح له بالسيطرة على سوريا؛ وفي المقابل يهتم بوتين بطرد الإيرانيين وأتباعهم من سوريا”.
زعماء السعودية ودولة الإمارات و”إسرائيل” كانوا يحضّون ترامب على “مقايضة سوريا بأوكرانيا”
وفي السياق ذاته جاء في مقال نشرته مجلة “نيويوركر” أن زعماء السعودية ودولة الإمارات و”إسرائيل” كانوا يحضّون ترامب على “مقايضة سوريا بأوكرانيا”، وأن ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد أبلغ ترامب أن بوتين يمكن أن يحل النزاع في سوريا مقابل إلغاء العقوبات المفروضة على روسيا بسب “احتلالها” شبه جزيرة القرم. وسُمي اقتراح المقايضة هذا بـ”الصفقة الكبرى”. وتقضي الصفقة بأن تضغط روسيا من أجل انسحاب إيران وحلفاءها من سوريا.
في الواقع، يراهن الكيان على أن هناك أرضية ما تسمح بالرهان على أن توالي التطورات والمحادثات قد يؤدي لاحقاً إلى إحداث تحوّل ما في الموقف الروسي العام، بغض النظر عن المستوى الذي يمكن أن يبلغه وما قد يترتب عليه من نتائج عملية. وضمن هذا السياق أتت زيارات نتنياهو إلى موسكو مؤخراً، ولقاءه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تعد الزيارة الثالثة لنتنياهو خلال اقل من ستة أشهر، وتحت العناوين الإيرانية والسورية ذاتها. والمعطيات المتوافرة حول لقائه مع بوتين تفيد، إستنادا الى معلومات دبلوماسية أولية:
1ـ طرح نتنياهو مبدأين أساسيين أصر عليهما وهما: منع الوجود الإيراني العسكري في كل سوريا، وإلزام دمشق تنفيذ اتفاق فك الاشتباك في الجولان بحذافيره.
2ـ الإلتزام الوحيد الذي قدمه بوتين هو عدم الرد الروسي على الضربات الإسرائيلية ضد المنشآت العسكرية التي تعتبرها “إسرائيل” قواعد وأهدافا إيرانية.
3ـ مسألة سحب القوات الإيرانية والموالية لها من حدود فلسطين المحتلة مع سوريا الى عمق 80 كلم ما زالت موضع بحث ونقاش ولم يصدر أي موقف أو قرار روسي نهائي في شأنها.
4ـ جرى بحث في عملية الجيش السوري المنتهية في محافظة درعا وفي عملية الجيش السوري المقبلة في محافظة القنيطرة المتاخمة لهضبة الجولان المحتلة.
ثبت لـقادة الكيان الغاصب سقوط الرهان على الأميركيين الغير راغبين في تحقيق المصالح الإسرائيلية
من الواضح، أن الكيان الغاصب لا يخفي استسلامه أمام واقع انتصار الرئيس بشار الأسد، لكنه معنيٌ بأن يقلص ما أمكنه تداعيات فشله هو وحلفاؤه في الحرب السورية. إدراك الكيان محدودية القدرة لديه على فرض إرادته بالقوة العسكرية، يفسّر بدوره، الرحلات الدائمة لنتنياهو وعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين إلى موسكو، علّه يمكّنهم من استحصال ما أمكن عبر “الصديق” الروسي، فهناك مقداراً من التفاعل بين العمليات الإسرائيلية في الساحة السورية، وبين لقاءات نتنياهو مع بوتين، فكلما تضاءلت احتمالات التوصل إلى نتائج مرضية من خلال الاتصالات السياسية، يجد الكيان الغاصب نفسه مندفع الى الخيار العسكري. وكان نتنياهو استبق زيارته لموسكو بغارة جوية جديدة ضد قاعدة “تي. فور” الجوية بزعم استخدامها من قبل إيران. وقد يكون أراد بذلك توجيه رسالة استباقية مفادها مطالبة بوتين رسم خطوط عبور جديدة للإيرانيين في سوريا طالما أن موسكو لم تتجاوب مع مطلب إخراج إيران من كل سوريا، بعدما ثبت لـقادة الكيان الغاصب سقوط الرهان على الأميركيين الغير راغبين في تحقيق المصالح الإسرائيلية عبر التورط في معارك وحروب، بل على النقيض من ذلك، هم يسعون لإيجاد تسوية ما بعيداً عن الخيارات العسكرية، مقابل انسحابها العسكري المباشر من سوريا. لذلك لم يعد أمام الكيان الصهيوني إلا نقل طلباته لموسكو، التي هي لاعب أساسي وقوي في سورية، كذلك تشكل موسكو قناة تواصل مفيدة لمصلحة واشنطن، وهو ما سيمنح مستقبلاً الرئيس الروسي دوراً أكبر في الشرق الأوسط. من الواضح أن روسيا وتفاهماتها مع محور المقاومة والممانعة تتقدم ويتصاعد بينما الكيان الصهيوني يغرق في حالة إرباك وخوف.
العهد