هل يفعل ترامب بأوروبا ما فعله بالخليج؟
رأفت حرب
توتر متزايد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة الدول الأوروبية، وتصريحات وإجراءات تعمق الخلافات وتستدعي تصريحات مضادة، فهل يكون للرئيس الأميركي أثر على العلاقات الأوروبية شبيه بذلك الذي أوصل الدول الخليجية إلى خلاف كبير بعد زيارته الأخيرة إلى الرياض.
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشكلة مع حلف الناتو، هي تلك المشكلة المتجددة التي بدأها ترامب قبل انتخابه، حيث يطالب الدول الأوروبية بـ”دفع فواتيرها”، ويصف الحلف بأنه عفا عليه الزمن، ثم يعود ليعرب عن إيمان بهذا الحلف وبدوره.
الخلاف لا يبدو مرتبطاً بحلف الناتو وفواتيره فقط. صحيفة “نيويورك تايمز” تنقل على سبيل المثال عن ترامب قوله إن استراتيجية رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي المتعلّقة بعدم الانسحاب الكامل من الاتحاد الأوروبي ستقضي على اتفاقية تجارة محتملة بين بريطانيا والولايات المتحدة، وأنه سيضطر بسبب ذلك إلى التعامل مع الاتحاد الأوروبي بدلاً عن بريطانيا.
يضيف ترامب في هذا الإطار أنه نصح ماي بما يجب عليها أن تفعله بشأن عملية الانسحاب، لكنها لم تصغِ له، واتبعت الاتجاه المعاكس تماماً، بحسب تعبيره.
غضب الرئيس الأميركي من ماي وصل أوجّه، إذ وصف بوريس جونسون – وزير الخارجية البريطانية السابق الذي استقال منذ أيام على خلفية خلاف مع ماي تأييده الانسحاب البريطاني الكامل من الاتحاد الأوروبي – بأنه سيكون رئيس وزراء رائعاً، وهي إشارة تعتبر أكثر من استفزازية في ظل حكومة لا تزال تمارس صلاحياتها بشكل طبيعي برئاسة ماي.
يبدو أن ترامب يفضّل التشجيع على أزمة داخلية في بريطانيا على أن يحترم مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين، ثم ينسحب سلوكه على ألمانيا الذي وصفها بالأسيرة في يد روسيا.
سلوك ترامب هذا استدعى رداً ألمانياً سريعاً، حيث أكدت المستشارة أنجيلا ميركل أن بلادها تتخذ قراراتها بشكل مستقل وتعتمد سياستها الخاصة.
ترامب يتوعّد الأوروبيين أيضاً برسوم أخرى على صادرات السيارات والصلب والأمنيوم إلى الولايات المتحدة، فيعلّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الأمر قائلاً “لن نحل مشاكل العجز التجاري عن طريق فرض تعرفات جديدة”، كما أعرب عن معارضته لاقتراح ترامب رفع النفقات العسكرية لدول الأطلسي إلى 4%.
هذا ويبقى للخلاف الأميركي – الأوروبي بشأن كيفية التعامل مع إيران والاتفاق النووي حيّز كبير في العلاقات المتوترة بين الطرفين، فإيران وأوروبا مستمرّتان بمحاولة إنقاذ الاتفاق بالرغم من التهديدات الأميركية بالعقوبات، والتصريح بالعمل على إيقاف صادرات إيران النفطية كلياً.
ما يقوم به ترامب يخض القارة الأوروبية، ويجعلها أمام الكثير من الخيارات الصعبة لتطرح على نفسها الكثير من الأسئلة: هل تبتعد عن الولايات المتحدة؟ هل تبحث عن آلية ما تعوّضها عن الدور الأميركي؟ هل يمكن لبعض الدول الأوروبية أن تسير باتجاه روسيا والصين؟ أم هل تفضّل القارة العجوز مظلّة واشنطن مهما كان الثمن في المقابل، ومهما تعاظمت “الفواتير”؟
شيء ما ينذر بتكرار مشهد دول الخليج، حيث انقسمت هذه الدول على بعضها بعد زيارة ترامب الأخيرة إلى الرياض، فقطعت كل من السعودية والبحرين والإمارات علاقاتها مع قطر وحاولت خنقها، ثم وقفت الكويت موقفاً حيادياً حاولت من خلال رأب الصدع، لكنّها لم تحقق شيئاً حتى الآن.
“الفواتير” قضية مشتركة، والسلوك الأميركي في بث الخلافات يكاد يكون نفسه، لكن ردة الفعل الدول الأوروبية قد تكون مختلفة، وهي التي تُظهر مقاومة حتى الآن على أكثر من مستوى.
الميادين