في ذكرى المذبحة.. تفاصيل قتل أفراد عائلة ملكية كاملة
إنه صباح رمادي آخر من صباحات مدينة “يكاترينبرغ” المدينة الروسية الكئيبة، يوميًّا تأتي الراهبات من دير قريب إلى بيت ناء لإمداد العائلة الإمبراطورية السابقة – الأسيرة لدى الثوار البلاشفة الروس – بالبيض من أجل إفطارهم، في مساء يوم 15 يوليو، قام قائد الشرطة السرية “ياكوف يوروفسكي” القائد البلشفي الطويل القامة ذو المظهر الذكي القاسي بتسليم الراهبات مذكرة تطلب عددًا أكبر من المعتاد من البيض، قالت المذكرة إنهم يريدون أكثر من 50 بيضة.. لم يكن البيض لإطعام أسرة رومانوف الإمبراطورية السابقة هذه المرة، ولكن لإطعام الرجال الذين تم اختيارهم لتنفيذ عملية إعدامهم.
في ذكرى المذبحة وبعد مرور مائة عام بالتمام ترصد لكم “روتانا.نت” كيف قُتلت العائلة الإمبراطورية الروسية في جريمة دموية بشعة لحظة بلحظة:
الثورة البلشفية:
بعد قيام الشعب الروسي بثورة عارمة عمّت أنحاء روسيا بسبب الفقر في عام 1917 تنازل القيصر نيقولا الثاني سليل عائلة رومانوف التي حكمت أكثر من 300 عام عن الحكم، ووُضعت الأسرة بأكملها تحت الإقامة الإجبارية في قصر ألكسندر في سيلو تراسكوي خلال الثورة الروسية، بعد ذلك تم نقل قيصر وأسرته إلى توبولسك، سيبيريا، وبعد أن سيطر البلاشفة “الثوار” على الأغلبية في روسيا تم نقل القيصر وعائلته إلى بيت في يكاترينبرغ.
سبب الإعدام:
بعد نجاح الثورة البلشفية في أكتوبر 1917، عانت روسيا من التفكك وباتت تسير بسرعة باتجاه حرب أهلية. كانت هناك مفاوضات للإفراج عن رومانوف بين البلاشفة والأسر الملكية المرتبطة بقرابة للقيصر في أوروبا، وخوفًا على الثورة ومطالبة رومانوف دولياً بحقه في الحكم لم يجد الروس الثوريون حلًّا سوى إعدامهم.
كان في الأسر كل من نيقولا الثاني وزوجته وابنه إليكسي المصاب بأحد أمراض الدم، وبناته الأربع ” أناستازيا، 17 عامًا، وماريا، 19 عامًا، وتاتيانا، 21 عامًا، وأولغا، 22 عامًا ، وطبيب العائلة وخادم القصر والطباخ.
ليلة الإعدام:
الساعة التاسعة صباحاً:
قدم لعائلة رومانوف وجبة إفطار من الخبز الأسود والشاي، إنه اليوم الثامن والسبعين في حجزهم في هذا المكان، بالأمس صدمت أربع نساء محليات جئن لتنظيف المنزل بالأمير إليكسي البالغ من العمر 13 عامًا وهو يجلس على كرسي متحرك، وقد ساعدتهن الأميرات الأربع الأكثر شهرة وتألقًا في أوروبا في الأعمال المنزلية، فهمسن لهن: “إرضاء لله، لن تعانين تحت نير هذه الوحوش لفترة طويلة”.
الساعة 11:30 صباحاً :
كان هذا وقت نزهة العائلة الملكية، إن نوافذ بيت إيباتيف الأبيض مطلية باللون الأبيض، لقد تم تحذير العائلة من أنه إذا قام أحد بإخراج رأسه من النافذة فسيتم إطلاق النار عليه، سبق أن تم الاستيلاء على المنزل من قبل البلاشفة من مهندس في السكك الحديدية يدعى “نيكولاي إيباتيف” الذي أعطاه الثوار مهلة 48 ساعة فقط للمغادرة، فترك معظم ممتلكاته وراءه وهرب.
لم تخرج الأميرات، قبل مغادرتهن إلى يكاترينبرغ، قامت ثلاث من الأخوات بخياطة الجواهر الملكية في قمصانهن وقبعاتهن، من أجل إخفائها عن أعين الجنود والضباط البلاشفة، تظاهرن بأنهن يردن التأكد من ترتيب الأدوية، ولكن كانت الأم وبناتها يتأكدن من أن الجواهر آمنة إذا تم نقل العائلة مرة أخرى.
الساعة : 12:30 مساءً :
يخبر الجنرال يوروفسكي مساعده بأن عمليات الإعدام ستتم الليلة، اختار يوروفسكي 11 رجلاً للقيام بهذه المهمة، واحد لكل من العائلة وموظفيها الأربعة – الدكتور بوتكين، طباخهم، خادمة ومشرف، وقد اختار أيضًا الموقع وهو غرفة سفلية بطول 21 قدمًا، مضاءة بمصباح واحد عارٍ، سيتم إخفاء أصوات إطلاق النار هناك، وسيتم تنظيف الدم بسهولة من ألواح الأرضية الخشبية، أعطيت مهمة التخلص من الجثث لبيتر إيرماكوف وهو ثائر عنيف وسارق مصرف سابق قضى تسع سنوات في سجون القيصر، وخرج لينتقم.
الساعة 04:00 مساءً:
لاحظ السكان المحليون أن الحراس خارج منزل إيباتيف متوترون وأن المدافع الرشاشة توضع على السطح، إنهم يشعرون أن شيئاً سيئاً سيحدث.
الساعة 08:00 مساءاً:
بينما يتناول أفراد أسرة رومانوف طعام العشاء، يستدعي يوروفسكي رجاله إلى مكتبه، حيث جمع ترسانة كبيرة من المسدسات والبنادق، قال لهم: “الليلة، علينا أن نطلق النار عليهم جميعًا!”، كان بعضهم من الواضح أنهم في حالة سكر وتراجع رجلان رافضين قتل الفتيات الأربع.
الساعة 10:00مساء:
كانت عائلة رومانوف يستعدون للنوم، يتعرضون باستمرار للإهانة والترهيب، في ليال سابقة سار الحراس مرارًا وتكرارًا إلى غرفة نوم الفتيات، مما جعلهن يصرخن في حالة رعب، وكانت جدران المراحيض مغمورة بالشعارات السياسية والتعليقات الفاضحة التي تطعن في شرفهن، وكان الجنرال يوروفسكي في هذا الوقت في الطابق السفلي يجهز لعملية الإعدام، سيكون الليل خفيفًا خلال سبع ساعات تقريبًا، حيث تكون ليالي الصيف في جبال الأورال قصيرة، لذلك ليس لديه الكثير من الوقت لإنجاز مهمته.
الساعة 1.30 صباحًا:
أيقظ الجنرال يوروفسكي الطبيب بوتكين، أخبره أن الجميع بحاجة إلى النهوض وارتداء الملابس، واختلق قصة عن متاعب تثور في المدينة، وإطلاق نار في الشوارع، وسيكون من الخطر عليهم البقاء في الطابق العلوي، وفي تمام الساعة 02:15 كانت العائلة قد ارتدت ملابسها وأحضروا أشياءهم الثمينة وكان نيقولا يحمل طفله إليكسي المريض بين ذراعيه.
الساعة 02:17 صباحًا:
يأمر يوروفسكي السائق بيتر إيرماكوف – بعد تجميع العائلة في قبو أسفل المنزل بهدف التقاط صورة تذكارية لهم تثبت أنه سوف ينقلهم لبر الأمان – بإشعال محرك الشاحنة التي ستنقل جثثهم من أجل إخفاء صوت الرصاص، ويدخل يوروفسكي وهو يمسك مسدسه ويقرأ من ورقة في يده: “في ضوء حقيقة أن أقاربك واصلوا هجومهم ضد روسيا السوفييتية، قرر الاتحاد الأوربي السوفييتي الحكم عليك بالإعدام”، وصرخ القيصر نيقولا وهو يلتفت لمواجهه عائلته: “ماذا؟”.
وبدأ الحراس بإطلاق النار.. قتل الرصاص نيقولا، وتناثر الدم على الطفل إليكسي، وضرب الرصاص الأميرات ولكنه لم يكن يؤذيهن، قتل الخدم والطبيب بوتكين، كان المصباح الضعيف ورصاص البنادق والأتربة من السقف المجصص يجعل من الصعب رؤية ما يجري ، عندما صرخ يوروفسكي على رجاله لوقف إطلاق النار، ومغادرة الغرفة.
الساعة 02:30 صباحاً:
بالوقوف خارج الغرفة، سمع القتلة صوت البلبلة والنحيب، كان هناك العديد من الأحياء بالداخل، دخل الرجال مرة أخرى، كان إليكسي الطفل مازال مرعوبًا يمسك بكرسيه، أطلق عليه النار مرارًا ولكن الوريث السابق كان محشوًّا بالألماس، وفي النهاية أطلق يوروفسكي النار على الصبي في الرأس، كانت الأميرات الأربع يصرخن، كان الماس واللؤلؤ المخيط في قمصانهن لا يطيل إلا من معاناتهن، أطلق الحراس النار عليهن وطعنهن حتى الموت.
الساعة 02:45 صباحاً:
تم لف بقايا وأشلاء عائلة قيصر في ملاءات النوم، لأخذهم حيث سوف يتم دفنهم، انسحب مسؤول بلشفي للنظر في موت القيصر السابق قال: “إذن هذه نهاية سلالة رومانوف، أليس كذلك؟”، بدأ الحراس في تجريد أجساد الجثث من الخواتم والقلادات والساعات الذهب، اكتشف يوروفسكي لماذا استغرقت الأميرات وقتاً طويلاً في الموت عندما كان الحراس يحملون الجثث ويبدأون في سحب ملابس الفتيات ويكتشفون اللآلئ والمجوهرات، قال لاحقاً: “لا أحد مسؤول عن معاناتهم أثناء الموت بل هم أنفسهم”، واضطر يورفسكي إلى توجيه مسدسه إلى حراسه لإيقافهم عن النهب.
ماذا حدث بعد ذلك؟
في يوليو عام 1991، أخرجت الجثث المسحوقة للقيصر نيقولا الثاني وزوجته، جنبًا إلى جنب مع ثلاثة من أصل خمسة من الأطفال إضافة إلى أربعة من الخدم، واعتقد كثير من الناس أن طفلين من آل رومانوف قد نجيا من القتل وقام عالم أمريكي بفحص الأسنان وعظام العمود الفقري وقال بأن أنستازيا وإليكسي هما اللذان فقدا، وأحاط الكثير من الغموض بمصير أناستازيا.
الدراما والمذبحة
في عام 1998 تم إنتاج فيلم كرتوني يحمل اسم “أناستازيا” وهو فيلم أمريكي من إنتاج وإخراج دون بلوث وغاري غولدمان، وهو أول فيلم روائي تنتجه شركة فوكس إنيميشين ستوديوز، وحصل على 8 جوائز ورُشح لـ 16 جائزة أخرى، من بينها جائزتا اوسكار عن فئة “أفضل موسيقى” و”أفضل أغنية ” بأغنية “رحلة إلى الماضي”.
الساعة السابعة صباحاً يوم 17 يوليو 1918:
كان الجو باردًا، ولكن رغم ذلك جاءت الراهبات في يكاترينبرغ بالبيض من أجل إفطار عائلة رومانوف الملكية، وبناته الجميلات الأربع ولكن أشار إليهن الحراس أن يبتعدن عن المنزل، وعندما قلن إنهن يأتين لجلب البيض من أجل إفطار القيصر، أمرهن ألا يأتين مرة أخرى.
روتانا