«داعش» وحيداً في الجنوب السوري
مع بدء خروج المسلحين من أرياف درعا والقنيطرة، يبقى جيب «داعش» في وادي اليرموك، وحيداً على خريطة العمليات العسكرية. وبالتوازي كشفت موسكو عن مقترحات قدمتها إلى الجانب الأميركي تتضمن تنسيقاً مشتركاً لعودة اللاجئين ومبادرة لتمويل إعادة إعمار البنى التحتية في سوريا. وذلك بالتوازي مع إعلان فرنسي عن تعاون مشترك مع روسيا في إرسال مساعدات إنسانية إلى السوريين.
لم يتأخر انطلاق اتفاق «التسوية» الخاص ببلدات القنيطرة وريف درعا الغربي، والذي يسمح بعودة الجيش إلى المواقع العسكرية، ودخول قوى الأمن ومؤسسات الدولة إلى تلك البلدات. فبعد ساعات فقط على إتمام اتفاق بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، بدأ دخول الحافلات إلى مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في ريف القنيطرة، لتنطلق عملية الترحيل نحو الشمال السوري. أهالي كفريا والفوعة ومقاتلوها، والمختطفون (المحرّرون) من قرية اشتبرق، خرجوا إلى حلب ومنها على دفعات إلى محافظات أخرى. وكان من بين الخارجين ستة من مقاتلي حزب الله الذين وصلوا إلى لبنان أمس، إلى جانب ضابطين في الجيش السوري. هؤلاء كانوا قد رفضوا الخروج من البلدتين في دفعات الإجلاء السابقة، وآثروا البقاء وملاقاة مصير أهل البلدتين أياً يكن. اختتم اتفاق البلدتين الإدلبيتين من دون أن تتضح كيفية حل «عراقيل» الدفعة الأخيرة، ولا طبيعة ارتباطه باتفاق القنيطرة، لا سيما ما يخص ترحيل مسلحي «هيئة تحرير الشام» وطبيعة الأسلحة التي يمكنهم إخراجها. الواضح فقط هو أن المسلحين بدأوا بالخروج من الجنوب بأسلحتهم الخفيفة، على أن يتركوا خلفهم كامل السلاح المتوسط والثقيل.
أعلنت فرنسا أنها ستتعاون مع روسيا لتقديم مساعدات إنسانية إلى سوريا
وخلال أمس، دخلت 85 حافلة إلى مناطق سيطرة المسلحين، وتحركت الدفعة الأولى منها من معبر أم باطنة، باتجاه نقاط تفتيش الجيش ومنها نحو الشمال. ووفق الاتفاق الموقع هناك، تم تجميع المسلحين الراغبين بالمغادرة نحو الشمال، ليدخل الجيش القرى التي غادروها، وهي حتى ليل أمس، 21 بلدة ومزرعة تمتد بين ريفي درعا والقنيطرة. ويتحضر العدد الباقي من المسلحين في ريف القنيطرة، كما في بلدة نوى، للرحيل على دفعات متتالية، لتبقى مناطق سيطرة «داعش» الوحيدة خارج كنف الدولة في الجنوب. ولم يكن «داعش» في حوض اليرموك، غائباً عن التطورات، فقد استغل انسحاب المسلحين من المواقع شمال مناطق سيطرته في حوض اليرموك ليسيطر على 12 مزرعة في المنطقة المحصورة بين غرب نوى وبلدة الرفيد الحدودية مع الجولان المحتل. التقدم الأخير للتنظيم ترافق مع اشتباكات في عدد من النقاط بين عناصره والجيش السوري. وترافق مع حملة قصف واسعة تعرضت لها مناطق سيطرة التنظيم، وبخاصة بلدة تسيل ومحيطها، بمشاركة من سلاح الجو الروسي. واستمرت الغارات الجوية الكثيفة حتى ساعة متأخرة من ليل أمس.
ومع بدء تنفيذ اتفاق القنيطرة، كان لافتاً ما نقلته وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية عن مسؤولين رسميين لم تسمهم، في شأن اتفاق أميركي ــ كندي ــ بريطاني، لإجلاء أعضاء فرق «الخوذات البيضاء» من منطقة «جنوب غربي سوريا» (درعا والقنيطرة)، إلى أحد «بلدان الجوار» ليقيموا في مخيمات موقتة، على أن يتم نقلهم لاحقاً إلى «بلد ثالث». ولم توضح الوكالة تفاصيل حول آلية الانتقال، ولا بلدان الجوار التي سيتم نقلهم إليها. وجاء ذلك بالتوازي مع دعوة الأمم المتحدة من ضرورة إلى «فتح ممر آمن» لما يقرب من 140 ألف نازح في المنطقة نفسها. حديث المنظمة عن النازحين ترافق مع تأكيدها أنها لا تملك معلومات مفصلة حول المبادرة التي تقودها روسيا، في شأن عودة اللاجئين إلى سوريا. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت أنها أرسلت مقترحات تفصيلية إلى الجانب الأميركي، تتضمن خطة لإنشاء مراكز مشتركة تعنى بإعادة اللاجئين، وبخاصة في لبنان والأردن، إلى جانب مبادرة لإنشاء آلية لتمويل إعادة الإعمار في سوريا. التصريحات الروسية اللافتة في هذا الشأن، أكدت أن هذه المقترحات «تأخذ في الاعتبار الاتفاقات بين الرئيسين الروسي والأميركي، خلال قمتهما في هلسنكي»، مضيفة أن الجانب الأميركي يدرس هذه المقترحات حالياً. وهو ما أكده حديث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عن أن الرئيس دونالد ترامب وفلاديمير بوتين بحثا سبل حل الأزمة السورية وكيفية إعادة اللاجئين. وفي موازاة ذلك، بدا لافتاً، إعلان الرئاسة الفرنسية أن فرنسا وروسيا سوف تتعاونان خلال الأيام المقبلة ضمن جهد إنساني مشترك في سوريا، لتلبية حاجات المدنيين في الغوطة الشرقية، وبخاصة للرعاية بالحالات الطبية الحرجة في مستشفيات يديرها الهلال الأحمر العربي السوري. وأكدت في بيان أن روسيا سوف تتولى نقل مواد طبية جواً من فرنسا إلى سوريا، على أن يتم إيصالها إلى المستفيدين وفق قواعد الأمم المتحدة وبدعم من روسيا مع احترام القانون الإنساني الدولي.
موسكو: ملف إدلب قد يحل وفق تسوية الجنوب
مع خروج ملف بلدتي كفريا والفوعة من إطار التجاذبات العسكرية والسياسية، والحديث عن احتمالات التصعيد في منطقة إدلب ومحيطها، برز أمس تصريح لافت للسفير الروسي في دمشق، ألكسندر كينشاك، قال فيه إن الوضع في محافظة إدلب يمكن تسويته على نمط ما جرى في منطقة «خفض التصعيد» الجنوبية، مشيراً في الوقت نفسه إلى «تعقيدات أكثر في المنطقة الشمالية». ولفت إلى أن هذه التعقيدات «تجب معالجتها بعناية ودقة، من دون تشويش إضافي، بما في ذلك من وسائل الإعلام… الحوار ليس سهلاً، فكل من الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) لديها مصالحها ورؤيتها حول ما يجب القيام به في سوريا، وكيف يجب القيام به».
الأخبار