“ثوار” يهوذا ومزمار داوود.. الموساد اخترق المعارضة السورية قبل بدء الحرب
علي مخلوف
في الحرب قد تسكت البنادق ويترسب البارود على التربة لينبت زهراً ولو بعد حين، و في الحرب أيضاً يولد الإمعات ويتكاثر تجار الحروب والباحثون عن الفرص في أقبية المخابرات الأجنبية كتكاثر البعوض في مستنقع.
في هذه الحرب نجح الإسرائيلي كما الخليجي والأمريكي والأوروبي في نقش ختمه الخاص على أدمغة البعض، ليصبح هؤلاء منتجاً إسرائيلياً عالية الجودة في الخيانة، و”ثواراً” على مفهوم الثورة الحقيقية ذاتها، لقد تحول الموساد إلى صولجان سلطة لإسرائيل فوق رؤوس هؤلاء، وأصبحت دولارات تل أبيب أشبه بمزمار داوود يتراقص المعارضون على نغماته في كل مناسبة يُطلب منهم إطلاق تصريحات فيها.
لم يكن الفيديو الذي نشره الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين يظهر فيه برفقة معارض سوري يُدعى عصام زيتون كممثل لميليشيا الجيش الحر في قلب تل أبيب سوى تتمة طبيعية لمسلسل طويل من عمليات الموساد في اختراق صفوف المعارضة وتجنيد ما يمكنها تجنيده.
ولم تكن دعوة زيتون للعرب ولولي العهد السعودي بن سلمان من أجل زيارة الكيان الإسرائيلي وما أسماها بحقيقة الشعب الإسرائيلي الطيب إلا نتيجة حتمية لما أسموه بمحور الاعتدال العربي، ذات المحور الذي لم يقدم لغزة سوى تجشأ بعد وجبة عشاء على هامش قمة ثم تنديد يشبه تثاؤب التعب، فيما كانت محاصرة وتُقصف في عامي 2008 و2009 ، وهو المحور الذي اعتبر الدعاء لأبطال المقاومة اللبناية بدعةً تستوجب الردة وإقامة الحد، هو ذات المحور الذي خرج بعبارة “خطر الهلال الشيعي” مطلقاً بذلك أولى انفجارات الفتنة المذهبية في المنطقة، محور الاعتدال هذا، هو ذاته الذي لم يفعل شيئاً حيال احتلال بغداد، بل تفرج على سقوطها واغتصابها أمريكياً، كما يفعل الديوث.
ظهور عصام زيتون لم يكن عبثياً البتة، فقد أُريد منه إظهار مدى التوغل الاستخباراتي الإسرائيلي بين السوريين المعارضين في الخارج، فهل يفسر هذا حنان الكيان الصهيوني على مسلحي الجنوب عندما أقامت لهم مشافي لعلاج جرحاهم؟! الغاية من الفيديو القول بأن هناك سوريين معارضين كثر يرفضون ما تم ترداده من “نظام الأسد” بأن إسرائيل عدوة وليست دولة بل مجرد كذبة، لم لا فقد قالها أحد جرحى المسلحين لمراسل القناة العاشرة العبرية عندما زاره مسؤولون إسرائيليون، بأن اليهود طيبون وهم أفضل من طائفة معينة، فيما قال جريح آخر أن الدولة السورية أفهمتهم لعقود بأن إسرائيل عدوة وتبين لهم أنها ليست كذلك!
ظهور زيتون الذي يشارك في مؤتمر هاري ترومان الإسرائيلي بتل أبيب ما هو إلا دليل جديد على اختراق الموساد للمعارضة، فزيتون ليس سوى اسماً من قائمة، ألم يصرح المعارض فريد الغادري بأن علم إسرائيل سيرتفع فوق دمشق حال “سقوط النظام السوري” ؟! وهناك آخرون مشاركون كالمعارض الكردي سيروان كاجو.
والجدير بالذكر أن معهد ترومان للأبحاث يشرف عليه الموساد شأنه شأن الكثير من مراكز الأبحاث التي تُتخذ غطاءً لأعمال استخباراتية، السوريون المعارضون الذين تمت دعوتهم للمؤتمر هم هناك لسبيين الأول ترويج فكرة أن المعارضة السورية صالحة للسلام مع تل أبيب ولا تهدد المنطقة بحرب تهدد الأجيال بحسب ما يتم تكراره، والسبب الثاني هو اتباع دورة وتلقي تعليمات جديدة تتعلق بجبهة الشرق والشمال حيث ينشط رفقاء هؤلاء المعارضين، وطبعاً المؤتمر بحد ذاته هو غطاء لما يمكن أن يُقال عنه بأنه اجتماع لغايات استخباراتية خصوصاً وأن من بين هؤلاء المعارضين ضباط منشقين وفارين عن الجيش السوري.
بالعودة للمعارض فريد الغادري فإنه زار إسرائيل منذ العام 2007 أي قبل الأزمة بأربعة أعوام! أما المعارض أنس العبدة فكان منتمياً لما تُسمى بـ “حركة العدالة والبناء في سورية” والتي تم الإعلان عنها في لندن وبتمويل من المخابرات المركزية الأمريكية وذلك منذ العام 2005 ، كما أن جماعة إعلان دمشق تلقوا تمويلهم أيضاً من المخابرات الأمريكية.
ومنذ العام 2004 قام ضابط أمن السفارة الإسرائيلية السابق في واشنطن نير بومس بتوفير ملايين الدولارات من موازنة الموساد لصالح مجموعات سورية سياسية وإعلامية معارضة أبرزها حركة العدالة والبناء واتسهيلات لوجستية لتحالف إعلان دمشق! كل تلك العمليات سبقت الأزمة السورية التي بدأت في العام 2011 وأسست لها، وهذا بالضبط يفسر لماذا يخرج علينا كل فترة معارضون إما بمقابلات مع وسائل إعلام عبرية، أو يزور بعضهم تل أبيب، أو يصرح بتصريحات غزل لإسرائيل، وهو ما يفسر تقديم إسرائيل دعماً نارياً للمسلحين في الجنوب، ولماذا قام من أسموا أنفسهم “ثواراً” باستهداف قواعد الدفاع الجوي في البداية، مقدمات كالتي ذكرناها لا بد من أن تنتج في النهاية أشخاصاً كالشيخ الإدلبي المسلح الذي قال “إن كان شارون ضد بشار الأسد فهو عيني”! ودمتم.
عاجل